Aya

1953

HT logo
  adv search
new email def main site arabic
info office misc wilayat books tahleelat lflts  
                 
 
:::

بسم الله الرحمن الرحيم

دستور كفر واستعمار... يأباه الله ورسوله والمؤمنون

يوم الاثنين الموافق 8/3/2004م وتحت حراسة عشرات الدبابات الأمريكية، ومئات من جنود الاحتلال، عقد ما يسمى مجلس الحكم الانتقالي في العراق، جلسة جرى خلالها التوقيع على مشروع الدستور أو قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، وقد جرى هذا التوقيع بحضور وإشراف بول بريمر الحاكم الأمريكي والفعلي للعراق ونائبه البريطاني جيرمي غرينستوك.
وقد أقر المجلس بالإجماع مشروع الدستور، وأصبح دستوراً جديداً للعراق. وأنه وإن كان قد تغيب عن حفل التوقيع أربعة من الأعضاء، لارتباطهم بمواعيد مسبقة. فقد قام نوابهم بالتوقيع نيابة عنهم، أي لم يعترض أحد على الدستور الجديد هذا.
لقد أحيط توقيع هذا الدستور –الجريمة- بصخب إعلامي داخلي، وترحيب أمريكي بريطاني، واعتبر إقراره حدثاً هاماً يؤرخ لعراق جديد، يكون نموذجاً لدول المنطقة.
إنه لمن المحزن والمؤلم حقاً، أن يوقع هذا الدستور –الجريمة- بأيدي بعض أبناء العراق، ليضع العراق تحت الاستعمار الأمريكي البريطاني المشترك، ويعرض وحدة التراب العراقي إلى التقسيم. ويعبث بقيم المسلمين وعقيدتهم في العراق، حاضرة الخلافة، ومركز الإشعاع الفكري والثقافي والسياسي للكرة الأرضية بأسرها، قروناً من الزمن.
إننا نذكر المسلمين في العراق، سنة وشيعة، عرباً وأكراداً وتركماناً أن هذا الدستور –الجريمة- لا قيمة له ولا اعتبار وفاقداً للشرعية, وأن ما سيبنى عليه لاحقاً من قوانين لا شرعية لها ولا اعتبار، فما بني على باطل فهو باطل، وفاقد للشرعية.
أما فقدانه للشرعية فمبني على سببين:
السبب الأول:
إن أهل العراق في غالبيتهم الساحقة هم مسلمون. سنة وشيعة عرباً وأكراداً وتركماناً. وهم مخاطبون بالأحكام الشرعية، ومطالبون بامتثال أوامر الله سبحانه وتعالى،وتحكيم شرعه تحكيماً شاملا ً وتاماً في كل جوانب الحياة. ومكلفون بحمل الإسلام الدين الحق إلى البشرية بأسرها، لإخراجها من ظلمة الكفر وظلمه، إلى نور الإسلام وعدله، وقد كرم الله تعالى المسلمين، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس، وجعلهم شهداء على البشرية يوم القيامة، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة: من الآية 143) . وقد نفى ربنا سبحانه وتعالى الإيمان عمن يقبل حكماً غير حكمه، قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (النساء: 65) ، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًاً} (النساء: 60) .
إن التحاكم إلى هذا الدستور هو تحاكم للطاغوت الذي أمرنا ربنا تعالى أن نكفر به، فقد نصت المادة السابعة منه فقرة (أ) على: (الإسلام دين الدولة الرسمي، ويعد مصدراً للتشريع، ولا يجوز سن قانون خلال المرحلة الانتقالية يتعارض مع ثوابت الإسلام المجمع عليها ولا مع مبادئ الديمقراطية والحقوق الواردة في الباب الثاني من هذا القانون) .
لقد ساوى هذا الدستور بين الإسلام والكفر، واعتبره مصدراً من مصادر التشريع -وفي العادة يقتصر تطبيقه على الأحوال الشخصية- كبقية المصادر التي لا تمت إلى الإسلام بصلة. كما ساوى بين الإسلام ومبادئ الديمقراطية، التي تعني حق البشر –الشعب- في التشريع, سواء وافق تشريعهم حكم الإسلام أو ناقضه.
