Aya

1953

HT logo
  adv search
new email def main site arabic
info office misc wilayat books tahleelat lflts  
                 
 
:::

بسم الله الرحمن الرحيم

أجوبة أسئلة:
أميركا وفصل كوزوفو| إقالة رئيس المحكمة العليا في الباكستان|
نجاح الحزب الديمقراطي والشرق الأوسط| مشكلة إيران النووية| قضية دار فور

1 -  واضح من تصرفات أمريكا في كوسوفو أنها تريد فصل كوسوفو عن صربيا، فما الذي يجعل أمريكا تهتم بعمل ظاهره لمصلحة المسلمين في كوسوفو، حيث إن فصلها عن صربيا هو إزاحة لكابوس الظلم والتقتيل والضغط الخانق الذي كان يوقعه الصرب على المسلمين؟

الجواب:  تحتل صربيا موقعاً مهماً في البلقان، وهي على ارتباط تقليدي ثقافي وديني مع روسيا (النصرانية الأورثوذكسية)، وهي اليوم (وبخاصة بعد تفكك يوغسلافيا التي كانت صربيا تحتل فيها بيضة القبان فعاصمتها بلغراد كانت هي عاصمة يوغوسلافيا) أصبحت أكثر التصاقاً بروسيا وخطها الأمامي في البلقان، وبتأثير روسيا فهي تبتعد عن الاتحاد الأوروبي وتعارض سياسة أمريكا في البلقان حيث تريد أمريكا من دول البلقان (أوروبا الشرقية) أن تكون مجال نفوذ لها، بل مركز قوة ضاربة في خاصرة روسيا.

لذلك كانت أولى الخطوات هي في فصل الجبل الأسود الذي بقي متحداً مع صربيا، فصله عن صربيا، وكانت أمريكا هي المساندة لحركات استقلال الجبل الأسود عن صربيا.

وهي الآن بصدد فصل كوسوفو عن صربيا “ليس حباً” بالمسلمين بل لإضعاف صربيا وبالتالي قطع آخر حبال روسيا في البلقان، لتنفذ أمريكا مشاريعها دون عرقلة من صربيا بتأثير روسيا.

ويتضح هذا مما يلي:
أ -  لقد جهزت أمريكا وسلَّحت جيش التحرير الكوسوفي (KLI).

ب -  بسبب القيادة الفعلية الأمريكية لحلف الأطلسي (حسب قانون تكوينه) فإنها استطاعت تحريك حلف الأطلسي بشن هجوم على صربيا وإخراجها من كوسوفو، قبل ثماني سنوات، ومن ثم إصدار قرار مجلس الأمن 1244 لسنة 1999 القاضي بوضع كوسوفو تحت إدارة الأمم المتحدة.

ج -  ولأن القرار 1244 غير حاسم في الاستقلال، فإن مجلس الأمن قد بدأ في 3/4/2007 بمناقشة مقترحات قدمها المشرف الدولي على محادثات الوضع النهائي (مارتي اهتيساري) تتضمن خطوات جدية في استقلال كوسوفو عن صربيا.

د -  أعلنت الولايات المتحدة دعمها الكامل لمقترحات اهتيساري وتأييد استقلال كوسوفو، كما ذكر نيكولاس بيرنز مساعد وزير الخارجية الأمريكية في 13/4/2007.

ولما حملت عليه وسائل الإعلام الصربية وقالت إن بيرنز أعلن أن أمريكا ستعترف باستقلال كوسوفو حتى لو لم يصدر مجلس الأمن قراراً بذلك، أوضح في تصريح له في 18/4/2007 أنه لم يقل هكذا بل قال: (إن خطة المشرف الدولي على الإقليم مارتي اهتيساري هي الوحيدة الأفضل للسلام في كوسوفو والمنطقة، ولذلك فإن أمريكا ستسعى إلى استقلال كوسوفو من خلال قرار لمجلس الأمن والذي سينال اعتراف الولايات المتحدة ودول أخرى).
أي أنه أقر ما قال ولكن بأسلوب آخر!
هذا عن موقف أمريكا.

هـ -  أما موقف الاتحاد الأوروبي، فرغم علمه أن أمريكا تريد إضعاف صربيا لتُضْعف نفوذ روسيا في البلقان، ولإزالة أي عائق لنفوذ أمريكا في البلقان، إلا أن الاتحاد الأوروبي يتوقع من فك ارتباط صربيا بروسيا (أو إضعاف هذا الارتباط) أن يستطيع إدخالها الاتحاد الأوروبي مستغلاً عداءها لأمريكا في إيجاد توازن مع دول أوروبا الشرقية التي دخلت الاتحاد وأصبحت ركائز لأمريكا فيه مثل بولندا وتشيكيا ...  ولذلك أبدى الاتحاد الأوروبي تأييده لخطة اهتيساري، فقد كتب جوسكا فيشر وزير خارجية ألمانيا السابق مقالاً في 12/4/2007 بعنوان (لقد حان وقت الحل الدائم لكوسوفو) جاء فيه: «إن اقتراح اهتيساري الجريء الذي يوصي باستقلال كوسوفو مع الإشراف الدولي القوي لهو الخيار الوحيد الفعال للمجموعة الدولية ولأوروبا بشكل خاص».

