Aya

1953

HT logo
  adv search
new email def main site arabic
info office misc wilayat books tahleelat lflts  
                 
 
:::

بسم الله الرحمن الرحيم


أجوبة أسئلة
المستجدات السياسية في كردستان وإيران

السؤال: في 06/01/2018م اتهمت إيران إقليم كردستان بأنه وراء المظاهرات الاحتجاجية في إيران، وفي 07/01/2018م رد إقليم كردستان بالنفي. وقد لوحظ في المظاهرات العارمة التي حدثت في إقليم كردستان وخاصة في محافظة السليمانية في 19/12/2017م، أن أخباراً تم تناقلها بأن لإيران دوراً فيها، فهل يمكن القول إن الاحتجاجات في إيران في 28/12/2017م كان للإقليم دور فيها من باب واحدة بواحدة؟ وبعبارة أخرى:

1- هل ما حدث ويحدث في إيران وما حدث في الإقليم هو من باب الفعل ورد الفعل؟ 2- وهل هما تحركات ذاتية أو بمحرك خارجي؟ 3- وإن كان، فمن هو هذا المحرك؟ وهل يقصد من هذه الاحتجاجات تغيير النظام في الإقليم أو إيران؟ وجزاك الله خيراً.

الجواب: ليس الحدثان هما من باب الفعل ورد الفعل، وما اتهامات إيران لأربيل إلا من باب التخبط السياسي نتيجة ذاتية الأحداث، فأربيل حالياً مشغولة في أزمتها التي تكاد تعصف بكيانها، وليس لها القدرة في الظروف الحالية أن تحرك الشارع في إيران! وكان واضحاً هذا التخبط من توزيع إيران الاتهامات لجهات عدة؛ فقد ألقى مسؤولون إيرانيون باللوم على قوى أجنبية، وقال غلام علي خوشرو، مندوب إيران في الأمم المتحدة، يوم الجمعة، (إن طهران لديها أدلة قوية على أنهم “المتظاهرين” تلقوا بوضوح توجيهات من الخارج”... بي بي سي عربي 07/01/2018م)... ولذلك فإن ما جاء من اتهام إيران لأربيل هو ضمن هذا التخبط: (وكان أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني محسن رضائي، قد صرح أمس 6/1/2018 بأن تفاصيل سيناريو الأحداث في إيران خطط لها في أربيل بإقليم كردستان العراق... روسيا اليوم 07/01/2018م) وقد نفى الإقليم هذا الاتهام على لسان سفين دزيي المتحدث باسم حكومة الإقليم “المصدر السابق”... وهكذا فليست المسألة من باب الفعل ورد الفعل، بل لكل أهدافه وظروفه... غير أن الحدثين بدءا ذاتياً ثم أحاطت بهما دوافع خارجية لتحقيق أهداف ذات صلة بالإقليم وبإيران وفق مجريات الأحداث، وبيان ذلك كما يلي:

أولاً: أحداث الإقليم:

1- نقلت وكالات الأنباء المختلفة أنه في 19/12/2017م قد اندلعت مظاهرات من المعلمين والموظفين في السليمانية الذين لم يتقاضوا رواتبهم لأشهر، ثم شملت قطاعات جماهيرية واسعة في محافظة السليمانية، وامتدت بعد ذلك إلى مناطق أخرى في الإقليم بما في ذلك أجزاء من محافظة أربيل. وتشير سرعة انخراط الجماهير في هذه المظاهرات إلى ضيق الناس بما آلت إليه أمور الإقليم الاقتصادية بعد انحسار الموارد النفطية الرئيسية عن الإقليم بسيطرة بغداد على محافظة كركوك والضغوط الأخرى التي تمارسها بغداد خاصة إقفال مطاري أربيل والسليمانية أمام الرحلات الخارجية مما زاد من صعوبات السفر للخارج باضطرار المسافرين للعبور من خلال مطار بغداد الدولي. والذي زاد الطين بلّة الاتهامات لأفراد الحكومة المحلية والمتنفذين بالفساد والاستحواذ على الثروة في الإقليم. وقد انتشرت المظاهرات كالنار في الهشيم خاصةً في المناطق التي يعلو فيها نفوذ الأحزاب الكردية المناهضة لمسعود برزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني. ومما ساهم في زيادة سوء الأوضاع المعيشية نزوح عائلات كردية من كركوك وغيرها إلى الإقليم تحت وطأة هواجس من تحركات محلية مضادة... كل هذا يشير بأن هذه التحركات بدأت ذاتية.

