Aya

1953

HT logo
  adv search
new email def main site arabic
info office misc wilayat books tahleelat lflts  
                 
 
:::

بسم الله الرحمن الرحيم

جواب سؤال
صراع تركيا واليونان في شرق المتوسط

السؤال: كشف وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو في 8/10/2020م عن توصله إلى اتفاق جديد بين بلاده واليونان. وقال الوزير في تصريحات له، وفق موقع تركيا الآن: (إنه اتفق مع نظيره اليوناني نيكوس ديندياس، على إجراء محادثات استكشافية بين البلدين. جاء ذلك في تصريحات عقب لقائه مع ديندياس على هامش مشاركته في منتدى براتيسلافا للأمن العالمي المقام بسلوفاكيا. وأوضح أن تركيا ستستضيف المحادثات، في حين إن اليونان يتقدم بالمقترحات لمواعيدها... موقع تركيا الآن، 08/10/2020م). وكان قد سبق ذلك أن قامت تركيا بتأزيم كبير لعلاقاتها مع اليونان وتحدّتها بإرسال سفن التنقيب التركية مع سفن حربية مرافقة... فما هي حقيقة هذه الأزمة بين تركيا واليونان؟ وما هي حقيقة المواقف الدولية من هذه الأزمة؟ وهل أمريكا وراء ذلك أو تركيا تتصرف بمفردها؟ ثم ما تفسير التوتر الكبير الذي كان في البداية ثم انتهى للقبول بالتفاوض؟ ولكم الشكر.

الجواب: إن النظر إلى الأزمة التركية اليونانية يجب أن يكون من حيث أسبابها وتداعياتها المحلية في تركيا وكذلك أبعادها الاقتصادية والدولية... وللوقوف على ذلك يجب استعراض الأمور التالية ابتداء من اتفاقية لوزان في الربع الأول من القرن الماضي:

أولاً: اتفاقية لوزان:
1- إن تركيا تمتلك أطول شاطئ على بحر إيجة وشرق المتوسط لكن اتفاقية لوزان التي وقعها في 24/7/1923م ممثلو مجرم العصر مصطفى كمال باسم حكومة الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا في أنقرة المنشقة عن الخلافة في إسطنبول، هذه الاتفاقية هي التي حصرت تركيا في بحر إيجة فلا تكاد تفارق شواطئها حيث إن الجزر داخل بحر إيجة أصبحت كلها أو جلها لليونان! وكان ذلك عندما أرسل مصطفى كمال ممثليه إلى لوزان في سويسرا عارضاً على الحلفاء أن حكومته في أنقرة المنشقة عن الخلافة في إسطنبول يمكنها أن توقع معهم، أي الحلفاء، الاتفاقية التي يريدون! وهكذا تم توقيع اتفاقية لوزان في سويسرا بين ممثلي بريطانيا وفرنسا ودول أخرى مع ممثلي مصطفى كمال برئاسة عصمت إينونو باسم حكومة الجمعية الوطنية الكبرى في أنقرة...

2- وقد وردت في الاتفاقية أمور مذهلة وافق عليها مصطفى كمال وممثلوه ومنها ما جاء في المادة 12 حيث أصبحت جزر بحر إيجة كلها أو جلها تابعة لليونان مع أن منها ما يبعد عن البر اليوناني نحو 600كم فيما هي تقابل البر التركي على مسافة كيلومترين في بعض الأحيان كما في حالة جزيرة ميس التي تتبع اليونان ويسمونها كاستيلو روز قبالة مدينة كاش بولاية أنطالية، وهذه المعاهدة هي ما تعطي اليونان (الشرعية) بمطالبة تركيا بعدم التنقيب قبالة السواحل التركية لأنها حق خالص لليونان بموجب اتفاقية لوزان! ثم المادة 15 بأن تتنازل تركيا لصالح إيطاليا عن جميع الحقوق والملكية على الجزر التالية: ستامباليا (أستراباليا)، رودس (رودوس)، كالكي (خاركي)... إلخ، وكذلك المادة 20 التي تقر تركيا بموجبها ضم قبرص إلى الحكومة البريطانية الذي أعلنته بريطانيا في تشرين الثاني/نوفمبر 1914م. وأيضاً ما جاء في المادة 23 الذي ينص على أن الأطراف (السامية) المتعاقدة اتفقت على الاعتراف بمبدأ حرية المرور والملاحة وإعلانهما، عن طريق البحر والجو، في وقت السلم كما في زمن الحرب، في مضيق الدردنيل وبحر مرمرة والبوسفور! وهكذا أصبحت تركيا، ذاتُ أطول شاطئ شرق البحر المتوسط، فاقدةً حرية الحركة حول الجزر الموجودة في هذه البحار، وهي التي تذكَّرها أردوغان اليوم باسم (وطنه “الأزرق” المسلوب)! وهو يتظلم منها في الوقت الذي تطل فيه من فوق رأسه صورة مجرم العصر مصطفى كمال الذي أقر هذه التنازلات في لوزان، ومع كل هذا وذاك فلا يجرؤ على ذكر مصطفى بكلمة تؤذيه!! بل يدغدغ مشاعر الشعب التركي بتسمية سفن التنقيب بأسماء قادة العثمانيين العظام محمد الفاتح والقانوني، رغم بُعده في كافة سياساته عن هؤلاء القادة العظام! وهو يعلن (أن الجميع يدرك أن تركيا قادرة سياسيا واقتصاديا وعسكريا على “تمزيق الوثائق والخرائط المجحفة المستندة إلى انعدام الأخلاق والمماحكة ضدها”. ويضيف أن بلاده مستعدة لإيضاح ذلك “عبر المرور بتجارب مؤلمة سواء على طاولة المفاوضات أو في الميدان”... الجزيرة، 5/9/2020م) ولكنه يكتفي بذلك ويظن أنه يحسن صنعاً! ولعل الشعب التركي رأى أن اليونان التي لا يكاد يكون لها جيش مؤثر قد أرسلت جنودها إلى جزيرة ميس علماً بأن اتفاقية لوزان تنص على أنها منزوعة السلاح، ومع ذلك فلم يجابه اليونان بالقوة التي يستحق!