و -  أما موقف الصرب وروسيا فكان مقاوماً ورافضاً هذه المقترحات بشدة:
- صرح رئيس الحكومة الصربية في كلمته أمام مجلس الأمن أثناء مناقشة مقترحات اهتيساري للحل في 3/4/2007 قائلاً «إن صربيا لا توافق إلا على الحل الذي يعتبر كوسوفو إقليماً متمتعاً بحكم ذاتي واسع ضمن جمهورية صربيا»، وكان قد صـرح قبـل ذلك في 1/4/2007 وهو في مطار بلغراد أثناء سفره إلى نيويورك لحضور مناقشات مجلس الأمن، قائلاً (إن الدعم الروسي لصربيا سيكون تاريخياً في إفشال خطة اهتيساري التي انتهكت الأعراف الدولية بعدم احترامها لسيادة الدول وحدود أراضيها».

- أعلنت وزارة الخارجية الروسية في 19/3/2007 «أن استقلال كوسوفو سوف يفرض تعقيداتٍ جادةً وجديةً على الاستقرار في أوروبا» ثم هددت بعد ذلك ببمارسة حق النقض الفيتو ضد أي قرار يرفضه الصرب.  وأفادت وسائل الإعلام في بلغراد في (5، 7)/4/2007 أن روسيا اقترحت ارسال لجنة تقصي حقائق تتصل بالطرفين في كوسوفو وبلغراد، وطلبت تأجيل النقاش في خطة اهتيساري إلى أن تعود اللجنة، وقد وافق مجلس الأمن على الاقتراح، بتشكيل لجنة يرأسها أحد الأعضاء غير الدائمين (وليس أوروبياً)، وقد وصلت بعثة مجلس الأمن إلى بلغراد مساء 25/4/2007 لمباشرة عملها.  وكان تلفزيون بلغراد، قبيل وصول اللجنة، قد نقل عن نائب وزير الخارجية الروسي فلاديمير تيتوف «أن بلاده لن تسمح بأن يمر الحل الذي وضعه المشرف الدولي مارتي أهتيساري في مجلس الأمن لأنه فاشل».

وقد عاد وزير الخارجية الروسي في 28/4/2007 وأكد رفض بلاده لأي حل في كوسوفو لا يقبله الصرب.

مما سبق يتبين أن ما يحدث في كوسوفو هو صراع دولي أطرافه أمريكا وروسيا.  وإلى حد ما أوروبي، وليست مصلحة المسلمين واردة في الصراع، وزيادة في تأكيد ذلك فإن خطة اهتيساري التي تطالب باستقلال كوسوفو لا تجعلها دولة كاملة السيادة، وإن أقرت انفصالها عن صربيا، لكنها ستبقى تحت الإشراف الدولي، وبحماية حلف الأطلسي، أي تحت النفوذ الأمريكي مع مَـنْفَذ صغير للاتحاد الأوروبي، هذا إذا لم تُعدَّل الخطة لتقبلها روسيا لتفادي معارضتها أو (الفيتو).

ولإكمـال الصـورة فإن سكان كوسوفو يقاربون المليونين وهم عاشوا ضمن الخلافة العثمانية من 1389م إلى 1913م، ونحو 90٪ من سكانها مسلمون، 10٪ صرب، وحسب خطة هاتيساري فإنه لا يسمح للمسلمين، الذين هم ألبان، بأن يتحدوا مع ألبانيا، ولا يسمح للصرب بأن يتحدوا مع صربيا، لتبقى المشكلة قائمةً تتحكم فيها الولايات المتحدة وحلف الأطلسي.

والخلاصة:  أن الدول الكافرة المستعمرة لا تعمل خيراً للمسلمين بل هي تستعملهم ميداناً لصراعها ومصالحها، فقط دولة الخلافة هي التي تحمي المسلمين وتعيد العزة لهم وتقطع دار الكافرين، ويومئذ بفرح المؤمنون بنصر الله.
———————————

2 -  منذ 9/3/2007 حين أقال مشرَّف رئيس المحكمة العليا الباكستانية (افتخاري محمد شودري) والمظاهـرات تندلع كلما عقدت المحكمة لاستجوابه، وها هي المحكمة في جلستها في 19/4/2007 قد قبلت النظر في اعتراض محامي الدفاع (وزير الداخلية السابق اعتزاز إحسان) بعدم صلاحية مجلس القضاء الأعلى النظر في قضية رئيس المحكمة العليا افتخاري، وأعلنت أنها ستنظر في الاعتراض في جلستها بتاريخ 24/4/2007.  ومع ذلك فالاحتجاجات الشعبية مستمرة حول ذلك، فما الذي يجعل مشرف يقدم على هذه الخطوة ويزيد من كراهية الناس لحكمه فوق كراهيتهم له بسبب ما صنعه من تأييد ومساندة لعدوان أمريكا على أفغانستان، وكذلك بعد وقوفه ضد المجاهدين في كشمير؟ ألا يخشى على زعزعة حكمه بسبب نقمة الناس عليه؟

