Aya

1953

HT logo
  adv search
new email def main site arabic
info office misc wilayat books tahleelat lflts  
                 
 
:::

بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك “فقهي

جواب سؤال
التسول وكنز المال

إلى: موسى ع.الشكور موسى

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله

الله أسال أن تصلكم رسالتي وأنتم بنعمة من الله وفضل...
ورد في المادة ١٤٢ “يمنع كنز المال ولو أخرجت زكاته”

وورد في شرح المادة في صفحة ٧٧ في كتاب مقدمة الدستور الجزء الثاني في شرح حديث أبي أمامة ما نصه “وهذا يعني تحريم كنز الذهب والفضة مطلقا ولو كان دينارين ولو كان دينارا واحدا ما دام يكون كنزا”، وفهمت أن الفقير لا يستطيع أن يشحد من الناس أكثر من حاجته.

والسؤال: ما هو الحد الأعلى الذي يستطيع الفقير أن يطلبه من الناس حتى لا يعتبر كانزا للمال في وقتنا الحالي؟ وما هي حاجته؟ وما هو المبلغ الذي يستطيع أن يشحده من الناس ويحتفظ به؟ ومتى يتوقف عن الشحدة؟
وجزاكم الله خيرا.

الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
بارك الله فيك على دعائك لنا، ونحن ندعو لك بخير.
أولاً: إن سؤالك هو في جوهره عن موضوع التسول (الشحاذة)، وهو موضوع آخر مختلف عن موضوع الكنز... فالكنز لا علاقة له بالفقر أو الغنى، ولا علاقة له بالاحتياج أو عدم الاحتياج، بل هو منصب على جمع المال وكنزه وخزنه لغير حاجة يراد إنفاقه عليها بغض النظر عن كون الكانز غنياً أم فقيراً، فالغني وهو ليس صاحب احتياج قد يكنز مالاً ويخزنه لغير حاجة ينفقه عليها، والفقير كذلك قد يكنز مالاً ويخزنه لغير حاجة ينفقه عليها مع أنه صاحب احتياج، ولكنه لا ينفق المال الذي عنده لسد احتياجه بل يكنزه ويخزنه مع وجود احتياج لديه، وهذا ما كان من بعض أهل الصفة، فهم كانوا من أهل الاحتياج لأنهم كانوا يعيشون على صدقة الناس وفي الوقت نفسه كان بعضهم يكنز ذهباً (ديناراً، دينارين) ويخزنه لغير حاجة ينفقه عليها...

وموضوع الكنز وتحريمه مفصل في كتاب النظام الاقتصادي، ويمكن الرجوع إليه ففيه الكفاية بإذن الله.

ثانياً: وقد سبق أن سئلنا حول الكنز والادخار وكان جوابي للسائل في 13/1/2014 وجاء فيه:

(1- كنز المال هو جمعه لغير حاجة، فإن كانت هناك حاجة مشروعة كأن تجمع مالاً لتبني بيتاً أو تشتري أرضاً أو تبني مصنعاً أو تريد الزواج، أو لك أبناء فتجمع لهم أقساطهم لتدريسهم في المدرسة، أو لتشتري سيارة، أو نحو ذلك، فهذا جمع لحاجة وهو ليس كنزاً، بل “هو ادخار لحاجة” وهو جمع حلال يُزكَّى إذا مضى على نصابه الحول...

2- إن جمع النفقة له ولمن يعول تكفيه سنة هو أمر جائز وليس بكنز لأن الرسول ﷺ كان يعطي لأمهات المؤمنين نفقة سنة. فقد أخرج مسلم عَنْ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ، مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ خَاصَّةً، فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ، وَمَا بَقِيَ يَجْعَلُهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللهِ»، يقول النووي في شرحه لصحيح مسلم (وَقَوْلُهُ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ أَيْ يَعْزِلُ لَهُمْ نَفَقَةَ سَنَةٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ يُنْفِقُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ فَلَا تَتِمُّ عَلَيْهِ السَّنَةُ...)، ولذلك فإن جمع المال للنفقة مدة سنة ليس كنزاً، ويزكى نصابه إن مضى عليه الحول...) انتهى النقل من جواب السؤال السابق.

ثالثاً: أما التسول (الشحاذة)، فقد وردت أدلة شرعية تفصيلية تبين حكم التسول وحدوده الشرعية:

1- نهى الشرع عن سؤال الناس أموالهم لغير حاجة، وأمر القادر بالعمل لتحصيل المال:

- قال الله سبحانه وتعالى في مدح الفقراء المتعففين: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾، فهذه الآية مشعرة بالنهي عن سؤال الناس.

- وروى مسلم في صحيحه في الباب نفسه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّراً فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْراً فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ»، وجاء في شرح النووي على مسلم ما يلي: [قَوْلُهُ ﷺ «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّراً فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْراً فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ» قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ بِالنَّارِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ يَصِيرُ جَمْراً يُكْوَى بِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ].

- وجاء في صحيح مسلم أيضاً في الباب نفسه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَتَصَدَّقَ بِهِ وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ مِنَ النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلاً أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ».

