Aya

1953

HT logo
  adv search
new email def main site arabic
info office misc wilayat books tahleelat lflts  
                 
 
:::

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها المسلمـون في الجزائـر... قيمة كل شعب بقيمة قضيتـه
وقضيتكـم ليست اقتصاديـة، وإنما قضيتكـم سياسيـة «الحكم بما أنزل الله»

مع إيماء أوروبا وبخاصة فرنسا لبيادقها من بعض كبار الضباط في الجيش وبعض الأحزاب والتكتلات العنصرية والعلمانية بالحيلولة دون عقد الدورة الإنتخابية الثانية بعملية إنقلابية لحرمان الجبهة الإسلامية للإنقاذ من الوصول إلى الحكم خشيةً من جعله حكماً إسلامياً، مع هذا الإيماء بدأت مرحلة «الإرهاب» التي خطط لها النظام الجزائري ليستخدمها كسلاح استراتيجي غَشُوم لإستئصال شَأْفَة الإسلام (السياسي) بالقوة العسكرية. فالنظام الجزائري ملأه الغيظ من الشعب الجزائري لتأييده الكاسح للإسلام، فقام بتقتيله وإرهابه واستغلال رَهْبَته منه بالإسراع في تجويعه، بالأزمة الإقتصادية الناتجة من التوجُّه ومن ثَمَّ الالتزام بإملاءاتِ الصندوق النقدي الدولي والبنك العالمي، كما في المثل:«أَجِعْ كَلْبَك يَتْبَعْك»؛ فقد أراد النظام الجزائري أن يُنْسي الشعب فكرة الحكم الإسلامي و«الدولة الإسلامية» لتصبح لديه نِسْياً مَنْسِيّاً بالتَّقْتِيلِ والتَّرْهِيبِ وتنظيم التَّجْوِيع.

ومع أن النظام الجزائري قد (انتصر) عسكرياً على الإسلام (السياسي) بتورّطه في سفك دماء الشعب، فإنّه قد ارْتَبَك في (انتصاره) الدموي فلم يسْهُل له المخرج منه، وكما جاء في حديث ابن عمر: «إِنَّ من ورَطاتِ الأُمور التي لا مَخْرَجَ منها سَفْكَ الدمِ الحَرام بغير حِلٍّ»، وهذا الوضع جعل النظام الجزائري الأوروبي الولاء لا يأْمَن من استغلال أمريكا له كذريعة فتأَخذه على غِرَّةٍ، كذلك خافت أوروبا (فرنسا وإنجلترا) من أن يسبَقَ سَيْلُ أمريكا مَطرَها في الجزائر ومزاحمتها فيها. ولذلك تداركت فرنسا أمرها بعد أن تَنَبَّهَت على تسخير إنجلترا لها، وعلى رغم أنها تعلم أن شعار الإنجليز هو أن إنجلترا تقاتل لآخر جندي فرنسي، إلا أنها بعد افتضاح أمر عملائها العسكريين والسياسيين والمثقفين وعجزهم عن مواصلة قيادة النظام الجزائري وحماية مصالحها في مواجهة أمريكا، فقد سعت للتنسيق بينها وبين إنجلترا لإبقاء الجزائر في دائرة أوروبا، وذلك منذ محاولة المؤسسة العسكرية الاتصال ببوتفليقة قبل انعقاد ندوة الوفاق الوطني المنعقدة أواخر جانفي 1994م لإقناعه بتولي منصب رئيس الجزائر. ومن ثم كان لابد من إيجاد أجواء شعبية للحاكم الجديد ليتمكن بها من إنهاء دور عملاء وهَوامّ فرنسا في قيادة النظام الجزائري -بعد تسخير إنجلترا لهم والتَسَتُّر بهم-، والبدء في مرحلة «المصالحة»، وإعادة دور عملاء إنجلترا في قيادة النظام الجزائري بإعادة بوتفليقة سنة 1999م، والتي -أي مرحلة «المصالحة»- خطَّط لها النظام الجزائري أيضاً ليستخدمها كسلاح استراتيجي لإستئصال شَأْفَة الإسلام (السياسي) سياسياً.