3- ومع أن هذه الاتفاقية صفقة خيانية عقدها مصطفى كمال مع الحلفاء إلا أنه عقدها باسم حكومة الجمعية الوطنية الكبرى في أنقرة، فلم تكتف بريطانيا بذلك بل أرادت منه أن يكمل الشروط التي وضعتها له وأبرزها إلغاء الخلافة إلغاء تاماً وإقرار علمانية الدولة، وقد استجاب مصطفى كمال ومن ثم فقد تم ذلك في صبيحة الثالث من آذار سنة 1924م حيث أعلن إلغاء الخلافة، وفصل الدين عن الدولة. وفي الليلة ذاتها أرسل مصطفى كمال أمراً إلى حاكم إسطنبول يقضي بأن يغادر الخليفة عبد المجيد تركيا قبل فجر اليوم التالي، فذهب تصحبه حامية من رجال البوليس والجيش إلى قصر الخليفة في منتصف الليل، وهناك أجبر الخليفة أن يستقل سيارة حملته عبر الحدود في اتجاه سويسرا... وبعد يومين حشد مصطفى كمال جميع أمراء العهد وأميراته ورحلوا إلى خارج البلاد. وألغيت كل الوظائف الدينية، وأصبحت أوقاف المسلمين ملكاً للدولة، كما أن المدارس الدينية تحولت إلى مدنية، وباتت تحت رقابة وزارة المعارف. وبهذا نفذ مصطفى كمال الشروط الأربعة التي طلبها كرزون من مصطفى كمال وهي: إلغاء الخلافة إلغاءً تاماً، وطرد الخليفة خارج الحدود، ومصادرة أمواله، وإعلان علمانية الدولة، ومن ثم فإن اتفاق لوزان الذي كان قبل إلغاء الخلافة قد أكد عليه ونفذ بعد إلغاء الخلافة...! وهكذا تُوّجت اتفاقية لوزان بإلغاء الخلافة، واعترفت الدول باستقلال تركيا، وانسحب الإنجليز من إسطنبول والمضايق. وعلى أثر ذلك قام أحد النواب الإنجليز واحتج على كرزون في مجلس العموم لاعترافه باستقلال تركيا فأجابه كرزون قائلاً: “القضية أن تركيا قد قضي عليها، ولن تقوم لها قائمة، لأننا قد قضينا على القوة المعنوية فيها: الخلافة والإسلام”. وهكذا فقد تم للإنجليز القضاء على الخلافة وعلى الإسلام بواسطة مصطفى كمال رغم أنوف المسلمين في جميع أنحاء الأرض بوجه عام، ورغم أنف المسلمين في تركيا بالذات بوجه خاص. وبذلك غاض الحكم بما أنزل الله من جميع بقاع الأرض، وظل الحكم بغير ما أنزل الله، ظل حكم الكفر، ظل حكم الطاغوت وحده هو الذي يتحكم في الناس جميعاً، ويطبق في جميع العالم!

ثانياً: هذه هي الاتفاقية التي وقعها ممثلو مصطفى كمال في مدينة لوزان السويسرية حيث قُيدت تركيا في بحر إيجة وجعلت جزره وشواطئها لليونان ومن ثم تمنع تركيا من التنقيب فيه! وهذا الأمر قد مضى عليه نحو مئة عام وتركيا خاضعة له فما الذي حرك تركيا الآن؟ إن المتدبر لمجريات الأمور يتبين له أن هذه الأزمة وراءها عاملان؛ داخلي بسبب ظروف تركيا الاقتصادية، وخارجي وراءه الولايات المتحدة الأمريكية:
1- العامل الداخلي:
أ- تركيا بلد مستهلك للطاقة وغير منتج لها، وحديثاً وصل إنتاجها من النفط إلى 53 ألف برميل يومياً (وكالة الأناضول 25/7/2020م)،وهو رقم صغير للغاية قياساً باستهلاكها مليون برميل نفط يومياً (العربي الجديد، 22/4/2020م). وتنتج حوالي 475 مليون متر مكعب من الغاز وتستورد أكثر من 45 مليار متر مكعب منه (الجزيرة نت، 31/8/2020م). وهكذا فإن تركيا تقف أمام فاتورة باهظة للنفط والغاز اللذين تستوردهما والتي بلغت 41 مليار دولار سنة 2019 انخفاضاً من 43 ملياراً لسنة 2018 بسبب الانخفاض النسبي لسعر الطاقة عالمياً (صحيفة ديلي صباح التركية، 27/2/2020م). وهذا عامل يرهق الاقتصاد التركي بشكل كبير.

