شركة المفاوضة
وهي أن يشترك الشريكان في جميع أنواع الشركة المار ذكرها، مثل أن يجمعا بين شركة العنان، والأبدان، والمضاربة، والوجوه، وذلك كأنْ يدفع شخص مالاً لمهندسيْن شراكة مع مالهما مضاربة، ليبنيا دوراً لبيعها والتجارة فيها، واتفقا على أن يشتغلا بأكثر مما بين أيديهما من مال، وصارا يأخذان بضاعة من غير دفع ثمنها حالاً، بناء على ثقة التجار بهما. فاشتراك المهندسين معاً ببدنهما شركة أبدان؛ باعتبار صناعتهما ودفعهما مالاً منهما يشتغلان به معاً شركة عنان، وأخذهما مالاً من غيرهما مضاربة شركة مضاربة، واشتراكهما في البضاعة التي يشتريانها بناء على ثقة التجار بهما شركة وجوه، فهذه الشركة جمعت جميع أنواع الشركات في الإسلام فيصح ذلك؛ لأنّ كل نوع منها يصح على انفراده، فيصح مع غيره. والربح على ما اصطلحا عليه، فيجوز أن يجعل الربح على قدر المالين، ويجوز أن يتساويا مع تفاضلهما في المال، وأن يتفاضلا مع تساويهما في المال.
هذا النوع من شركة المفاوضة جائز لورود النص به. أما ما يذكره بعض الفقهاء، من أنواع شركة المفاوضة الأخرى، وهي أن يشترك الرجلان، فيتساويان في ماليهما، وتصرفهما، وديْنهما، يفوض كل واحد منهما إلى صاحبه على الإطلاق، فلا تجوز مطلقاً؛ لأنّه لم يرد نص شرعي دليلاً عليها، ولأنّ الحديث الذي يستشهدون به وهو “إذَا تَفَاوَضْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْمُفَاوَضَةَ” أو حديث “فَاوِضُوا فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ” لم يصح شيء من هذين الحديثين، ولا في معناهما، على فرض صحة دلالتهما؛ ولأنّ هذه الشركة شركة على مال مجهول، وعمل مجهول، وهذا وحده كاف لعدم صحة هذه الشركة، ولأنّ من مالهما الإرث الذي يصير إليهما بعد وفاة المورث، وقد يكون أحدهما ذمياً فكيف يجعل له نصيب في الإرث. ولأنّ الشركة تتضمن معنى الوكالة، والوكالة بمجهول الجنس لا تجوز. فكان كله دالاً على عدم صحة هذا النوع من شركة المفاوضة.
|