إن النص على اعتبار الإسلام دين الدولة، لا قيمة له شرعاً، فهو لا يعدو تحديد أيام العطل الرسمية، والعطل الأسبوعية، لدوائر الدولة. والقيام ببعض الاحتفالات الشكلية، وتلقي برقيات التهاني بالأعياد، وتنص معظم دساتير البلاد العربية والإسلامية على ذلك، وقد نص دستور العراق الصادر عام 1925م في المادة 13 منه: (الإسلام دين الدولة الرسمي، وحرية القيام بشعائره المألوفة في العراق، على اختلاف مذاهبه محترمة لا تمس، وتضمن لجميع ساكني البلاد حرية الاعتقاد التامة، وحرية القيام بشعائر العبادة، وفقاً لعاداتهم، ما لم تكن مخلة بالأمن والنظام، وما لم تناف الآداب العامة) فهل أدى هذا النص إلى تطبيق الإسلام في العراق أو في غيره من بلاد المسلمين ؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تدليساً, وذراً للرماد في العيون، لصرف الأنظار عما يحتويه هذا الدستور من أحكام كفر، لا تمت للإسلام بصلة.
لقد نظم الإسلام علاقة الإنسان بربه وبنفسه وبغيره من بني البشر، تنظيماً محكما دقيقاً فيه خير الدنيا والآخرة، وكان الصواب يحتم أن يكون الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع، وان تكون العقيدة الإسلامية هي أساس الدولة، بحيث لا يتأتى وجود شيء في كيانها أو جهازها أو في محاسبتها، أو كل ما يتعلق بها، إلا بجعل العقيدة الإسلامية أساسا له. وهي في الوقت نفسه أساس الدستور والقوانين، بحيث لا يسمح بوجود شيء مما له علاقة بأي منهما، إلا إذا كان منبثقاً عن العقيدة الإسلامية قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (المائدة: من الآية 3) وقال تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 85 ) وقال تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة: 49 -50) . وقال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة: من الآية 44) .
وقد تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عدي بن حاتم الطائي، وكان قبل إسلامه نصرانياً قوله تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (التوبة: 31) فقال عدي: ما عبدناهم يا رسول الله. قال صلى الله عليه وآله وسلم : «ألم يحلوا لكم الحرام، ويحرموا عليكم الحلال؟ » قال: بلى. قال: «فتلك عبادتكم إياهم» .
هذه الآيات الكريمة وغيرها من الأدلة القطعية ثبوتاً ودلالة، تنكر لها واضعوا الدستور واكتفوا بالنص، انف الذكر، أو هكذا أملي عليهم. قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} (البقرة: 79) .
السبب الثاني:
إن العراق بلد محتل تحتله قوات عسكرية لدول أجنبية، وقد فقد بسبب الاحتلال استقلاله، وفقد سيادته، وصاحب القرار فيه، محتل أجنبي، يدين بعقيدة غير عقيدة المسلمين في العراق، ويحمل وجهة نظر عن الحياة، تختلف عن وجهة نظر المسلمين في العراق، وهو صاحب القرار, وهو الذي عين مجلس الحكم، واختار أعضاءه أناساً لا يخدمون إلا مصلحته، ومصالحهم الشخصية، والأمة في العراق بجملتها لا تثق فيهم، بل تتهمهم في ولاءهم وانتماءهم، وهم فوق ذلك ليسوا أصحاب قرار، بل القرار في يد الحاكم الأمريكي -بول بريمر- وهو الحاكم الفعلي، وهو صاحب الصلاحية المطلقة في سن القوانين، يجيز ما يشاء، ويلغي ما يشاء، وقد صرح يوم الأحد 29/2/2004م أنه سيعترض على جعل الإسلام المصدر الرئيسي للتشريع. بل إن النص الأصلي للدستور لم يكتب باللغة العربية، بل كتب باللغة الإنجليزية، والنص الإنجليزي هو المعتبر، عند وجود اختلاف بين النصين.