2- أجاز الشرع سؤال الناس أموالهم في حالات معينة بينها الرسول ﷺ، ففي الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَسْأَلُهُ فِيهَا فَقَالَ: «أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا» قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ؛ رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَاماً مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَاداً مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَاناً فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَاماً مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَاداً مِنْ عَيْشٍ، فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتاً يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتاً»، وواضح من هذا الحديث أن الأصناف الذين تحل لهم المسألة هم: الرجل الذي تحمل ديناً في الإصلاح بين الناس، والرجل الذي أصابته جائحة، والفقير ذو الفاقة...

3- ويلحق بهؤلاء الأصناف الثلاثة من هم في حكمهم كصاحب الدين الخاص الذي لا يملك مالاً لسداد دينه لاندراجه تحت لفظ “غارمين” في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾، وكذلك القوي غير المكتسب أي الذي لا يجد عملاً يعمله لكسب قوته وليس عنده مال ولا قريب ينفق عليه لقوله ﷺ في الحديث الذي رواه النسائي وغيره عن هشام بن عروة قال: حدثني أبي قال: حدثني عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين حدثاه أنهما أتيا رسول الله ﷺ يسألانه من الصدقة فقلب فيهما البصر وقال محمد بصره فرآهما جلدين فقال رسول الله ﷺ: «إِنْ شِئْتُمَا وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» قال الألباني: صحيح. وأيضاً من يتحمل دفع “دِيَةً عَنْ قَرِيبِهِ أَوْ حَمِيمِهِ أَوْ نَسِيبِهِ الْقَاتِلِ يَدْفَعُهَا إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا قُتِلَ قَرِيبُهُ أَوْ حَمِيمُهُ الَّذِي يَتَوَجَّعُ” وذلك لما رواه أحمد في مسنده عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عن النبي ﷺ قال: «إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثٍ ذِي دَمٍ مُوجِعٍ أَوْ غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ فَقْرٍ مُدْقِعٍ».

فهذه الأصناف تجوز لها المسألة إلى أن تسد الحاجة التي سألت لأجلها ولا يجوز لهذه الأصناف أن تسأل بعدها وفق المبين أعلاه... ولا يصح لغير هؤلاء الأصناف المذكورين في حديث قبيصة ومن هو في حكمهم، لا يصح لهم أن يسألوا الناس أموالهم...

4- وقد ذكرنا حد الغنى الذي لا تجوز معه المسألة، وذلك في كتاب الأموال في دولة الخلافة باب “مصارف الزكاة” كما يلي:

[...وقد حرم الله على الأغنياء أخذ الصدقة. روى أحمد وأصحاب السنن عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ». وذو المرّة هو صاحب القوّة، والمقدرة، المكتسب، فإن لم يجد ما يكسبه اعتبر فقيراً. والغني، من استغنى عن غيره، ودخل عليه زيادة عما يسد حاجاته، وقد وردت أحاديث بيّـنت من هو الغني. عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَسْأَلُ مَسْأَلَةً، وَهُوَ عَنْهَا غَنِيٌّ، إِلاَّ جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كُدُوحاً، أَوْ خُدُوشاً، أَوْ خُمُوشاً فِي وَجْهِهِ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا غِنَاهُ، أَوْ مَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: خَمْسُونَ دِرْهَماً، أَوْ حِسَابُهَا مِنَ الذَّهَبِ» رواه الخمسة. فمن ملك خمسين درهماً فضة أي 148.75 غراماً فضة، أو عدلها ذهباً، فاضلة عن مأكله، وملبسه، ومسكنه، ونفقة أهله، وولده، وخادمه، اعتبر غنياً، ولا يجوز له أن يأخذ من الصدقة.] انتهى. وعليه فلا يجوز لمثل هذا الغني أن يسأل الناس.

رابعاً: مشكلة التسول وحلها:

مما يجدر التنبيه إليه أن انتشار ظاهرة التسول في البلاد الإسلامية يرجع إلى استبعاد الشرع الإسلامي من التطبيق وإلى التقصير الكبير الحاصل من الحكام في رعاية شئون الناس... وإنه لمن المفجع المبكي ما يشاهد من أسراب من المتسولين في بلاد المسلمين أمام المساجد وفي الشوارع وعند تقاطع الطرق... مع أن بلاد المسلمين هي مخزن المال والثروات... وإن اللوم لا يقع بالدرجة الأولى على المتسولين والشحاذين بل يقع على الحكام الذين لا يطبقون الشرع، وفوق ذلك لا يرعون شئون الناس ولا يقضون حاجاتهم ولا يوفرون لهم قواماً من عيش... وإن دولة الخلافة الراشدة القادمة قريباً بإذن الله سيكون من أولوياتها معالجة ظاهرة الفقر في البلاد الإسلامية وما يترتب عليها من ظواهر سيئة كظاهرة التسول... وقد بينا في كتبنا كيف عالج الإسلام مشكلة الفقر، وخاصة ما جاء في ذلك من كتاب النظام الاقتصادي فهو مفصل فيه ويمكن الرجوع إليه...).

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

رابط الجواب من المكتب الإعلامي المركزي
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك”>رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك

19 جمادى الآخرة 1443هـ

 
22/01/2022م
 



إقرأ أيضا:-