الجواب:  إذا انقطعت روابط الحاكم بربه وأمته، وأصبح رباطه فقط مع الكفار المستعمرين، وبخاصة رأس الكفر هذه الأيام الولايات المتحدة، فإنه لا يعبأ بنقمة الناس عليه، ولا يخشاهم على زعزعة حكمه ظناً منه أن تبعيته وخدمته لدول كبرى كالولايات المتحدة سيحفظ له حكمه ويبقيه فيه، وينسى أن هذا الظن خاطىء، فإنه إذا استُنْفِد دورُه في خدمة الكفار المستعمرين، فإنهم سيلفظونه كما لفظوا غيره، وعندها يخسر دنياه وآخرته، وذلك هو الخسران المبين.

إن مشرف قد بلغ به الغرور بدعم أمريكا له، حيث تمكَّن من القيام بأدوار خطرة في الوصول للحكم، والتعديل في الدستور، والانتخابات والقضاء ... ولم يصبه فيها ضرر:

- فقد أطاح برئيس الوزراء نواز شريف في انقلاب أكتوبر تشرين الأول 1999، وقام على الفور بعد سيطرته على القوة بتعليق الدستور وتنصيب نفسه رئيساً للبلاد.

- بدأ بتثبيت حكمه عن طريق تركيزه على ثلاثة أمور:
أولاً:  قام بملاحقة القيادة في الاتحاد الإسلامي الباكستاني (نواز شريف)، وحزب الشعب الباكستاني بقيادة بنازير بوتو، ثم قام بتشكيل حزب سياسي جديد موالياً له وللمصالح الأمريكية.
ثانياً:  قام بزيادة سلطاته كرئيس وتحجيم سلطات رئيس الوزراء.
ثالثاً: أجاز أن يكون للجيش دور في السياسة الباكستانية.

- أفشل جهود المعارضة من عملاء الإنجليز حيث قدموا عريضةً إلى المحكمة العليا، وكانت هذه العريضة تقضي بأن الانقلاب العسكري كان غير شرعي.

لكن المحكمة العليا حكمت في مايو/ أيار 2000 تحت ضغط من مشرف والولايات المتحدة لصالح مشرف، وإن كان على مضض.  ولقد اعترفت المحكمة العليا في حكمها هذا بالانقلاب على أساس مبدأ الحاجة الملحة والضرورية للدولة! وأدخلوها في باب (ظهور حالة لا علاج لها في الدستور).  وقررت المحكمة أن تكون هناك انتخابات عامة يجب أن تجرى خلال سنتين يعني في أيار/ مايو 2002 لكنها أجلت حتى تشرين أول 2002.

- لقد قام مشرف بخطوات جدية لتقوية وضعه كرئيس وكقائد للقوات المسلحة بعد أن صادقت المحكمة العليا على الانقلاب.  حيث كان من المفترض أن تنتهي صلاحياته كقائد للقوات المسلحة سنة 2001، ولا يمكنه تمديدها إلا بقرار من الرئيس (رفيق ترار)، وخشية أن يعترض على التمديد، فقد أطاح به مشرف، ونصب نفسه مكانه في حزيران سنة 2001، وهكذا استمر قائداً للجيش ورئيساً.

- لقد استطاع مشرف بمساعدة وكالات الاستخبارات، وتهديد السياسيين المعارضين بالفساد أن يوجد الحزب الحاكم، المعروف بالاتحاد «الرابطة» الإسلامي الباكستاني.  وقد شكله من سياسيين جعلهم ينشقون عن الاتحاد الإسلامي الباكستاني (نواز شريف)، وبالطريقة نفسها أضاف له سياسيين انشقوا عن حزب الشعب الباكستاني (بنازير بوتو)، وبعض السياسيين المستقلين.  وفي خلال هذه الفترة منع مشرف نواز شريف وبنازير بوتو من العمل السياسي، والقدوم إلى البلاد.

- وبعد حصول الانتخابات العامة في تشرين أول سنة 2002 فاز الحزب الحاكم والموالون له بأغلبية الأصوات، وسيطرت الحكومة الاتحادية على منطقة السند، والبنجاب، وبلوشستان، إما عن سيطرة حكم الأغلبية وإما عن طريق التحالف مع أحزاب أخرى.  لكن في الإقليم الحدودي الشمالي الغربي سيطر حزب المجالس المتحدة على الحكومة الإقليمية، عند ذلك قام مشرف مستخدماً صلاحياته كرئيس بتعيين جنرالات في الجيش كحكام على الإقليم الحدودي الشمالي الغربي في محاولة لتغيير هذا التوازن ليتخلص من سيطرة حزب المجالس المتحدة، حيث تعتبر الولايات المتحدة حزب المجالس المتحدة قريباً جداً من المعارضة البشتونية التي هي ضد نظام مشرف وسياساته العلمانية التي كان يطبقها باسم التقدم والحداثة.