إن هذا الدستور ثمرة خبيثة من ثمار الاحتلال البغيض، واعتداء صارخ على حق المسلمين في العراق، في سن دستور لهم ينبثق من عقيدتهم الإسلامية، ومصادرة لإرادتهم، وقمع لحريتهم، وفرض الوصاية عليهم، فقد غيب العلماء سنة وشيعة، وغيبت النقابات، والمثقفون وأساتذة الجامعات، وشيوخ القبائل والأحزاب، وأهل الاختصاص في الفكر واللغة، فلم يطلع عليه أحد، ولم يناقشه أحد، وإنما أخرج في لحظة حزينة مفعمة بالألم، بعد الاعتداءات الآثمة في كربلاء والكاظمية. والأمة لا زالت تضمد جراحها.
إن هذا الدستور –الجريمة- علاوة على فقدانه للشرعية، يعتبر مؤامرة سياسية من أفظع المؤامرات على العراق بخاصة، وعلى المسلمين بعامة, ويهدد العراق، والمسلمين في العراق بأخطار ثلاث:
الخطر الأول: وضع العراق تحت الاستعمار من جديد:
إن هذا الدستور سيضع العراق تحت نير الاستعمار من جديد، استعماراً مزدوجاً أمريكياً-بريطانياً تنهب فيه ثرواته التي حباه الله إياها، وتجعل أرضه الطاهرة، مطارات وقواعد عسكرية للدول المحتلة. وسيكبل مصيره باتفاقيات دولية، ومعاهدات مذلة، توقعها الحكومة الانتقالية, توأم مجلس الحكم الانتقالي. فقد صرح الجنرال كيميت الناطق الرسمي بلسان قوات الاحتلال في العراق يوم 9/ 3/2004م في مؤتمر صحفي: (سنواصل عملياتنا العسكرية في العراق بعد نقل السلطة المقرر في الثلاثين من حزيران - يونيو, وسنعمل مع قوات الأمن العراقية، إذ لن نسحب قواتنا بسرعة ليكون لنا تواجد عسكري لسنوات، للمساعدة في إعادة بناء هذا البلد) .
وقد سبقه بأشهر دونالد رامسفيلد، حيث أعلن أثناء تفقده القوات الأمريكية بجزيرة أوكيناوا في اليابان يوم 16/11/2003م: (إن الولايات المتحدة لن تنسحب من العراق في المستقبل القريب، وإن الإجراءات السياسية التي تجري في العراق، تتعلق بطريقة حكم العراق، ولا علاقة لها بالجانب العسكري، ولا انتشار القوات العسكرية) وذات الشيء أعلنه بريمر يوم 14/ 11/ 2003م في مقابلة مع إحدى قنوات التلفزة الأمريكية, حيث قال: (إن القوات الأمريكية ستبقى في العراق وستطلب من الحكومة العراقية القادمة الموافقة على بقائها) يؤكد ذلك ويقطع به، ما نصت عليه المادة 25 من الدستور -الجريمة- حيث نصت: (تختص الحكومة العراقية الانتقالية بالشؤون التالية حصراً:
(أ) رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي، والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتوقيع عليها وإبرامها ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية وسياسة الاقتراض السيادي.) .
ونصت المادة التاسعة والخمسون فقرة (ب) : (تماشياً مع مكانة العراق كدولة ذات سيادة ورغبتها بالمساهمة مع دول أخرى في حفظ الأمن والسلم ومكافحة الإرهاب خلال المرحلة الانتقالية. ستكون القوات المسلحة العراقية، مشاركاً رئيسياً في القوة المتعددة الجنسيات العاملة في العراق تحت قيادة موحد ة وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1511 لسنة 2003م وأية قرارات أخرى لاحقة) .
إنه لمن المضحك المبكي أن تنص هذه المادة على مكانه العراق كدولة ذات سيادة، ولا تقوم قواتها المسلحة، وقوات الأمن فيها بحفظ أمنها الداخلي، بل تحتاج إلى قوات متعددة الجنسيات لحفظ أمنها وتدعي أنها ذات سيادة، وإنها لإهانة للعراق ولجيش العراق، أن تنص المادة ذاتها في فقرتها (أ) : (سيحتوي الدستور الدائم على ضمانات تؤكد أن القوات المسلحة العراقية، سوف لن تستخدم مجدداً لإرهاب الشعب العراقي وقمعه) .