2- كانت هذه تظاهرات احتجاجية موجهة أساساً ضد حكومة أربيل التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني، حزب برزاني الذي يتخفى بعد استقالته من رئاسة الإقليم خلف ابن أخيه نيجيرفان برزاني، وهذا يفهم من نواحٍ عدة منها:

أ- أن التظاهرات قد اندلعت ابتداء في محافظة السليمانية، تلك المحافظة التي تسيطر عليها الحركات والأحزاب المناوئة لعميل الإنجليز مسعود برزاني، فحركة التغيير موطنها السليمانية، وجناح طالباني القوي في حزب الاتحاد الوطني موطنه السليمانية كذلك، فهذه الأحزاب قادرة على إثارة التظاهرات والترتيب لها، وإن لم تكن قادرة على التحكم الكلي بمسارها.


ب- تصريح نيجيرفان الذي يفهم منه كأن التظاهرات موجهة ضد حكومته، فقد (حذر رئيس حكومة إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني من وجود “مؤامرة كبيرة” تحاك ضد الإقليم وأنها أكبر من أن يتخيلها أحد” وأشار إلى وجود “جهات تريد خلق فوضى في الإقليم وحرف المظاهرات عن مسارها ونشر العنف”. وأضاف “هناك أياد خفية تحاول إحداث فوضى في كردستان ونحن ماضون في منعها”. مشيراً إلى جهات، لم يسمها، “تدعم تلك المساعي نحو الفوضى غير أن السلطات الأمنية في الإقليم ستواجه تلك الحالات بحزم...”، مبيناً “إننا أمام تهديد جدي ومؤامرة أكبر من أن يتخيلها أحد، فما جرى في حدود محافظة السليمانية محاولات لتقويض الأمن والاستقرار”، داعياً إلى ضرورة وحدة الصف وتعاون الجميع للتغلب عليها. موقع باسنيوز الكردي 21/12/2017)، وهو بذلك يشير إلى أحزاب كردية عارضت الاستفتاء بقوة في السليمانية، وعلى صلات بالأمريكان وأتباعهم في العاصمة بغداد وطهران، ومن هذه الأحزاب التي أججت التظاهرات والاحتجاجات ضد حكومة برزاني، حركة التغيير التي أصبحت بعد انشقاقها عن حزب الاتحاد الوطني ثاني قوة سياسية في انتخابات 2009 في كردستان. وعلى أثر الاحتجاجات انسحبت حركة التغيير بزعامة كوران والجماعة الإسلامية من حكومة أربيل، وقال القيادي بالجماعة ياسين حسن في مقابلة مع الجزيرة (”بعد أن فتحت النيران في وجه المتظاهرين، قررت الجماعة الإسلامية وحركة التغيير الانسحاب من هذه الحكومة بشكل كامل، نطالب الحكومة بحل نفسها فورا وتشكيل حكومة إنقاذ وطني”... الجزيرة نت 21/12/2017)... وكذلك نقلت بي بي سي 26/12/2017 موقف أحد قيادات حركة التغيير وهو يوسف محمد رئيس برلمان إقليم كردستان العراق حيث استقال وذلك لإضعاف موقف حكومة أربيل أمام الاحتجاجات فقد (أعلن رئيس برلمان إقليم كردستان العراق استقالته احتجاجا على ما وصفه بسيطرة زمرة من الأشخاص وجماعات معينة على السلطة التشريعية. وانتقد يوسف محمد بشدة “احتكار تلك الفئة للسياسة والاقتصاد والأرض والثروات وسائر مناحي الحياة عوضا عن التقاسم العادل في الإقليم”. وقال محمد إن موقف الولايات المتحدة الرافض للاستفتاء، والذي تمثل في رسالة بعث بها وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، كان فرصة ذهبية وتاريخية أضاعتها حكومة الإقليم... بي بي سي 26/12/2017)، وهذا إشارة إلى تبعية الرجل والحركة...