- ولأن مشرف لا يملك أغلبية الثلثين التي تمكنه من تعديل الدستور لزيادة صلاحياته، فقد حرص بالدهاء والمناورة على أن يعقد صفقةً مع المجالس المتحدة في كانون أول 2003 بحيث يتنازل مشرف عن منصب قائد القوات المسلحة مقابل أصوات المجالس المتحدة.  وهكذا استطاع مشرف أن يخرج من مأزقه ويحصل على ثلثي أصوات البرلمان للمصادقة على التعديل في الدستور، وجَعْل الصلاحية الفعلية هي لرئيس الدولة، وأضعف صلاحية رئيس الوزراء.

هذه الأعمال قام بها مشرف دون أن يعبأ بالناس أو بالدستور أو بالأعراف، وهو أصلاً لا يخشى الله ولا عباد الله، هذا فضلاً عن دعمه عدوان أمريكا على أفغانستان، ووقوفه في وجه المجاهدين في كشمير، ومنعهم وتضييق الخناق عليهم، كل هذا دون أن يلحق به أذىً! وهكذا أصابه الغرور بدعم أمريكا له، ولذلك تجرأ على إقالة رئيس المحكمة العليا وتقديمه لمجلس القضاء الأعلى بتهم: (استغلال السلطة وسوء السلوك، وتجاوز صلاحياته) دون أن يعبأ بأية نتائج مترتبة على ذلك.

أما لماذا أقدم مشرف على ذلك فـلِما يلي:
ينص الدستور الباكستاني على أن الانتخابات الرئاسية تحدث بعد الانتخابات العامة، ومن ثم يكون الناجحون في الجمعية العمومية الوطنية، والجمعيات الإقليمية للأقاليم الأربعة، هم الهيئة الانتخابية أي لجنة الانتخابات التي تنتخب الرئيس.  وحيث إن انتخابات مجلس النواب القادم مقررة قبل انتخابات الرئاسة، ولأن الهيئة الانتخابية المشكلة وفق الانتخابات البرلمانية السابقة كان فيها أغلبية الثلثين لمشرف، أي أنه لو انتخب بموجبها فإنه سينجح للرئاسة فترةً أخرى، ولأنه لا يضمن الحصول على أغلبية الثلثين في الهيئة الانتخابية الجديدة لو شكلت بموجب الانتخابات الحالية في موعدها، لنقمة الناس عليه بسبب مواقفه الشنيعة، وبخاصة القتال الذي شَـنَّه مشرف على منطقة القبائل معقل حزب المجالس المتحدة، ما يحول دون دعم حزب المجالس المتحدة لمشرف، كل هذا يعني أن إجراء انتخابات برلمانية وتشكيل هيئة انتخابية جديدة لن تمكن مشرف من النجاح للرئاسة، ويعتقد مشرف أن لديه فرصةً أفضل للنجاح إذا ما قَدَّم انتخابات الرئاسة على الانتخابات العامة بموجب قانون الطوارئ المخول بتطبيقه كرئيس للدولة.

وحتى يستطيع أن يقوم بذلك فإنه يحتاج إلى رئيس المحكمة العليا ليوافق ويصادق له على هذا التغيير، ويدعمه إذا ما حصل تحدٍّ له من المعارضة ولأن رئيس المحكمة (افتخاري) كان أقرب إلى المعارضة ولا يوافق على ما أراده مشرف، لذلك رأى إقالته وتقديمه للمحكمة، وبالتالي تعيين خلف له من الموالين، وبعد ذلك يصدر قراراً بتقديم انتخابات الرئاسة على انتخابات مجلس النواب، أي أن الانتخاب للرئاسة سيكون بموجب الهيئة الانتخابية التي شكلت بحسب الانتخابات السابقة حيث لمشرف فيها أغلبية الثلثين بسبب دعم حزب المجالس المتحدة له في حينها بعد أن عقد صفقةً معه.

ولكن يبدو أن أميركا ومشرف قد أساءا تقدير تحرك المعارضة تجاه قرار مشرف التخلص من رئيس المحكمة افتخاري، وكذلك لم يتوقعا تحركاً شعبياً في هذا الاتجاه، ما يمكن أن يُضطر معه مشرف إلى إعادة تنصيب رئيس المحكمة افتخاري، إذا لم يجد المجلس القضائي سبباً قوياً للمحاكمة، وإذا استمرت الاحتجاجات الشعبية بشكل متصاعد، ولم يستطع مشرف بمناوراته أن يسكتها.