إن الجيش في أي بلد هو درع الأمة وسياج الوطن يذود عن الأمة وعن مقدساتها، ويفتديها، ويضحي من أجلها بدمه، وإذا فسد نظام الحكم استخدم الجيش في غير الغاية التي أنشئ من أجلها، وإنه وإن كان النظام البائد أضاف سيئة استخدام الجيش أحياناً إلى سيئاته الكثر، فإنه لظلم لجيش العراق -مفخرة الأمة- أن يشطب سجله المشرف ودفاعه عن العراق، وفلسطين، وسوريا، ومصر، ويشار إليه بهذه الطريقة المهينة وكأنه عصابة خارجة على القانون.
إن هذا النص لم يأت اعتباطاً وإنما جاء به خبراء الحرب النفسية لإيجاد شرخ بين الأمة وجيشها، حتى ترنو لخلاصها من محنتها إلى الأجنبي، وتأنس به، بدل أن تأنس بنفسها وبأبنائها. وعندما يزاح الاحتلال، ويعود الحكم خلافة راشدة على منهاج النبوة، سيكون جيش العراق جيشاً لتوحيد الأمة، وقهر أعدائها، وسيحمل صناديده رايات الفتح، كما حملها أسلافهم من قبل.
كذلك نصت المادة التاسعة والخمسون فقرة (ج) على ما يلي: (حال استلامها السلطة، وتماشياً مع مكانة العراق كدولة ذات سيادة ستكون للحكومة العراقية الانتقالية الصلاحية لعقد الاتفاقيات الدولية الملزمة بخصوص نشاطات القوة المتعددة الجنسيات العاملة في العراق تحت قيادة موحدة) . إنه من المعروف في شتى دول العالم، أن الحكومات المؤقتة، لا تملك صلاحية إبرام المعاهدات والاتفاقيات، وتسمى الحكومة المؤقتة (حكومة تسيير أعمال) أي أن دورها ينحصر في تسيير الأعمال اليومية المعتادة، وتؤجل كل القرارات المهمة إلى حين انتخاب حكومة جديدة. إلا أن الدستور العراقي الجديد خرج عن هذه القاعدة السياسية المعروفة، وأعطى للحكومة الانتقالية المعينة من قبل قوات الاحتلال، صلاحية رهن مستقبل العراق السياسي حتى إذا ما جاءت حكومة مخلصة، وجدت أن الحكومة المؤقتة قد كبلتها باتفاقيات ملزمة مع قوى كبرى, ودول طامعة، ما يجعل هذه الحكومة، تحتاج إلى معجزة للفكاك من هذه الاتفاقيات.
وتنص المادة الثانية فقرة ب (1) المرحلة الأولى تتألف من فترتين (تبدأ الفترة الأولى بتشكيل حكومة عراقية مؤقتة ذات سيادة كاملة تتولى السلطة في 30 حزيران 2004م وستتألف هذه الحكومة وفق عملية تداول واسعة النطاق بتشاور شرائح المجتمع العراقي، يقوم بها مجلس الحكم وسلطة الائتلاف. ويمكن التشاور مع الأمم المتحدة) . وكيف يصدق عاقل يقرأ هذا النص أن حكومة تشكلها سلطة الائتلاف ستكون ذات سيادة كاملة أو قرار مستقل.
الخطر الثاني: العبث بعقيدة الأمة:
إن هذا الدستور يعرض عقيدة الأمة، ومثلها العليا، وقيمها الرفيعة، لعبث العابثين، وتخريب المخربين. فقد نصت المادة الثالثة عشرة فقرة (أ) (الحريات العامة والخاصة مصانة) إن الحريات الخاصة طبقاً لمفاهيم غير المسلمين عن الحياة. تعني حق الشخص أن يمارس من الأفعال ما يحلو له، ويرغب فيه بصرف النظر عن كون هذا الفعل قد أباحه الله تعالى أو حرمه، شرط عدم التعرض لحرية غيره، فله بالاتفاق مع غيره دون إكراه، أن يقيم ما يشاء من علاقات، جنسية، أو اقتصادية، وله حق قتل نفسه، وله الحق في شرب الخمر وأكل المحرمات، والاتجار بها، ويحميه الدستور، وتحميه الدولة، لأن هذه الأفعال والتصرفات، كلها داخلة ضمن نطاق حريته الشخصية ولا يخفى على ذي لب أن هذه دعوة سافرة للفجور ونشر الرذيلة بين المسلمين في العراق، لغرض خبيث هو تدمير الأسرة المسلمة التي تربت على فضائل الإسلام وقيمه الرفيعة، حيث سيمنع الآباء من التدخل في تربية أبنائهم، بحجة حماية الحرية الشخصية، ويسمح بارتكاب كل الكبائر والمنكرات، تحت ذريعة الحرية هذه ، وما يجري في كل دول الكفر في العالم التي تتبنى هذه الحريات لا يحتاج إلى بيان.