ولقد حاول النظام الجزائري تحقيق هذا الأمر بالقانون رقم 99-08 المتعلق بـ«إستعادة الوئام المدني» سنة 1999م لكن حالت ملفات المفقودين والمجازر الجماعية بينه وبين هذا الإنتصار، فاضطر لاسترضاء الناس بأن أظهر شيئاً من الإهتمام الشكلي ببعض الشئون الاقتصادية كالتحسين الجزئي لظروف المعيشة المادية، ثُمَّ مَرَّرَ يوم 29/09/2005م «مشروع الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية» بإستفتاء شعبي، ليحمي نفسه بهذا الاستفتاء من محاسبته على جرائمه خلال العشرية الحمراء، ومع ذلك فقد عجز النظام الجزائري بهذا المشروع عن الانتصار السياسي على الإسلام (السياسي) فقام بإصدر المرسوم الرئاسي رقم 06-93 المتعلق بـ«تعويض ضحايا المأساة الوطنية» كرشْوَةً لأهالي ضحاياه من المفقودين والمجازر الجماعية، كما أصدر الأمر رقم 06-01 المتضمن «تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية»، وبخاصة فصله السادس في مادتيه 45 و46 ومن ثم إسكات لسان الشعب دون أن يعبأ بشكواه أو محاسبة أصحاب المجازر، وبخاصة بعد تشريع الأمر رقم 06-02 المتضمن «القانون الأساسي العام للمستخدمين العسكريين» وبخاصة المواد: 39، 40، 57، 59، و60 منه، اللاتي تحمي بعض ضباطه (الكبار) وبعض ضباطه العمداء في الجيش المتورطين في ملف المفقودين وفي ملف المجازر الجماعية، وتَضْمَن لهم حماية رسمية من الدولة ضدّ أيّ متابعة قضائية محلية كانت أو دولية. فقد أراد النظام الجزائري -بعد أن وضع بَيْضَه في منأى عن أي جهة داخلية أو خارجية قد تستعملها أمريكا- غلق هذه الملفات، ليَتَّعِظَ الشعب بعَواقِب فكرة «الدولة الإسلامية»، وذلك بالرشوة للزوم الصمت، أو الضغط والتهديد!

وحتى يتمكن النظام الجزائري من غلق هذه الملفات كان لا بدّ له من السير في اتجاهين متوازيين: مُداراة الجبهة الإسلامية للإنقاذ ومُجاراة أمريكا:

- فبالنسبة لمُداراة الجبهة الإسلامية للإنقاذ؛ فالملاحظ أنه منذ مدة طويلة وهو يُراوِد قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ على أَمرها، وأنه كان لا يُدارِيها إلاّ لِيُدْخِلَ بعضها (وبخاصة من بالخارج) -بإسم الوطنية العفنة- في مِصْيَدَةِ «المصالحة» ليوقعها في حبائله؛ فهو يريد أن يُشْرِك بعض قيادييها في الحياة السياسية تحت غطاء حزب جديد يخوض لعبة (الديمقراطية) وعندها سيصبحون جزءاً من هذا النظام وبالتالي سيعملون على المحافظة عليه بدل أن يعملوا لتغييره. وما تسهيل ترتيبات دخول بعض قياديي الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذين كانوا بالخارج يوم 17/09/2006م، وتصريحاتهم الأولية يوم 18/09/2006م التي يُفهم منها ليس فقط خذل الجبهة الإسلامية للإنقاذ بل وخذل فكرة «الدولة الإسلامية» أيضاً، إلا تأكيداً لهذه المِصْيَدَة، وضماناً لنجاحه في الخروج من ورطة ملف المفقودين وملف المجازر الجماعية.