وعندها ستبقى الانتخابات في موعدها، ولكن مشرف، كما لَمَّحت لذلك بعض وسائل الإعلام، سيعقد صفقةً مع حزب الشعب (بنازير بوتر) لإسناده بدل حزب المجالس المتحدة، وبالتالي ليس مستبعداً أن يسمح مشرف لبنازير بالعودة من أجل استقرار الأوضاع وإعادة الحكم المدني أي يحتفظ مشرف برئاسة الجمهورية، ويضع أحد مؤيديه قائداً للجيش وتكون بنازير رئيسة وزراء.
———————————

3 -  لوحظ منذ نجاح الحزب الديمقراطي في الانتخابات النصفية للكونجرس (النواب والشيوخ) وفوزه بالأغلبية، تغيرٌ في لهجة خطابهم تجاه ما سميت (أزمة الشرق الأوسط) المتعلقة بفلسطين وما حولها، وكذلك تجاه قضية العراق، وقد اتضح ذلك من زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي للمنطقة، وكذلك موقف الديمقراطيين من تمويل الجيش الأمريكي في العراق ... فهل يعني هذا أن تغيراً في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة قد حدث؟

الجواب:  إن الولايات المتحدة وأمثالها من الدول التي تضبط الحكمَ فيها مؤسساتٌ لا تضع سياساتها بشكل مرتجل أو بشكل مؤقت، بل توضع، وبخاصة الخطوط العريضة والقواعد الأساسية، بعد دراسة وتمحيص، ومهما تداول الحكمَ رجالُ الأحزاب المختلفة، فإن الأمور الأساسية في سياستهم تبقى هي هي مع اختلافهم في أسلوب أو وسائل تنفيذها.

ولذلك صرحت بيلوسي في مؤتمر صحفي عقدته في دمشق بعد اختتام زيارتها في 4/4/2007 قائلةً (ليس هناك انقسام بين الوفد والرئيس بوش في شأن القضايا التي عرضناها)، وكانت قبل ذلك من خلال تصريحاتها في بيروت في 1/4/2007 قد ربطت زيارتها بالأمن القومي لبلادها وقالت (لنرى كيف يمكننا جعل العالم أكثر أمناً ونحارب الإرهاب).

وخلال زيارتها لدولة يهود والضفة ولبنان وسوريا لم يظهر من تصريحاتها أي تغيير في نظرة أمريكا للمنطقة ولا في مخططاتها:

فهي في زيارتها يوم 1/4/2007 لفلسطين المحتلة وفي الضفة كانت تدعو لاعتراف الدول العربية بدولة يهود ونبذ العنف والإرهاب وإطلاق الأسير اليهودي، والتفاوض مع دولة يهود للحصول على دويلة أو شبه دويلة في أجزاء من المحتل في 1967 ... وهي تمدح اقتراح أولمرت الذي أعلنه في مؤتمره الصحفي في 1/4/2007 أي في اليوم نفسه الذي زارت فيه بيلوسي دولة يهود بأنه مستعد للمشاركة في قمة إسرائيلية عربية من أجل مناقشة مبادرة السلام العربية، وهذا الموقف هو تماماً كما أعلنته وزارة الخارجية الأمريكية في 3/4/2007 حيث وصفت اقتراح أولمرت بأنه (عرض إيجابي) ... وبلوسي تعلم أن إدارة بوش هي وراء إحياء المبادرة العربية، وهي التي جعلت حكومة السلطة بشقيها حماس وفتح تقر المبادرة العربية مثل الدول العربية، وذلك ليسهل تزامن الحل الفلسطيني والسوري، فقد كانت سوريا تقر المبادرة العربية في حين أن أحد أجنحة الحكم (حماس) لم يكن موافقاً على المبادرة العربية، والآن بموافقة حماس مضافة إلى موافقة فتح من قبلُ أصبح يمكن السير في موضوع فلسطين وسوريا معاً، وهو منهج أمريكا القديم الجديد في الحل، وهذا ما جعل الجامعة العربية تشكل لجنةً لتسويق المبادرة مع العالم ومع دولة يهود!

والمفاوضات جارية بين دولة يهود وسوريا كما ذكر إبراهيم سليمان رجل الإعلام السوري الأصل، الذي ذكر أمام الكنيست الإسرائيلي أن الأسد هو رجل سلام يبحث عن سلام حقيقي مع إسرائيل، وأنه رفض فتح جبهة مع إسرائيل خلال الحرب مع لبنان، وكما جاء في تقرير مجموعة الأزمات (مقرها في بروكسل) نشرته مؤخراً حيث ذكرت فيه أنها وضعت مشروعاً للحل بين إسرائيل وسوريا، والتقرير يؤكد بأنها عرضت مشروعها على المسئولين في البلدين وأنهم أعربوا عن استعدادهم لقبوله.  وأمريكا مهتمة كذلك بتسريع التفاوض بين (السلطة وحكومتها) وبين دولة يهود بعد أن أصبحت المبادرة العربية قِبلة العرب والسلطة وحكومتها.  وكل ذلك ليسير التفاوض للحل الفلسطيني مع الحل السوري.  وهذا ما كانت مهتمةً به بيلوسي في زياراتها فهي قد نقلت رسالةً من أولمرت إلى الأسد في سوريا حول التفاوض، وأعلنت أن سوريا ردت رداً إيجابياً عليها، أي أن بيلوسي في فلسطين وفي سوريا كانت تسير على الخط الأمريكي نفسه في الحل.

وأما خلال زيارتها للبنان فلم تأت بأي جديد غير السياسة الأمريكية التي ينفذها السفير فيلتمان، فزياراتها وتصريحاتها نسخة مشابهة إن لم تكن طبق الأصل لزيارات السفير الأمريكي وتصريحاته.