كذلك نصت المادة 13 فقرة (و) على ما يلي (للعراقي الحق بحرية الفكر والضمير والعقيدة الدينية، وممارسة شعائرها، ويحرم الإكراه بشأنها)........ إن هذا النص يبيح الردة عن الإسلام، وتمنع مساءلة المرتد، ويسمح لأي شخص أن يجاهر بعقيدة غير الإسلام ويدعو لها، ويمارس شعائرها، دونما ضابط حتى من النظام العام، ويسمح هذا النص بالقدح في الذات الإلهية وذات الرسول الكريم وآل بيته الأطهار, وصحابته الكرام. تحت ذريعة حرية الفكر وحرية العقيدة، ولا زال المسلمون يذكرون سلمان رشدي الزنديق المرتد، وحماية الغرب له، واستقبال رؤساء الدول له، في تحد سافر لمشاعر المسلمين، لأبلغ دليل على ما تعنيه حرية الفكر وحرية العقيدة.
وكذلك نصت المادة الحادية والعشرون (لا يجوز للحكومة العراقية الانتقالية أو حكومات وإدارات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية، أن تتدخل في حق الشعب العراقي في تطوير مؤسسات المجتمع المدني، سواء كان ذلك بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني الدولية أو بأي شكل آخر...) إن المرء ليذهل إذ يقرأ نصاً دستورياً كهذا النص الذي يمنع جميع إدارات الدولة، من حكومة مركزية، وحكومات أقاليم ومحافظات وبلديات وإدارات محلية، من التدخل في شأن داخلي بحت، فما هي مؤسسات المجتمع المدني هذه؟ التي من حقها أن تتعاون مع منظمات دولية، دون أن تخضع لأية رقابة ومن آية جهة، بل يطلق لها العنان، وكأنها لا تعيش في الدولة، ولا تنطبق عليها قوانينها، ولكن ذهول المرء يزول عندما يعلم أن هذه المؤسسات المدنية، لا تعدو أن تكون واجهة لكل أجهزة المخابرات الأجنبية وبوقاً لكل الدعوات الهدامة، ومحافل لتجنيد الجواسيس والتستر على الإرساليات التبشيرية، التي تتلون كالحرباء فتأتي تحت مسميات شتى، من جمعيات للرعاية الاجتماعية, وجمعيات للمحافظة على البيئة، وجمعيات شبابية، وأخرى لحقوق الإنسان أو لحقوق الطفل، أو حقوق المرأة أو إنهاض الأسرة، وآلاف المسميات، وكلها معاول هدم في كيان الأمة، وطاعون يفتك بجسدها وبجهاز المناعة فيها -عقيدتها الإسلامية- وغزو ثقافي وفكري لم يسبق له مثيل.
لقد أفرد مجلس الحكم في دستوره هذا باباًُ كاملاً سماه الحقوق الأساسية ومن يقرأ هذه الحقوق يخيل له أن العراق قد تحول إلى جنة الله في الأرض، فقد نصت مواد هذا الباب على حرمة المساكن وعدم جواز انتهاكها وعدم تفتيش البيوت، وعدم الاعتقال أو الحجز إلا بمقتضى القانون، وحرمة تعذيب المعتقل، أو إكراهه على الاعتراف، وحقه في محاكمة عادلة وسريعة. ونحن نسأل مجلس الحكم، هل قُدّم أحد من عشرات الآلاف من المعتقلين إلى المحاكمة ؟ بل هل يعرف مجلس الحكم أعداد المعتقلين وتهمهم؟ بل هل يعرف أعداد حرائر المسلمين المعتقلات منذ أشهر؟ وما يتعرضن له من تعذيب بدني ونفسي، وهل اعتقلن بقانون وقدمن للمحاكمة بسرعة وثبتت إدانتهن؟ وكيف يتبجح أعضاء مجلس الحكم بتكريم المرأة في يوم المرأة العالمي؟ ولم يأت أحد منهم على ذكر الأمهات المعتقلات والأخوات السجينات؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى, إذا لم تستحْيِ فاصنع ما شئت» .