- أما بالنسبة لمُجاراة أمريكا؛ فالملاحظ أنه استغل فرصة 11 سبتمبر 2001م ليصبح شريكاً عسكرياً قوياً لها في «حربها الدولية على الإرهاب» ليُعَمِّي عليها ورطته في ملف المفقودين وفي ملف المجازر الجماعية، كما أنه سعى لإسترضائِها نفطياً بـ«قانون المحروقات» وقد عبّر عنه الرئيس بوتفليقة في 22/11/ 2002م في مقالته بجريدة “واشنطن تايمز” حيث أعلن فيها أن الجزائر تطمح لأن تصبح أول منتج للنفط في إفريقيا، وأن الجزائر ستَضْمَن لأمريكا مزيداً من الأمن في مجال التموين بالمحروقات. ولكنه اتخذ أساليب تجعل من الجزائر أداة لأوروبا لمزاحمة أمريكا إفريقياً ودولياً، وبخاصة بعد وقوع أمريكا في المستنقع العراقي. ولهذا فإنه في الوقت الذي كان فيه النظام الجزائري يجاري أمريكا في «محاربة الإرهاب» كان يشوّش عليها -وما يزال- دبلوماسياً في المحافل الدولية بالفصل بين «الإرهاب» و«مقاومة الإحتلال» من مثل إنكاره عدم الفصل بينهما في حديثه في القمة 14 لحركة عدم الإنحياز المنعقدة يومي 15 و16/09/2006م. وفي الوقت الذي مرّر فيه «قانون المحروقات» (الأمريكي) في 20/03/2005م والصادر تحت رقم 05-07 يوم 28/04/2005م والمنشور يوم 19/07/2005م ليُعَمِّي على أمريكا ورطته، عدّله في 04/07/2006م والصادر تحت رقم 06-10 يوم 29 جويلية 2006م بما يمسّ بعض امتيازاتها النفطية بعد (خروجه) من بعض ورطته. وفي الوقت الذي طلب فيه من أمريكا أن تشاركه ثمار «المصالحة»، وطلب منها أيضاً إنجاح مسعى المصالحة الوطنية –كما صرح وزير الخارجية محمد بجاوي بمجلس العلاقات الخارجية بواشنطن يوم 14/04/2006م- بقوله: «...لأن إنجاحها يتطلب أيضاً تعاوناً وثيقاً مع الخارج مثل الولايات المتحدة الأمريكية»، في هذا الوقت كان يسعى للإنضمام لرابطة دول الكومنويلث، وهي رابطة الدول العميلة صراحة لإنجلترا، بعد الموافقة الأولية الرسمية من توني بلير على طلب الرئيس بوتفليقة لإنضمام الجزائر إليها من خلال (زيارة واحدة فقط !!) للندن يومي 11-12/07/2006م...إلخ.

أيها المسلمـون في الجزائـر
في الوقت الذي كان يجري اقْتِيادكم وسَحْبكم وسَوْقكم إلى شَظَفِ العيش بسيف «الإرهاب» وبقرارات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، ظهرت ما سُمِّيَت بـ«المافيا السياسية- المالية » التي (غنمت) أموالكم، الخاصة منها والعامة، فاغْتَنَت بسبب مرحلة «الإرهاب»، وانقلب ميزان البناء المجتمعي في بلادكم بتغلغل هذه «المافيا» في كافة مستويات السلطة (التنفيذية والتشريعية والقضائية) والإدارة والمؤسسات والجيش...إلخ؛ حيث تَسَنَّم أفرادها أغلبية مقاعد البرلمان ومعظم المجالس الشعبية الولائية والبلدية، وحلّ رجالها في مجالس الإدارات والمؤسسات العمومية والمنظمات الجماهيرية وبعض الأحزاب السياسية، وعلت نجومهم إعلامياً في جميع وسائل الإعلام، فعلى سبيل المثال لا الحصر نظرت محكمة بجاية يوم 19/04/2006م في فضيحة تبديد أكثر من 140 مليار سنتيم من خزينة بلدية بجاية والمتهمون فيها مسؤولون في الدولة.