وهي تدرك أن موضـوع لبنان هو صـراع دولي بين أمريكا ذات النفوذ القوي في لبنان الذي وفَّرته لها سوريا طيلة خمس عشرة سنة منذ اتفاق الطائف، وبين أوروبا (فرنسـا وبريطـانيا) التي وجدت في حادثة مقتل الحريري فرصةً سانحةً لإيجاد ظروف دولية ضاغطة لإخراج سوريا من لبنان، وأن تعود اوروبا بنفوذها إلى لبنان، إن لم يكن كاملاً فمشاركاً لأمريكا.  وإن هذا الصراع ينعكس على أتباع أمريكا وأوروبا في لبنان.  ولهذا فإن بيلوسي وصفت فكرة الحوار مع دمشق بأنها جيدة، وعوَّلتْ على زيارتها لسوريا، وصرحت في لبنان قبيل زيارتها لسوريا قائلةً (نعلم أن حل بعض المشاكل في لبنان يجب أن يمر بدمشق).

وأما عندما زارت سوريا في 3/4/2007 فهي صرحت أن زيارتها هي تنفيذ لخطة بيكر هاملتون، وهذه لجنة من خبراء جمهوريين وديمقراطيين، والخطة توصي بالاتصال بسوريا وإيران حول قضايا المنطقة، وبخاصة قيامهما بدور فاعل للمساعدة في إخراج أمريكا من مأزقها في العراق.

وفي الوقت نفسه بحثت بيلوسي موضوع التسوية بين إسرائيل وسوريا كما ذكرتْ ذلك عندما تكلمتْ عن نقل رسالة من إسرائيل إلى سوريا في التفاوض وجواب سوريا الإيجابي عليها.

وكان قد سبقها وفد جمهوري في 1/4/2007 يضم ثلاثة أعضاء جمهوريين برئاسة السناتور فرانك وولف، وأجرى محادثاتٍ مع الأسد والمعلم قبل يومين من وصول رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي على رأس وفد من ستة نواب بينهم واحد جمهوري هو ديفيد هويسون.  وقال ناطق رسمي إن محادثات الوفد الجمهوري تناولت (الوضع في العراق والمنطقة عموماً)، وقد طلب وفد الكونجرس الأمريكي من المسئولين السوريين الإقدام على بعض خطوات بناء الثقة بينها وبين إسرائيل، ومن ذلك إعادة رفات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين وتحميل الوفد بعض المبادرات تجاه واشنطن باعتبار الرئيس بوش (صديقنا ونملك آذانه ويصغي إلينا) كما قال الوفد.

أما موضوع العراق، فعلى الرغم من أنها لم تَزُرِ العراق، بل تنوي زيارته فيما بعد، إلا أن كون منطلق زيارتها للمنطقة هو مشروع بيكر هاملتون فهذا يعني أن المحافظة على مصالح أمريكا في العراق والخليج هي أمر متفق عليه بين إدارة بوش والديمقراطيين لأن خطة بيكر هاملتون تنطلق من هذا الأساس، حتى وإن اختلف الأسلوب بين إدارة بوش والديمقراطيين.  وما يُشاهَد من خلاف في أروقة الكونجرس بين الجمهوريين والديمقراطيين حول ربط المخصصات المالية للجنود الأمريكان في العراق بجدول انسحاب هو لا يعدو كونه اختياراً للأسلوب الأنجع في حفظ مصالح أمريكا في المنطقة، وضمان نفوذها في العراق والخليج، وتأمين استغلال مصادر النفط الوفيرة، فالجمهوريون يرون تنفيذ خطة بيكر هاملتون بالتدريج فلا يضعون جدولاً الآن للانسحاب، والديمقراطيون يرون تنفيذها فوراً، وأن يوضع الآن جدول الانسحاب، والفريقان يريدان بقاء قوات عسكرية ضاربة تضمن المصالح والهيمنة، كما جاء في خطة بيكر هاملتون، وقد سبق أن أصدرنا بياناً مفصلاً حولها.

أي ليس هناك تَغَـيُّر في النظرة الأساسية تجاه أزمة المنطقة في فلسطين وما حولها (سوريا، لبنان، العراق)، فهي واحدة عند الجمهوريين والديمقراطيين، وإنما هم يختلفون في الوسائل والأساليب التي تحفظ مصالحهم في المنطقة، وتضمن تحكمهم في نفطها، وتؤمن استمرار وجودهم العسكري فيها.