3- وهكذا فإن انطلاق المظاهرات من محافظة السليمانية التي تسيطر عليها الأحزاب المناوئة لحزب برزاني الديمقراطي الكردستاني، ومشاركة قيادات من هذه الأحزاب في التظاهرات، واعتقال قوات الأمن لبعض تلك القيادات، ثم انسحاب تلك الأحزاب من حكومة أربيل لإضعافها، ودعوتها لحل نفسها، واستقالة رئيس البرلمان قبل أشهر من موعد مفترض للانتخابات، وكذلك تهديد حكومة العبادي في بغداد بالتدخل، كل ذلك يشير إلى أن البداية وإن كانت ذاتية إلا أن بعداً ثانياً بدوافع خارجية قد أحاط بالبعد الذاتي وذلك لتحقيق أهداف ذات صلة بالإقليم...

إن هذا البعد الثاني هو نتيجة ضغط الجماعات المحلية في كردستان المعارضة لنفوذ برزاني، وكذلك ضغوطات بغداد لإسقاط حكومة برزاني في أربيل... هذا بالإضافة إلى ما كان يسمع في تركيا وإيران وبغداد بضرورة معاقبة المسؤولين عن مغامرة الاستفتاء على انفصال كردستان، وكل هذه الأحزاب والأنظمة موالية لأمريكا، فإذا أضيف لهذا ما بات يلاحظ من سياسة إدارة ترامب في المنطقة بأنها ومع شعار “أمريكا أولاً” لم تعد تكتفي بأن تكون سياستها هي النافذة في المناطق التي يوجد فيها عملاء الإنجليز، بل تلجأ إذا اقتضت مصالحها في بعض المناطق إلى عقابهم أو حتى القضاء عليهم، كما حصل في حملة مكافحة الفساد في السعودية، وكما هو حاصل اليوم مع قيادات المؤتمر الشعبي في صنعاء بعد مقتل صالح، لذلك فإن أمريكا تدفع بعملائها المحليين والإقليميين للمزيد من الضغط على حكومة برزاني لإسقاطها وإنهاء الهيمنة الإنجليزية على حكومة أربيل فإن لم تستطع عاجلاً فتهيئ الظروف بالضغوط المتلاحقة.

هذا على الأرجح هو ما جرى ويجري في كردستان.

ثانياً: أحداث إيران

1- إن المظاهرات التي تفجرت يوم 28/12/2017 ظهرت احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية ووضع المعيشة لدى الناس وارتفاع البطالة ونسبة الفقر والغلاء، حيث تذكر التقارير أن نسبة البطالة مرتفعة جدا، فقد كشف وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي في مؤتمر صحفي يوم 1/10/2017 أن “معدل البطالة حاليا يفوق 12% بينما وصلت النسبة في بعض المدن الإيرانية وصلت إلى 60% منها الأهواز (العربية) وكرمانشاه (الكردية) وبلوشستان. وأن نسبة البطالة بين أصحاب الشهادات العلمية وخريجي الجامعات مرتفعة جدا”... العربية 2/10/2017)، وتشير تقارير إلى أن 21% من خريجي الجامعات عاطلون عن العمل، وأن 15 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر. مما يعني أن نتائج تطبيق النظام الرأسمالي تنعكس سلبا على عامة الناس في البلد كما هو الأمر في كافة البلاد التي تطبق هذا النظام الغربي، وحيث إن النظام الاقتصادي الرأسمالي هو المطبق في إيران، فهناك سوء توزيع الثروات وتكدسها في أيدي الأغنياء وحرمان الكثير من الناس منها، وعدم معالجة مسألة الفقر، وهناك البنوك التي تعمل بالربا... وتطبيق نظام ضرائب رأسمالي مجحف مرتبط بسياسات وتوصيات صندوق النقد الدولي، وكان قبل الأحداث الأخيرة أن قام وفد من صندوق النقد الدولي فزار طهران يوم 18/12/2017 وهو دائما يجرى مشاورات سنوية مع الحكومة الإيرانية، فألقت رئيسة الوفد كاتريونا بيرفيلد على مسامع المسؤولين الإيرانيين ما يلي: “إنه في ظل حالة عدم اليقين هذه وزيادة المخاطر التي يتعرض لها النظام المالي الإيراني ينبغي على الحكومة التعجيل بإعادة هيكلة ورأسملة البنوك ومؤسسات الائتمان”. وأضافت “ينبغي البدء على الفور في مراجعة جودة الأصول وتقييم قروض الأطراف ذات الصلة ووضع خطة عمل ذات إطار زمني لإعادة رأسملة البنوك ومعالجة الديون المتعثرة”. وأضافت أيضا “إنه يمكن تغطية تكلفة إعادة رسملة البنوك من خلال إصدار سندات حكومية طويلة الأجل”... صفحة العالم الإيرانية الرسمية 19/12/2017). وتنفيذ الحكومة لهذه الطلبات يترتب عليه الغلاء والبطالة والفقر... ويقع الناس في ضنك العيش ومن ثم ينتفضون في وجه النظام ويعبرون عن معاناتهم بكافة الطرق...