وفي الوقت الذي مازالت دماؤكم تَنْزف نزْفاً بسَيْفِيِّ «الإرهاب» و«المصالحة» اللَّذَيْن طعنكم بهما، باشرت هذه «المافيا السياسية- المالية» رَضْع ضروع ثرواتكم بشُخْبٍ -قبل أَن تَحْلُبَها من جَشَعِها- شَرَهاً من لُؤْمِها حتى لا يفوتها شيء؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر، بدأت التحقيقات الأمنية بداية شهر جوان 2006م في تجاوزات مرتكبة في تسيير شئون ولاية جيجل تتجاوز قيمتها 1000 مليار سنتيم، والمتهمون فيها مسؤولو بلدية جيجل ومديريات الأشغال العمومية وأملاك الدولة. كما فوضت هذه «المافيا السياسية- المالية» بلادكم للكفار المستعمرين (أوروبا وأمريكا)، فها هو الرئيس بوتفليقة -منذ أن نَصَّبوه- شمَّر ساعِدَه وكشفَ عن ساقِه فلم يترك محفلاً محلياً أو إقليمياً أو دولياً إلاّ وقد دخله بحملة تسويقية للبلاد وللعباد بإسالة لُعاب أوروبا وأمريكا وتأليبهما عليكم بمختلف الإمتيازات، فقد حوّل بلادكم إلى سلعة تباع في الأسواق الدولية بأبخس الأثمان؛ ففي خطاب له أمام قطاعات الأمة يوم 07/04/2005م مثلاً قال: «إن الجزائر تشكل اليوم وجهة اقتصادية مفتوحة ومربحة، كما يؤكد ذلك برنامج دعم النمو ... بمبلغ يفوق 55 مليار دولار، ويأتي هذا البرنامج متزامناً مع عروضنا المتعلقة بالخوصصة والشراكة لما يزيد عن 1000 مؤسسة بأحجام مختلفة، وفي كافة القطاعات ما عدا بعض المؤسسات الإستراتيجية.  فتلكم إذن فرصة فريدة من نوعها تتاح لتحقيق فائدة متبادلة». ومع أن النظام الجزائري قرر عدم اللجوء إلى القروض الأجنبية، العام الماضي، إلا أنه أَتْبَعَ ذلك بإشارات قوية لجلب الإستثمار الأجنبي إلى الجزائر على ما في هذا الاستثمار الأجنبي من خطورة.
إنّ لهذه «المافيا» أجهزة سرية (غير قانونية) في الدولة تعمل لحسابها وحساب أسيادها من الكفار المستعمرين. وبتعبير أدّق أصبحت هناك أجهزة دولة سرية (أصحاب القرار) موازية لأجهزة الدولة الرسمية التي تجََمَّع سَوادُها الأَعظمُ على طاعة الأجهزة السرية، وهذا ما أدى إلى ذهاب روح ورِيح الأجهزة الرسمية وإلى غياب مفهوم رعاية الشؤون عن الدولة وعنكم، إذ إن الأمر قد انقلب رأساً على عقب، فجاءكم حكام ووزراء وولاة ورؤساء بلديات ومديرون...إلخ، لا يعرفون إلا رعاية شؤون أنفسهم، والمحافظة على مصالح أسيادهم الكفار المستعمرين (أوروبا وأمريكا)، والتسلط عليكم وإذلالكم وأكل حقوقكم؛ فهم لَيْسوا لكم رُعاة، ولكنهم جُباة.

أيها المسلمـون في الجزائـر
إنّ اقتصاد بلادكم سيطرت عليه هذه «المافيا» المَنْهومَة التي يمْتَلِئُ بطنُها ولا يشبع! واقتسمت كعكة اقتصادكم مع دول الكفر والإستعمار، أوروبا وأمريكا، تحت تسميات «إقتصاد السوق»، «الخوصصة» و«الشراكة الأجنبية»، وبرعاية الصندوق النقدي الدولي ومن أبرز مظاهره:

- انْتِهاب أموالكم العامة والخاصة من البنوك العمومية وبالبنوك الخاصة في وضح النهار؛ فقد أخذَها مَنْ شاءَ منها، وعلى سبيل المثال لا الحصر: “يونيون بنك” المتهم بنهب العقار الفلاحي وتحويل 500 مليار سنتيم. وقضية تبديد أموال عمومية قدرها 13200 مليار سنتيم (ما يعادل 1.5 مليار دولار) مع “البنك التجاري والصناعي”، والخسائر الناجمة عن “بنك الخليفة” التي تكبدتها الخزينة العمومية في حدود 1.5 مليار دولار حسب النظام، وغموض وفاة مديره، وتورط أكثر من 40 مسؤولاً سامياً ووزراء في الدولة وآخرين من جنسيات أخرى منها فرنسا وإنجلترا ودول الخليج، واختلاس 3200 مليار سنتيم من وكالات “البنك الوطني الجزائري” بالقليعة، شرشال وبوزريعة...إلخ.