ب- ولأن تركيا تقع بين الدول المنتجة للنفط في المنطقة العربية وإيران وأذربيجان وبين الدول المستهلكة له، أي الدول الأوروبية، فقد بنت الكثير من استراتيجاتها للطاقة على أساس كونها “دولة الممر”، وصار ميناء جيهان التركي ميناء تصدير النفط الأذري وأقيمت فيها وعبرها شبكة من الأنابيب ليس آخرها خط السيل التركي لنقل الغاز الروسي إلى غرب تركيا ومنها إلى أوروبا والذي جرى افتتاحه في 8/1/2020م. وعلى الرغم من الرسوم التي تجنيها تركيا كونها دولة ممر للطاقة إلا أن فاتورة النفط والغاز لا تزال باهظة التكاليف لاقتصادها.

ج- منذ سنة 2009 أخذ كيان يهود وشركات دولية تصدر إعلانات جديدة عن اكتشاف كميات خيالية من الغاز شرقي المتوسط، ففي حقل تامار 80 كلم غربي مدينة حيفا تم اكتشاف 9 تريليون قدم مكعبة من الغاز القابل للاستخراج، ثم بعد شهور عدة اكتشف حقل داليت غربي وسط فلسطين المحتلة بمقدار 500 مليار قدم مكعبة، وفي عام 2010 تم اكتشاف كميات فاقت الخيال في حقل جوناثان غربي فلسطين بمقدار 16 تريليون قدم مكعبة، وقالت صحيفة فورين بوليسي الأمريكية وقتها “وهو أكبر اكشاف للغاز الطبيعي على مستوى العالم منذ عقد من السنين”.

د- ولذلك فإن تركيا قد بادرت بحجز وشراء سفينة تنقيب حديثة وكبيرة من كوريا الجنوبية هي سفينة “الفاتح” لتبحر للمرة الأولى سنة 2011 وتبدأ بالتنقيب عن النفط والغاز. ومن بعدها بدأت سلسلة من الأزمات بينها وبين قبرص واليونان على ادعاء أن تركيا تنقب في المناطق البحرية الخالصة لقبرص، وكانت تركيا تتذرع بالقبارصة الأتراك وحقوقهم. لكن في الشهور الأخيرة زادت تركيا من وتيرة أعمال التنقيب بعد شرائها سفينة تنقيب أخرى (حفر بحري) من بريطانيا ليصبح لديها أسطول معقول من سفن الحفر البحري والمسح الجيولوجي وقادر على البحث والتنقيب في آن واحد في البحر الأسود وغربي شواطئ تركيا وجنوب قبرص في شرقي المتوسط.

ه- وهكذا فإن تركيا كانت بحاجة لإصلاح وضعها الاقتصادي عن طريق استكشاف النفط والغاز... ولعل مما يجب ذكره أيضاً أن الاقتصاد التركي يتعرض لضربات كبيرة ظهرت أوجاعها في هبوط مستمر للعملة التركية “الليرة” ما دفع بالرئيس أردوغان لزيادة وتيرة التنقيب عن الغاز على أمل أن يجد بريق أمل لهذا الاقتصاد يستطيع به أن يحافظ على شعبيته المتهاوية على أثر هبوط الليرة وتمرد قيادات من حزبه عليه وتشكيلها لأحزاب معارضة تأكل من شعبية أردوغان، لذلك كانت أعمال التنقيب التركية شاملة للبحر الأسود وليست مقتصرة على المناطق المتنازع عليها مع اليونان في المتوسط.

2- العامل الخارجي:
أ- إن الولايات المتحدة تدعم إطلاق المساعي التركية هذه، وذلك من زاويتين: الأولى محلية ومفادها أن رجلها في تركيا “أردوغان” سيكون في وضع أفضل إن تمكن من إزالة كوابح الاقتصاد وزاد من شعبيته وأعادها إلى مستويات عالية كما كانت عليه قبل 2014، وهذا يسهل عليه تنفيذ السياسات الأمريكية كما في تدخله في ليبيا حيث يمكنه الإنفاق على تدخلاته الإقليمية لصالح أمريكا، وأما الثانية، فإن أمريكا في الوقت الذي لا تريد فيه لأوروبا أن تكون تحت التأثير السياسي للغاز الروسي فإنها لا تريد لها الاستقلال في مسألة الغاز، فاليونان وقبرص وهما عضوان في الاتحاد الأوروبي وخطوط الأنابيب منهما إلى أوروبا، كل ذلك لا يروق لأمريكا، لذلك فإنها تدعم ته

في الرابع والعشرين من صفر الخير 1442ه

 
11/10/2020م
 



إقرأ أيضا:-