بل يمكننا القول إن زيارة نانسي هي زيارة انتخابية مُبَكِّرة للرئيسة الديمقراطية للأغلبية البرلمانية، فالحزب الديمقراطي يدرك أن الشعب الأمريكي يريد الخلاص من مستنقع العراق، وأن إيران وسوريا هما اللذان تريد أمريكا استعمالهما في الخلاص، وبوش يريد ذلك، والديمقراطيون يريدون ذلك، وسوريا وإيران لا ترفضان.  بوش والديمقراطيون موافقون على الخط العام ومختلفون في الأسلوب، فبوش درج منذ رئاسته على أسلوب العصا وليس من السهل عليه إلقاء العصا إلا بالتدريج، وهو يسير على هذا الأمر منذ تقرير بيكر هاملتون، ولكن يريده بالتدريج، والديمقراطيون أدركوا ذلك، فإن لجنة بيكر هاملتون لجنة على مستوى عالٍ لا يستطيع بوش وضعها خلف ظهره، لكنه يريد تنفيذها بالتدريج، أي يريد انتقالاً من العصا إلى الجزرة تدريجياً.  ولإدراك الديمقراطيين ذلك فإنهم استعجلوا الزيارة قبل أن يتمكن بوش والجمهوريون من تهيئة الأجواء للانتقال من العصا إلى الجزرة، فكانت زيارة نانسي مفاجئةً، فأزعجتهم لأنهم اعتبروها إحراجاً لهم، ولذلك أرسلوا وفداً جمهورياً يسبقها إلى سوريا لِيُفقِدوا نانسي (نصرها) بأنها أول من طبق لجنة بيكر هاملتون.

والخلاصة هي أن الديمقراطيين أدركوا توجه الشعب الأمريكي نحو الخلاص من المازق في العراق باتباع خطة بيكر هاملتون، وأن الديمقراطيين أدركوا أن بوش والجمهوريين سائرون على تنفيذ قرار بيكر هاملتون ولكن يريدون ذلك بالتدريج، فسارع الديمقراطيون للبدء بتنفيذ قرار بيكر هاملتون دون أن يتركوا فرصةً لبوش بهذا الأمر.

والدافع للديمقراطيين هو كسب الرأي العام من أجل انتخابات الرئاسة في نهاية السنة القادمة.  ويمكن القول إن الديمقراطيين بكَّروا بحملتهم الانتخابية الرئاسية، فبدل أن تبدأ منتصف السنة القادمة كالمعتاد بدأوها اليوم لإدراكهم مأزق الجمهوريين.

ولا يعني هذا بحال أن الحزب الجمهوري والديمقراطي مختلفان على بسط النفوذ والهيمنة على إيران وسوريا بل هما مختلفان في الأسلوب فقط، حتى إنهما بالنسبة للجنة بيكر هاملتون لا يختلفان إلا في أسلوب التنفيذ وتوقيته، فكما أعلنت بيلوسي أن زيارتها هي تنفيذ لخطة بيكر هاملتون، فكذلك، وإن كان بأسلوب مختلف، فإن إدارة بوش قد باشرت إدارة بوش بالتنفيذ التـدريجي لخطة بيكر هاملتون وكان من ثمارها مؤتمر بغداد في 10/3/2007، ومؤتمر شرم الشيخ المقرر انعقاده في 3، 4/5/2007، وواضح فيهما أن أبرز المشاركين (أمريكا وإيران وسوريا) وما نتج وينتج من لقاءات بين ممثلي هذه الدول الثلاث، وبخاصة المتوقع في شرم الشيخ، حيث ستحضره وزيرة خارجية أمريكا ووزراء خارجية إيران وسوريا وما يتبع ذلك من لقاءات تصب كلها في قناة تولي إيران وسوريا مساعدة أمريكا في مأزقها في العراق.

(وقبل إرسال هذه الأجوبة أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن اجتماع اللجنة الرباعية الدولية سيتم ليل الخميس - الجمعة «3، 4/5/2007» مع اللجنة العربية لتسويق «المبادرة العربية»، وأعلنت أن سوريا ستكون من ضمن اللجنة العربية، وأن رايس ستجتمع مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم.  كما أعلنت طهران أن وزير الخارجية الإيراني مستعد للِّقاء مع رايس في مؤتمر شرم الشيخ ولكن في محادثاتٍ، وليس في مفاوضاتٍ!)
———————————

4 -  لقد أصبحت مشكلة إيران النووية تتكرر بشكل رويتيني: تفاوض ثم فشل للتفاوض ومن بعدُ تحويل إلى مجلس الأمن، ثم قرار وإمهال إيران شهراً أو شهرين لتنفيذ القرار، ثم تقرير من الأمين العام بأن إيران لم تلتزم، ثم قرار آخر بإمهال إيران من جديد، وهكذا.
فكيف نشأت مشكلة إيران النووية؟  وما الذي يجري فيها الآن؟  وما مدى إمكانية حل المشكلة يهجوم أمريكي أو إسرائيلي؟  ثم هل هناك رابط بين هذه المشكلة ومشكلة كوريا الشمالية النووية؟

الجواب:
  من المعروف أن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية - NPT - قد صدرت عام 1968م وأن إيران قد وقعت عليها في عام 1970، وخلال فترة حكم الشاه بدأت إيران أنشطتها النووية بالتعاون مع بعض الشركات الأوروبية (الألمانية والفرنسية).