2- وهكذا كانت الاحتجاجات، وبدأت في مدينة مشهد شرقي إيران حيث كانت الدعوة تحمل شعار “لا للغلاء” ولكن سرعان ما انتشرت في مدن عديدة بلغ عددها 80 مدينة وبلدة وشارك فيها الآلاف من الشبان والطبقة العاملة الغاضبين على فساد المسؤولين والبطالة والفجوة الآخذة بالاتساع بين الفقراء والأغنياء. فقد صرح أحمد توكلي رئيس مجلس الإدارة لمنظمة “مراقبة الشفافية والعدالة” الإيرانية في مقابلة مع وكالة فارس للأنباء يوم 30/12/2017 قائلا: “إن الاحتجاجات كانت نتيجة لثلاثة عوامل: الأول؛ اتخاذ سياسات التكيف الاقتصادي القاسية لصندوق النقد الدولي، والثاني؛ ضعف الحكومة والمسؤولين في حل المشاكل الاقتصادية، والأخير؛ تجنب الشفافية والمساءلة عن القرارات المتخذة من قبل الحكومة”، فإذا أضيف لكل ذلك نفقات إيران الخارجية على مليشياتها وأشياعها في لبنان وسوريا واليمن... فإن ذلك يجعل المشكلة الاقتصادية كبيرة تثقل كاهل الإيرانيين فتدفعهم للاحتجاجات بل أكثر من ذلك إلى اتهام النظام بخيانة عيش شعبه (... “ويعد الكثير من الإيرانيين أن مساعدة حكومتهم لحركة حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، ونظام الأسد في سوريا، والحوثيين في اليمن لا داعي لها، بل هي خيانة”... عربي 21: 01/01/2018)... وكل ذلك يبين أن بدء الاحتجاجات كان ذاتياً بعامل اقتصادي. ولكن النظام قابلها بالقوة وسقط نتيجة ذلك قتلى وجرحى (وتشير بعض التقارير إلى ارتفاع عدد المعتقلين منذ انطلاق الاحتجاجات في 28 كانون أول إلى أكثر من 1700 معتقل... بي بي سي عربي 07/01/2018م).

