Aya

1953

HT logo
  adv search
new email def main site arabic
info office misc wilayat books tahleelat lflts  
                 
 
:::
:::
 

سرعة البَديهَة

24 من ذي القعـدة 1396هـ الموافق 1976/11/16م

(للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة “Bookmarks”
الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف)

::محتويات/فهرس الكتاب ::

محتويات الكتيب 5
سرعة البديهة 7
الذكاء وسرعة البديهة 26
استعمال الذكاء وسرعة البديهة 42
سرعة البديهة الطبيعية وسرعة البديهة المصطنَعة 52
المشكلـة 62
حقيقة المشكلة 72
علاج المشكلة 78
المعاناة وسرعة البديهة 84
ما ينبغي فعله أولاً 90
المعاناة وسرعة البديهة 96
واقع ما هو موجود فعلاً 101
حقيقة سرعة البديهة 110
أثر سرعة البديهة في الأمّة 114
الفرق بين سرعة البديهة وسرعة الملاحظة 125
كيفية إيجاد سرعة البديهة 128

(نسخة محدثة بتاريخ 2018/04/03م)

 

ثلاً حين يسألك فلان من الناس من أين أنت؟ أدركتَ بسرعة خاطفة قصده من السؤال، وما يكمن وراء هذا السؤال، فحكمتَ بسرعة خاطفة على السؤال، وبذلك تكون لديك سرعة بديهة، وبناء على سرعة البديهة هذه أجبتَ السائل الجواب الذي ينبغي في مثل هذه الحال. ومثلاً حين تسمع خبر زيارة أحد المسؤولين لبلد ما، أدركتَ من سماعك هذا الخبر غاية هذه الزيارة بسرعة خاطفة، وبذلك تكون لديك سرعة بديهة، وبناء على سرعة البديهة هذه عيّنتَ لنفسك الإجراءات التي تلزم في هذا المجال. ومثلاً حين تفاجَأ بدخول شخص عليك لم تكن تنتظر قدومه أدركت بسرعة خاطفة سبب قدومه عليك، وبذلك تكون لديك سرعة البديهة. وبناء على سرعة البديهة قمت بالإجراء المتفِق مع هذا الإدراك السريع.

فسرعة البديهة وإن كانت تعني بالأصل سرعة الإدراك أو سرعة التفكير، ولكنها تعني سرعة الحكم على الشيء الذي واجهك بناء على سرعة الإدراك. فالأصل وإن كان هو السرعة في الإدراك أو السرعة في التفكير، ولكن المقصود من ذلك هو السرعة في الحكم، فتكون سرعة البديهة هي سرعة الحكم على الأشياء، لأن الحكم على الأشياء هو الإدراك أو هو التفكير وإن كان ذلك نتيجة الإدراك ونتيجة التفكير.


وعلى ذلك، فإن أمّة كالأمّة الإسلامية إذا تمكنت من تحويل الفكرة إلى فكر سياسي، فإن ما يحصل يومياً من وقائع إذا ربَطَتها بما ينبثق عن عقيدتها، كانت لديها سرعة البديهة. فالمسألة إذن في سرعة البديهة، وإن كانت ظاهراً متعلقة بسرعة إدراك الواقع، أي إيجاد الملاحظة أو سرعة الملاحظة، ولكنها قبل ذلك وبعد ذلك متعلقة بتحويل الفكرة والحكم الشرعي إلى فكر سياسي. لذلك فإنا نمر مرّ الكرام بما يسمى سرعة الملاحظة، أو بسرعة إدراك الواقع وما يدل عليه، ونركز الاهتمام كله على تحويل الفكرة الإسلامية والأحكام الشرعية إلى فكر سياسي. لذلك فإن إيجاد سرعة البديهة في الأمّة أو في الأفراد، إنّما يكون أولاً وقبل كل شيء، بجعل الرأي الإسلامي رأياً سياسياً، ثم بعد ذلك توجد سرعة البديهة. فسرعة البديهة لا بد من إيجادها، ولا بد أن يكون هذا الإيجاد على أساس الإسلام، فالرأي الإسلامي أولاً، ثم جعْله رأياً سياسياً ثانياً، ثم إيجاد سرعة البديهة. فمثلاً قتال الكفار لأنهم كفار أمر بديهي، وهو حكم شرعي، وأخْذ الجزية منهم هو منْع للقتال، فتؤخذ الجزية لأنه يراد السلام. فأخذ الجزية لأنهم كفار يريدون السلام، وقتالهم لأنهم كفار يريدون الحرب، فقتالهم لأنهم كفار، وأخذ الجزية لأنهم كفار يريدون السلام. فهنا رأي إسلامي ويراد أولاً تحويله إلى رأي سياسي، لا لرأي فقهي، وبعد ذلك أي بعد أن يُفهم متى يقاتلون، ومتى يسالمون، وحينئذ تلزم سرعة البديهة لمعرفة حالهم. فسرعة البديهة ضرورية لمعرفة حالهم، وهذا يتأتى إما من أفعالهم وإما من اقوالهم. لذلك لا بد من أن يكون الرأي رأياً إسلامياً أولاً، ورأياً سياسياً بعد ذلك، ثم إنجاز سرعة البديهة. فسرعة البديهة ضرورية، ولكن على أساس الإسلام، أي على أساس الحكم الشرعي. وغير ذلك وإن كان يمكن أن يكون سرعة بديهة، ولكننا لا نقبله ولا نشتغل به، فنحن نقبل فقط الرأي الإسلامي، وما عداه لا نقبله ولا نشتغل به، أمّا الرأي الإسلامي فهو الأساس، وسرعة البديهة لازمة لهذا الرأي الإسلامي. فحتى حادثة رؤية البنزين في الشارع حصلت سرعة البديهة من إدراك أنه بنزين، ولكن الخطر وتصور الخطر أن يأتي من الرأي الإسلامي، فالله قد نهى عن الخطر، ونحن إذ نهرب من الخطر إنّما نهرب بحكم الشرع، ولا نهرب لمجرد السلامة، وهكذا باقي الأمثلة. فالرأي الإسلامي أولاً وقبل كل شيء، ثم تأتي سرعة البديهة.