الخطر الثالث : خطر التقسيم تحت مسمى الفدرالية.
لم يعرف المسلمون طوال تاريخهم ما يسمى بالفدرالية، أي نظام الاتحاد، وإنما كانت الدولة الإسلامية وحدة واحدة, تقوم على النظام الوحدوي لا الاتحادي، أي مركزية في الحكم، ولا مركزية في الإدارة. وكانت على اتساع رقعتها الجغرافية الممتدة من الأندلس غرباً، إلى تخوم الصين شرقاً، تخضع لخليفة واحد، ولها عملة واحدة وكان الخليفة هو الذي يعين الولاة ويعزلهم، وهو الذي يجيش الجيوش ويفتح الفتوح, وهو الذي يرسل الرسل، للملوك ورؤساء الدول، ويقبل سفراءهم. ذلك أن الحكم الشرعي في حق المسلمين، هو تنصيب خليفة واحد فرض عليهم، وأمره مطاع ونافذ ظاهراً وباطناً. وهو الذي يتبنى الأحكام الشرعية، فتصبح قوانين نافذة، وكانت اللغة الرسمية هي اللغة العربية كونها لغة القرآن، وأداة فهم الإسلام، ولا يمكن الاجتهاد في الشرع بدونها وقد تقبل المسلمون ذلك برحابة صدر، ونبغ في العلوم الشرعية وعلوم اللغة العربية آلاف العلماء من فرس وترك وكرد ومغول، وكان منهم الخلفاء، والأمراء والسلاطين، وقادة الجيوش، ذلك قبل أن يمزق الكافر المستعمر وحدة المسلمين، بدعاوى الجاهلية، ومنها دعوى القومية النتنة، التي حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «دعوها فإنها منتنة» .
لقد حرم الإسلام الفدرالية (نظام الاتحاد) تحريماً قاطعاً، لأنها تقوم على أساس انفصال الدولة إلى أقاليم لكل منها استقلاله الذاتي، وقوانينه الخاصة، وهي وان اتحدت في الحكم العام، إلا أنها في الواقع كيانات مستقلة في معظم أمورها، ولا تخضع لسلطان الحكم المركزي إلا في بعض المسائل، وهذه التجزئة محرمة، لأنها الخطوة الأولى على طريق تقسيم الدولة إلى دويلات وكيانات هزيلة لا يحسب العدو الكافر لها حساباً ولا يقيم لها وزناً. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه» .
إنه لمما يبعث الأسى في القلوب، أن يعمد بعض أبناء الأمة في العراق إلى العمل على تمزيقه إلى كيانات هزيلة، تحت مسمّى الاتحاد أو الفدرالية، تمهيداً لفصل هذه الكيانات إلى دول مستقلة مما يضعفها جميعها. ويوقعها تحت نير الاستعمار من جديد. فقد نصت المادة الثالثة والخمسون من الدستور العراقي فقرة (أ) : (يعترف بحكومة إقليم كردستان بصفتها الحكومة الرسمية للأراضي التي كانت تدار من قبل الحكومة المذكورة في 19 آذار 2003م.
إن مصطلح حكومة إقليم كردستان الوارد في هذا القانون يعني المجلس الوطني الكردستاني، ومجلس وزراء كردستان، والسلطة القضائية الإقليمية في إقليم كردستان)......... إنها دولة داخل دولة، مجلس وطني ومجلس وزراء وسلطة قضائية.
ونصت المادة الرابعة والخمسون فقرة (ب) (فيما يتعلق بتطبيق القوانين الاتحادية في إقليم كردستان، يسمح للمجلس الوطني الكردستاني بتعديل تنفيذ أي من تلك القوانين داخل منطقة كردستان) إن لم يكن هذا هو الانفصال فماذا عسى أن يكون؟
كذلك نصت المادة السادسة والأربعون فقرة (أ) : (يتضمن الجهاز القضائي الاتحادي المحاكم الموجودة خارج إقليم كردستان، بما في ذلك محاكم الدرجة الأولى، والمحكمة الجنائية المختصة، ومحاكم الاستئناف ومحكمة التمييز التي هي آخر درجات المحاكم، باستثناء ما نصت عليه المادة 4 من هذا القانون) .