3- وكما هو معروف فإن أية احتجاجات اقتصادية إذا تأخر علاجها العلاج الصحيح وبخاصة إذا قوبلت بالقوة، فستصحبها الاحتجاجات السياسية، وهذا ما كان، فقد أضيف إلى الشعارات الاقتصادية شعارات سياسية ضد النظام والقائمين عليه، وتنتقد تدخل النظام في حروب المنطقة وإنفاقه المليارات من الدولارات فيها... وبدأت تطغى على الاحتجاجات توجهات سياسية معارضة للنظام وهجوم على رموز النظام وقادته. وهنا بدأ استغلال تلك الأحداث أوروبياً وأمريكياً... فقد ظهر الترويج لها لدى الإعلام الأوروبي وخاصة الإنجليزي مثل الإذاعة البريطانية وتلفزيونها. ومن جانبه قال الرئيس الفرنسي ماكرون في رده على سؤال لصحيفة “الحياة” عن أحداث إيران نشرتها الصحيفة يوم 4/1/2018 “إن التظاهرات تعكس انفتاح المجتمع المدني الإيراني وهذا جعلني أتصل بالرئيس روحاني لتذكيره بضرورة تجنب العنف وترك حرية التعبير للمواطنين وسننتظر إظهار إيران عناصر الانفتاح المطلوبة عبر التجاوب مع المتظاهرين كي نستطيع الحكم على مسار الأمور، تمهيدا لتنفيذ وزير الخارجية الفرنسي لودريان زيارة كانت مقررة إلى إيران ثم زيارتي لهذا البلد ودعا إلى مواصلة حوار دائم مع طهران”... لكن تدخل أوروبا باستغلال تلك الأحداث لا يستحق الوقوف عنده لأن أثره من حيث الفاعلية يكاد لا يكون...

4- لكن ما يستحق الوقوف عنده هو دخول أمريكا على الخط... فبدأ الرئيس الأمريكي ترامب يغرد على صفحته في موقع التغريد تويتر، فقال في تغريدة له يوم 1/1/2018: “الشعب الإيراني العظيم مقموع منذ سنوات وهو متعطش إلى الغذاء والحرية. ثروات إيران تنهب، وكذلك حقوق الإنسان، حان زمن التغيير. إيران تفشل على كل الصعد رغم الاتفاق الرهيب الذي وقعته إدارة أوباما”، وصرح السكرتير الصحفي للبيت الأبيض قائلاً: (”تشعر إدارة ترامب بقلق عميق إزاء التقارير التي تفيد بأن النظام الإيراني سجن الآلاف للمشاركة في احتجاجات سلمية”، وأضاف قائلاً “لن نلتزم الصمت لأن الدكتاتورية الإيرانية تقمع الحقوق الأساسية لمواطنيها وسيتحمل القادة الإيرانيون المسئولة عن أي انتهاكات”... صحيفة العراق الإلكترونية 10/01/2018م)، وهكذا جاهر العديد من المسؤولين الأمريكيين وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب، بدعم المتظاهرين الإيرانيين ضد الحكومة منذ اليوم الأول... (وقالت نيكي هيلي، مندوبة أمريكا الدائمة في الأمم المتحدة، أمام مجلس الأمن يوم الجمعة، إن واشنطن تقف مع هؤلاء في إيران، “الذين يطالبون لأنفسهم بالحرية ولعائلاتهم بالرخاء ولأمتهم بالكرامة”... وأغضبت دعوة واشنطن لاجتماع مجلس الأمن أعضاء آخرين بالمجلس، ومنهم روسيا، التي وصف مندوبها الاحتجاجات الإيرانية بأنها “شأن داخلي”... بي بي سي عربي 07/01/2018م)، فكانت دعوة واشنطن لاجتماع مجلس الأمن دليلاً على ركوب أمريكا لموجة التظاهرات، ولسرعة الدعوة فقد فوجئ بها أعضاء مجلس الأمن (وفوجئ أعضاء مجلس الأمن بدعوة هيلي لاجتماع عاجل لمجلس الأمن لمناقشة الاحتجاجات في إيران، واضطرت إلى ممارسة ضغوط ضد المعارضة الروسية للاجتماع، حسبما قالت مراسلة بي بي سي باربرا بليت أشر... وقالت مبعوثة الولايات المتحدة للمجلس إن واشنطن تقف “دون تردد من هؤلاء في إيران الذين يسعون للحرية لأنفسهم والرخاء لأسرهم والكرامة لبلدهم”... بي بي سي عربي 06/01/2018م)
5- وهنا يبرز تساؤل وهو: هل أمريكا بتأييدها للتظاهرات في إيران يعني أنها تعمل لإسقاط النظام في إيران؟ أو أن لها هدفاً آخر تريد تحقيقه من ركوب موجة التظاهرات في إيران؟ وللجواب على ذلك نقول ما يلي:


أما القول بأن تأييد أمريكا للتحركات هو لتغيير النظام فهو بعيد وبخاصة أنهم يقولون ذلك بألسنتهم، فقد قال نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون العراق وإيران أندرو بيك لصحيفة “الحياة” نشرتها يوم 4/1/2018: (... نتحدث فقط عن حماية المتظاهرين واحترام حقوقهم، وفي نهاية المطاف نريد أن نرى النظام يغيّر سلوكه في أكثر من وجه، إنما تحديدا مع المتظاهرين” وشدد على أن ”الإدارة تريد تغييراً في سلوك النظام لا تغييره في إيران...”)، فأمريكا ودورها في النظام معروف، وقد ذكرنا ذلك في جواب سؤال سابق في 21/08/2013م: (إن دور أمريكا في الثورة الإيرانية كان واضحاً منذ بداياتها... وجميع الأعمال السياسية في المنطقة التي قامت بها إيران كلها واقعة بتوافق وانسجام مع المشاريع الأمريكية...)، وقلنا كذلك في جواب سؤال آخر بتاريخ 23/02/2017م (هكذا فإن الدور الإيراني في المنطقة هو سياسة أمريكية مدروسة بشكل محكم، وأن هذا الدور يتوسع ويتقلص وفق متطلبات السياسة الأمريكية ووفق الظروف)، وعليه فالتأييد المعلن من أمريكا للتظاهرات الاحتجاجية ليس على طريق تغيير النظام الحالي.

6- وإذن لماذا ركبت أمريكا الموجة ووجدت فيها ضالتها؟ فذلك لأمرين مهمين:

الأول: صرف الأنظار عن فلسطين وتصريح ترامب عن القدس وإشغال المنطقة بموضوع إيران، فتصبح هي العدو الأول في المنطقة، ومن ثم يصبح التركيز على إيران ويخف أو يتلاشى عن كيان يهود المغتصب لفلسطين...

والثاني: إيجاد تبرير لبقاء عملاء أمريكا في المنطقة تابعين لأمريكا بحجة وقوفها ضد إيران وحماية أمريكا لهم من خطر إيران، فتصريح ترامب عن القدس وأنها عاصمة كيان يهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا، ذلك التصريح كما قلنا في نشرتنا 7/12/2017 صفع عملاء أمريكا على أدبارهم... فالقدس في قلوب المسلمين وعقولهم، وسكوت أولئك العملاء على تصريح ترامب وبقاؤهم عملاء لأمريكا يوالونها ويوادُّونها هو فضيحة كبرى لهم... فكانت تصريحات ترامب المتصاعدة ضد إيران القشة التي يتعلقون بها لتبرير بقائهم موالين لأمريكا عملاء لها رغم تصريح ترامب حول القدس...وذلك بقولهم إن ترامب يقف في وجه إيران العدو اللدود! وهو عذر أقبح من ذنب، ﴿قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾.
هذا هو على الأرجح ما جرى ويجري في إيران من احتجاجات داخلية وتصريحات خارجية وبخاصة أمريكية.

7- وفي الختام فإن “تلاعب” الدول الكافرة المستعمرة بمصائر بلاد المسلمين ليس إلا بسبب رويبضات الحكام الذي يتولون أمرها ويوالون أعداء الإسلام والمسلمين، ويركنون إليهم، وقد نبه إلى ذلك رسول الله ﷺ فيما أخرجه أحمد في مسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ»، وأخرجه كذلك الحاكم في المستدرك وقال (هذا حديث صحيح الإسناد)، فمصيبة هذه الأمة هي في حكامها... ولكنها خير أمة أخرجت للناس فلن تسكت بإذن الله طويلاً على هذا الحكم الجبري من قبل هؤلاء الرويبضات، فقد بشرنا رسول الله ﷺ بعودة الخلافة الراشدة بعد هذا الملك الجبري كما جاء في مسند الأمام أحمد والطيالسي عن حذيفة بن اليمان: «... ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ».

﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾.

 

في الرابع والعشرين من ربيع الآخر 1439هـ

 
11/01/2018م
 



إقرأ أيضا:-