- منح إمتيازات للكفار المستعمرين من الأوروبيين والأمريكيين بالأمر رقم 01-03 المتعلق بـ«تطوير الإستثمار» سنة 2001م ثم بالأمر رقم 06-08 المعدل والمتمم له سنة 2006م، وبالأمر رقم 01-04 المتعلق بـ«تنظيم المؤسسات العمومية الإقتصادية وتسييرها وخوصصتها» سنة 2001م، وبالقانون رقم 05-07 المتعلق بـ«المحروقات» سنة 2005م، وبالإتفاق الأوروبي المتوسطي الذي أَسَّسَ لشراكة بين الجزائر والمجموعة الأوروبية والموقع بفالونسيا يوم 22/04/2002م والذي دخل حيز التنفيذ ابتداءً من 01/09/2005م...إلخ جعلتهم يسيطرون على كل ما هو إستراتيجي: مثل قرار الحكومة منح رخصة تسيير أحد المطارات الإستراتيجية في الجزائر لمؤسسة فرنسية، والذي أعلن عنه وزير النقل محمد مغلاوي بدخول وزارته في مفاوضات مع مؤسسة مطارات باريس لمنحها رخصة تسيير المطار الدولي الجديد بالعاصمة بالتراضي وبدون مناقصة دولية. وإذا علمنا أن هذا المطار يعتبر حدوداً للجزائر مع كل دول العالم فإن الحكومة قد وضعت حدود الدولة في يد مؤسسة أجنبية كافرة ستكون بيدها مثلاً كل المعلومات المتعلقة بتحركات مسؤولي الدولة وبرامج رحلاتهم. ومثل تعامل شركة نفطال مع الشركات الأجنبية لنقل وتوزيع المواد الإستراتيجية والحيوية (المازوت والبنزين) على طول الشريط الساحلي للبلاد بين موانئ أرزيو وسكيكدة، بعد أن باعت شركة سوناطراك أسطول نقل تلك المواد بأبخس الأثمان. ومثل توقيع عقد شراكة مع مجموعة “بورتك” الأمريكية لتسيير مشترك لميناء بجاية الذي يصنف كثاني ميناء بعد ميناء العاصمة، وإذا علمنا أنه يقوم بمعالجة حوالي 4.6 ملايين طن من السلع سنوياً، فإن الأمر  يتعدّى تسيير ميناء إلى سيطرة على ثَغْرٍ اقتصاديٍ والتسلّط على مفاصل إقتصاد البلاد. ومثل تردّد وجود شخصيات نافذة دعمت حصول الشركة المختلطة الجزائرية-الأمريكية (براون أند روود كوندور BRC) على أغلب المشاريع الكبرى بصيغة التراضي بدل المناقصات الدولية، وتوليها بناء أبرز المشاريع الإستراتيجية التابعة لوزارة الدفاع الوطني كالمستشفيات العسكرية في وهران وقسنطينة، ومنشآت متعددة للجيش بكل من تمنراست، تندوف، بشار والجلفة، ...إلخ. فإذا كانت العربُ إِذا طَلَّقَ أَحدُهم امرأَته، في الجاهلية، قال لها: حَبْلُك على غارِبك أَي خَلَّيتُ سبيلك، فاذْهَبي حيثُ شِئْتِ، فإنّ النظام الجزائري اليوم لا يقول للشعب: “اقتصادك على غاربك” بل يقول له: «اقتصادك على غَادِرِك الكافر المستعمر» أَي خَلَّيتُ سبيل اقتصادك، وستذْهَب به فرنسا وإنجلترا وأمريكا إلى ما حيثُ شاءوا.

أيها المسلمـون في الجزائـر
إن (نجاح) مؤامرة إستئصال شَأْفَة الإسلام (السياسي) عسكرياً وسياسياً، جعل أوروبا وأمريكا و«المافيا» تتكالب على جني ثمارها إقتصادياً، وتَتَداعى عليكم كما تَداعَى الأَكَلَةُ على قَصْعَتِها، عن طريق «إقتصاد السوق»، «الخوصصة» و«الإستثمار الأجنبي»، لدرجة أن هذا التكالب والتداعي عليكم أعاد تَقْتِيلكم وتَرهِيبكم؛ فالتوتر الأمني في الآونة الأخيرة يُلوِّح ليُرِيَكُم عودة شيء من مرحلة «الإرهاب».
لقد تحوّلت الجزائر، منذ حوالي ستّ سنوات، إلى ورشة إقتصادية مترامية الأطراف، في المجالات كافة (ما عدا الإنتاجية) وعبر البلاد برمتها، ببرنامج دعم للنمو بمبلغ يفوق 55 مليار دولار من سنة 2005م إلى سنة 2009م، وبدل أن يكون هذا البرنامج لتحسين الحياة الاقتصادية للناس، ها نحن نرى التكالب الدولي على ثروة البلد تحت اسم الاستثمار الأجنبي. وفي الوقت الذي يتداعون على بلادكم ويتكالبون على ثرواتكم، نراكم لا تلقون بالاً لكل هذا التداعي والتكالب كأن المؤامرة لا تستهدفكم مع أنكم أنتم الضحايا وإسلامكم هو المتآمر عليه وثرواتكم هي موضع النهب، حيث يعتبر كل واحد منكم نفسه غير معني بغير مشكلته، أو كل فئة منكم تعتبر نفسها غير معنية بغير مشكلتها، وكأن هذه المشكلات الفردية والجماعية قضايا متفرقة مستقلة عن بعضها البعض يُسعى لمعالجة كل قضية منها قضية مستقلة خاصة بقسم معين من الناس، فالشباب يرى أن المشكلة في البطالة وأن الحل في هجرة البلاد، والأساتذة يرون أن المشكلة في الأجور وأن الحل في زيادتها عن طريق الإضراب، والعمال يرون أن المشكلة في الخوصصة والحل في التعويض، وأهالي (المفقودين) يرون أن المشكلة في عدم كشف الحقيقة والحل في التعويض وفي كشف ومحاسبة المتورطين...إلخ مع أن القضية هي قضية واحدة للشعب الجزائري كله، ومشاكله هي مسائل متعددة من هذه القضية؛ فكلها ترجع إلى أساس واحد ويرتبط بعضها ببعض ارتباطاً عضوياً وثيقاً، فلا بدّ من تغيير النظرة إلى المشكلات الموجودة في الجزائر أولاً، تغييراً أساسياً في معالجة مشكلاتها على أساس النظرة الصحيحة، وإلا فإن كل جهد لمعالجة أي مشكلة يَضُر ولا ينفع.