لقد أقر الدستور –الجريمة- لإقليم كردستان أن يكون له مجلس وطني –برلمان- ومجلس وزراء –حكومة- وسلطة قضائية، وأقر له بحق تعديل القوانين التي أصدرتها الحكومة دون استثناء، اللهم إلا ما يتعلق منها ببعض القضايا الحصرية للحكومة الاتحادية، وسيأتي التنازل عنها بالتدرج، ولم يقتصر الأمر على إقليم كردستان، بل سمح هذا الدستور، بتشكيل أقاليم جديدة، ما يعني فتح باب التمزيق والتشرذم, وباب النزاع والاقتتال الداخلي، لا يعلم إلا الله مداه ونتائجه.
أيها المسلمون في العراق
هذا غيض من فيض من مآسي هذا الدستور –الجريمة- الذي كتب تحت حراب الاحتلال، والذي إن لم يتدارك أبناء العراق المخلصون الأمر قبل فوات الأوان ويسقطوه كما أسقطوا من قبل قوانين (الباسق) التي سنها التتار، عندما اجتاحوا بغداد، فأحرقوا الأخضر واليابس، ورموا بملايين المخطوطات في نهر دجلة، إن لم يسارعوا لإسقاطه تمَزَق العراق إلى دويلات هزيلة متناحرة، وأصبح مرتعاً للفساد, وسوقاً لترويج كل فكر منكر.
إن المسلمين في العراق لن ييأسوا ولن يستسلموا، فهم جزء من أمة عريقة، أمة إسلامية، سادت الدنيا قروناً عديدة. وإن الاحتلال إلى زوال، طال الزمن أم قصر، وإن الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، تتحفز للانعتاق من نير الاستعمار وقوانينه وسلطانه، التي كرس بها فرقة الأمة، واستباح بيضتها، وعمّا قليل تعلن دولة الخلافة الإسلامية الراشدة، لتملأ بنورها الأرض، بعد أن امتلأت بظلام الكفر والطاغوت.
أيها المسلمون الكرد
يا أحفاد صلاح الدين، محرر المسجد الأقصى المبارك من رجس الصليبين، انبذوا الفرقة والفدرالية، وكونوا لإخوانكم المسلمين عرباً وتركماناً, كما وصفكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً» .
أيها المسلمون جميعاً شيعة وسنة:
وأنتم تعيشون ذكرى استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه وأرضاه، الذي بذل دمه الزكي الطاهر, ولم يتنازل ولم يساوم، ولم تلن له قناة، كونوا مع الحق كما كان، وليكن الله غايتكم، وتطبيق الشريعة والحكم بما أنزل الله مطلبكم، وفوتوا على الشيطان قصده؟ وردوا إلى نحره كيدَه.
يا علماء المسلمين في العراق سنة وشيعة
يا ورثة الأنبياء، اصدعوا بكلمة الحق عالية مدوية، إن الحكم إلا لله، لا للقومية ولا للفدرالية ولا للطائفية. نعم لحكم الله ولمن يحكم بما أنزل الله، شيعياً كان أم سنياً. كردياً كان أم عربياً أو تركمانياً.

{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}

23 محرم الحرام 1425هـ
 
حزب التحرير
2004/03/15م
 
ولاية العراق
 


إقرأ أيضا:-
﴿‌شَهْرُ ‌رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾
بداية شهر رمضان المبارك ونهايته لا تُحددها إلا الرؤية الشرعية للهلال
ثم ماذا بعد أيها المسلمون؟ ماذا تنتظرون بعدما شاهدتم ما حدث في غزة؟ ألم يأن لكم أن تتحركوا وتستجيبوا لفرض ربكم بإقامة دولة الخلافة الراشدة؟!
ضرباتٌ في عمق لبنان! أين السلطة السياسية وأجهزتها من استحقاقاتهم؟! ثم أَلَم يفرغ الصبر الاستراتيجي للمحور إلى الآن؟!
في بلد يزعم أنه بلد حقوق المرأة تُعتقل حاملات الدّعوة من حزب التحرير لأنّهنّ يعملن خارج إطار العلمانية!