أيها المسلمون:
لقد توالت المصائب والذل والهوان على المسلمين منذ تمكَّنَ الكفار المستعمرون من القضاء على الخـلافة بالتعاون مع خونة العرب والترك، فتمزقت بلاد المسلمين، واستولى الكفار على مقدراتهم، وفقد الإسلام الخليفة الذي يُتَّقى به ويُقاتَل من ورائه، فيحمي بيضة الإسلام ويعز به المسلمون. وبدأت عرى الإسلام تُنقض، وأولها الحكم كما قال صلى الله عليه وسلم، ومن ثَمّ تداعى الكفار على المسلمين، وهم كُثر ولكنهم غثاء كغثاء السيل كما أخبر صلوات الله وسلامه عليه، وصدق رسول الله:
فأولاً دَنَّسَ اليهود الأرض المباركة، وأقاموا لهم فيها دولةً، فهاج المسلمون وماجوا، ثم صمتوا وبقي كيان يهود،
وثانياً دخلوا المسجد الأقصى، وعاثوا فيه فساداً، وحرقوا منبره، وحفروا أسفله، فتظاهر المسلمون وتَكَدَّر خاطرهم ثم هدأوا. وقد تم حرق المنبر واكتمل حفر الأنفاق تحت المسجد،
وثالثاً تَجَرَّأ فاجر ساقط على أمهات المؤمنين بروايته الشيطانية، فاحتضنه الكفار المستعمرون وأغدقوا عليه الجوائز، وعدوه من المبدعين!،
ورابعاً منعت فرنسا حجاب المسلمات في مدارسها ومؤسساتها، فامتعض المسلمون وانزعجوا ثم مَرَّ الأمر كأن لَم يكن،
وخامساً، دَنَّسَ الأمريكان المصحف الشريف، فغضب المسلمون، وعلت أصواتهم بالصراخ ثم انتهى الأمر،
والآن (تتطاول) الدنمارك والنروج في صحافتهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويَعُدُّون ذلك بجرأة ووقاحة أنه حرية رأي وتعبير، وتَتَجَرَّأ دول أخرى فتنقل الإساءات على صفحاتها مثل فرنسا وغيرها، فيتظاهر المسلمون وينقمون ويزمجرون ...
وبعدُ أيها المسلمون:
إنَّ كُلَّ من له بصر وبصيرة يدرك السبب وراء تَجَرُّؤ الكفار على الإسلام والمسلمين، فهم:
عندما يرون أن الخـلافة تاجَ الفروض ساهم خونة المسلمين في القضاء عليها، ولا زال حكامهم يحاربون من يعمل لإعادتها حرباً شعواء تفوق أو تكاد ما يأتيه الكفار الأعداء،
وعندما يرون أن دولة يهود قد ثبَّتَ أركانَها حكامُنا فوق ما ثبَّتَها الكفار المستعمرون،
وعندما يرون المسجد الأقصى يُحرق منبره ويُحفر أسفله، ومع ذلك يتسابق حكام المسلمين على عقد الاتفاقيات مع يهود والاعتراف بهم والتفاوض معهم،
وعندما يرون أمهات المؤمنين لا تصان بناتهن بالحجاب بل قبل أن تمنعه فرنسا يمنعه الحكام في بلاد المسلمين كما هو حادث في تركيا وتونس!،
وعندما يرون القرآن تدنِّسه أمريكا، ومع ذلك يتخذ الحكام في بلاد المسلمين أمريكا مقام الأب والأم،
والآن هم يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يُساء إليه، وفي الوقت نفسه يرونه صلى الله عليه وسلم يُساء له ولِسُنَّتِه ولهداه من الحكام في بلاد المسلمين وأتباعهم،
أفبعد كل هذا لا يتجرأ الكفار على كتاب الله وعلى رسوله وعلى أعراض المسلمين ومقدساتهم؟!
أيها المسلمون:
إن الرَّدَّ على كل هذه المآسي لا يكفي فيه طرد سفير أو مقاطعة بضاعة أو الاحتجاج في مسيرة أو طلب اعتذار، وإن كان في كلٍّ خير، إلا أن هذا هو أقل القليل، وأما الحسم والعزم لإنهاء كل هذه المآسي فإنه لا يكون إلا بدولة خلافة للمسلمين تحكمهم بما أنزل الله وتجاهد بهم في سبيل الله، خليفتهم راعيهم وإمامهم، ينطق سيفه في وجه من يسيء إلى الإسلام قبل أن ينطق لسانه، يجيب الأعداءَ بفعلٍ يرونه لا بقولٍ يسمعونه، خليفة صادق مخلص ينصر الله فينصره الله، عزيز بدينه قوي بربه، يُقاتَل من ورائه ويُتَّقى به.
وعندها تَنْهَدُّ أبدان يهود قبل أن يهمس لهم شيطانهم بأن يكون لهم سلطان في فلسطين، أو تكون لهم قوة للاعتداء على حرمات المسلمين ومقدساتهم. وترتعد فرائص أمريكا قبل أن يمر في خاطرها الإساءة إلى كتاب الله. ويملأ الرعب قلب أوروبا قبل أن يدور في خَلَدِها التطاول على رسول الله. وتقشعر فرنسا قبل أن تجرؤ على الحديث لمنع حجاب مسلمة ناهيك عن أن يَتَجَرَّأ ساقط فاجر على أن يتطاول على أمهات المؤمنين ويجد له ملجأً في أي مكان في الدنيا. وعندها كذلك ينام الكفار المستعمرون ويصحون على كابوس لا يفارقهم، يؤرِّقهم ويذكّرهم:
بمعاقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليهود بني قينقاع لأنهم حاولوا كشف ستر امرأة، وبفتح عمورية لأن الروم أهانوا امرأةً مسلمةً، وبمصير نكفور كلب الروم لعدوانه على ثغور المسلمين ونقض عهد الجزية معهم. كما يذكّرهم، وبخاصة فرنسا، أين كانوا وأين كان المسلمون في عهد القانوني سليمان خليفة المسلمين. أما الدنمارك والنروج وأمثالهما، فهما حينذاك، أقل شأناً من أن يَدْنُوا، أو يحاولا أن يَدْنُوا، من حياض المسلمين.
أيها المسلمون:
إن هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله، فلن يكفَّ الكفار المستعمرون عن الإساءة إلى دينكم ونبيكم صلوات الله وسلامه عليه، ولا إلى مقدساتكم وأعراضكم، إلا إذا أقمتم الخـلافة من جديد. فمن كان يغار على دين الله سبحانه ويغار على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فليشمِّر عن ساعد الجد، ويعمل مع العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخـلافة الراشدة، فبها يعز الإسلام والمسلمون، وبها يصان الدين والدنيا، وتحفظ بيضة الإسلام وحرائرُ المسلمين. بهذا أيها المسلمون يشفي الله صدور قوم مؤمنين.
{إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ}.
|