وهذه النظرة الصحيحة هي أن تنظروا إلى القضية، كل القضية، على أنها قضية فرض أنظمة الكفر عليكم (من إشتراكية ورأسمالية) وإقصاء الحكم بما أنزل الله من حياتكم: فالنظام الجزائري بعد الإستقلال (الوهمي) ترك، ثُمَّ أَبْعَدَ الإسلام عن موضع التطبيق والتنفيذ، رغم أنه -أي الإسلام- هو السبب وهو الدافع لتحرّر البلاد من الإستعمار العسكري الفرنسي الكافر، ورغم أن في الإسلام جميع أنظمة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية...إلخ، فإن النظام الجزائري اتخذ من النظام الإشتراكي الكافر أساساً لتوجيه حياة المجتمع ولمعالجة مشكلاته، رغم أنه -النظام الإشتراكي الكافر- ينبثق من عقيدة إلحادية لا تعترف بوجود الله سبحانه وتعالى، ورغم أنه سبب عجز النظام عن معالجة مشكلات المجتمع. ولما انهار الإتحاد السوفياتي في بداية التسعينات من القرن الماضي وإنتهاء الإشتراكية إيديولوجياً ونظاماً من الناحيتين الدولية والعالمية، كان الأصل في النظام الجزائري أن يُحِل محلها النظام الإسلامي في موضع التطبيق والتنفيذ، إلا أنه اتخذ من الرأسمالية الكافرة (وبخاصة «إقتصاد السوق»، «الخوصصة» و«الإستثمار الأجنبي») أساساً لتوجيه حياة المجتمع ولمعالجة مشكلاته، رغم أنها سبب استعمار البلاد وشقاء العباد، ليس هذا فحسب بل أيضا قام بحرب لا هوادة فيها ضد تطبيق وتنفيذ الإسلام، استأصلت أرواح وأموال وعقيدة الشعب، رغم أن الشعب مسلم ورغم أنه لم يكن يريد إلا تطبيق وتنفيذ الإسلام في واقع الحياة والدولة والمجتمع.

أيها المسلمـون في الجزائـر
إن النظام يواجهكم بمواجهة كل فئة منكم منفردة عن بقية الشعب، فيحملكم على مقابلته متفرقين حتى تظلوا تدورون في حلقة مفرغة؛ تعملون لحلّ مشكلاتكم الآنية الأنانية في وضع يستحيل حلّها معه، فتَصِلون إلى المُسَكِّنَات التي يَمُنُّها عليكم هذا النظام والتي تُمَكِّنه منكم وتُبقي كل مشكلة من غير حلٍّ، وبالطبع تظل القضية الأساسية التي هي قضية الحكم بما أنزل الله بعيدة عن تفكيركم في الحل.

إن اعتبار الخوصصة مثلاً مسألة منفصلة عن مسألة الزيادة في الأجور وعن مسألة قانون المحروقات وعن الإختلاس وعن البطالة...إلخ قد جرّ إلى اعتبار الوزير عبد الحميد تمار أو الوزير شكيب خليل أو رئيس الحكومة السابق أحمد أويحي...إلخ وحده هو الخصم، ورفع رئيس الجمهورية بوتفليقة إلى منزلة الحَكَم، والذي جعل وجوهكم تعلوها البهجة والعرفان بالجميل، إذا ما تصدق عليكم بفتات ما نُهب منكم، وهذا أدّى إلى بقاء هذا النظام على سوئه وسيؤدي إلى استمراريته. ولكن إذا اعتبرنا أن القضية هي أن الكافر المستعمر (أوروبا وأمريكا) يَسْتَعْمِرُنا بكل منظماته الدولية كالصندوق النقدي الدولي، وبكل إتفاقياته كالشراكة الأورومتوسطية، وبكل شركاته كـ”هاليبورتون”، “سويز” و”بريتيش بتروليوم”، وأن استعماره هذا للحيلولة دون رجوعنا للحكم بما أنزل الله لإستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافـة وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، إذا اعتبرنا ذلك فقد عرفنا حقيقة الموقف السياسي الذي يجب اتخاذه: وهو أن هذا النظام الجزائري أداة أوروبا تارة وأمريكا تارة أخرى يهيمنون به على الشعب الجزائري المسلم. فالخصم في القضية أوروبا وأمريكا ولذلك لا بد من اتخاذهما عَدُوَّيْن في القضية. وإذا أدركنا ذلك فَهِمْنَا أن القضية ليست قضية اقتصادية فقط وأن المسألة ليست مسألة خوصصة أو زيادة في الأجور أو قانون المحروقات أو إختلاس أو بطالة فقط ...إلخ وإنما هي قضية تتعلق باستعمار أوروبا وأمريكا لنا لِيَحُولاَ بيننا وبين تحكيم الإسلام في حياتنا، وإذا فَهِمْنَا ذلك أدركنا أن النظام الجزائري جِسْرٌ لهما، لأنه عميل لأحدهما ومسترضٍ للآخر، ينفذ مشاريعهما الإستعمارية التي يروج لها من «اقتصاد السوق» و«خوصصة» و«استثمار أجنبي»...إلخ.

أيها المسلمون في الجزائر
إننّا في حـزب التحريـر - الجزائـر لا ندعوكم  إلى أن تجعلوا قضيتكم هي تحسين مستوى معيشتكم الإقتصادية فحسب بل قضيتكم أولاً وقبل كل شيء هي قضية سياسية بالحكم بما أنزل الله، ومن ثَمَّ يتأتى تحسين معيشتكم به، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}، وقال أيضاً: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} وندعوكم إلى أن تضطلعوا بقضيتكم وأن تقفوا صفاً سياسياً واحداً على أساس الإسلام في وجه هذا النظام الذي أرهبكم وقتّلكم وجوّعكم وطمّعكم، وفي وجه مخططاته لتفشلوا تآمره على إسلامكم وثرواتكم مع أعدائكم الكفار المستعمرين أوروبا وأمريكا، وتستأصلوهم من جذورهم بحمل الدعوة الإسلامية معنا في الطريق السياسي لإستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافـة الراشدة الثانية التي بشرنا بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أخرجه الإمام أحمد: «...ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّة...»، فلا تيأسوا فالدائرة ستدور عليهم بإذن الله، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}.

10 من رمضان 1427هـ
 
حـزب التحريـر

الموافق

2006/10/02م
 
الجزائـر
 


إقرأ أيضا:-
﴿‌شَهْرُ ‌رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾
بداية شهر رمضان المبارك ونهايته لا تُحددها إلا الرؤية الشرعية للهلال
ثم ماذا بعد أيها المسلمون؟ ماذا تنتظرون بعدما شاهدتم ما حدث في غزة؟ ألم يأن لكم أن تتحركوا وتستجيبوا لفرض ربكم بإقامة دولة الخلافة الراشدة؟!
ضرباتٌ في عمق لبنان! أين السلطة السياسية وأجهزتها من استحقاقاتهم؟! ثم أَلَم يفرغ الصبر الاستراتيجي للمحور إلى الآن؟!
في بلد يزعم أنه بلد حقوق المرأة تُعتقل حاملات الدّعوة من حزب التحرير لأنّهنّ يعملن خارج إطار العلمانية!