وقد أوقف الخميني برنامج إيران النووي سنة 1979، ثم استؤنف البرنامج النووي في عهد رفسنجاني في 1995، واستمر في عهد (الإصلاحيين) بقيادة خاتمي من (1997 - 2005).  وفي هذه الأثناء وفي صيف عام 2003 بعد احتلال العراق، أعلن المعارضون الإيرانيون في الخارج أن هناك أنشطة نووية إيرانية غير سلمية تخفيها إيران عن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية IAEA، بناءً على ذلك جهَّز البرادعي رئيس الوكالة النووية تقريراً عن البرنامج النووي وقدمه إلى الوكالة.

وهنا بدأت مشكلة إيران النووية بين أخذ ورد، ومفاوضات مع الثلاثي الأوروبي (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)  وتبع ذلك في 25/10/2003 توقيع إيران في عهد خاتمي ما يسمى بالبروتوكول الإضافي الذي يسمح بإجراء تفتيش مفاجئ من قبل الوكالة وذلك لمنع الاتهامات لإيران أنها عندما تعلم موعد التفتيش تخفي أموراً حساسةً عن المفتشين.

ومع ذلك، ومع أن إيـران أوقـفـت التخـصـيب بعض الوقت من أجل التفاوض، إلا أن الأمور استمرت في التعقيد دون نتيجة تضمن حق إيران في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، لذلك عادت إيران إلى الاستمرار في عمليات تخصيب اليورانيوم.

واستمرت الأمور ككرة الثلج تكبر، ثم تسخن فيذوب بعض الثلج وتصغر، ثم تعود إلى التصعيد، حتى صدور قرار مجلس الأمن رقم 1737 في 23/12/2006 وهو يدعو إلى وقف التخصيب، ولكن إيران رفضت التنازل عن حقها في التخصيب للأغراض السلمية الذي تضمنه الاتفاقية الدولية، فعاد مجلس الأمن واجتمع وأصدر قراراً آخر رقم 1747 في 24/3/2007 وأعطى مهلة شهرين لالتزام إيران بعدم التخصيب، أي لتتنازل إيران عن حقها في استعمال الطاقة للأغراض السلمية، مع العلم أن تلك الدول التي تعترض على إيران لتخصيبها اليورانيوم للأغراض السلمية، تلك الدول تخصب اليورانيوم للأعمال العسكرية، ولصناعة الأسلحة النووية، وقد استعملتها أمريكا فعلاً في الحرب العالمية الثانية.

واللافت للنظر في المفاوضات هو أن أوروبا هي المشغولة في التفاوض مع إيران حول المشكلة النووية الإيرانية، وأمريكا ترقبها من بعيد، بل أكثر من ذلك تعطلها:

فمثلاً في الوقت الذي كانت فيه الترويكا الأوروبية مهتمةً بالتفاوض مع إيران وإيجاد حل للأزمة، كانت أمريكا، وهي العامل الأساس، تحاول إطالة أمد الحل، مع التظاهر بأنها تؤيد الحلول الأوروبية، فقد كان المسئولون الأمريكان، كلما اقتربت المفاوضات الأوروبية مع إيران إلى الليونة يصرحون تصريحاً مبطناً بالتهديد بأن كل الخيارات مفتوحة لإيجاد توتر.

ومثلاً في 27/4/2007، على أثر اجتماعه مع لاريجاني في 25/4/2007 دعا سولانا الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي واشنطن إلى فتح قناة اتصال مع طهران حول المواضيع كلها بما فيها الملف النووي، مضيفاً أن الإيرانيين بمن فيهم سلطاتهم العليا مستعدون لهذا الحوار.  وكان سولانا خلال اجتماعه مع لاريجاني قد اقترح حلولاً وسطاً خرج منها الطرفان متفائلين، لكن واشنطن سارعت إلى التصريح بأن تعليق إيران للتخصيب هو شرط للمحادثات المباشرة مع طهران، مع العلم أنها متأكدة من أن نسبة التخصيب هي في حدود الاستعمالات السلمية أي في حدها الأقصى لا تتجاوز 5٪، وحتى يُصبح الاستعمال النووي العسكري ممكناً فإنه يحتاج إلى تخصيب عالٍ في حدود 97٪ ما يجعل حجة أمريكا المعلنة بخشيتها من السلاح النووي عند إيران في المدى المنظور، حجةً واهيةً، كل هذا يدل على أن الولايات المتحدة تريد أن تبقى المشكلة النووية معلقة دون حل لتستغلها أمريكا لمصالحها على النحو التالي:

1 -  استعمال (المشكلة النووية الإيرانية) فزَّاعةً لدول الخليج، ما يمكِّن أمريكا من الاحتفاظ بقواعد لها والحركة الدؤوبة لمدمراتها بحجة حماية دول الخليج من خطر إيران الداهم! والحقيقة هي لتبقى سيطرة أمريكا على مصدر غني بالنفط يشكل شريان الحياة الصناعية، فآبار البترول في هذه المنطقة تحتوي وفقاً للتقديرات المؤكدة على 357 ألف مليون برميل من النفط الخام، وأما الاحتياطات المحتملة لتلك الآبار فلا شك بأنها تحتوي على مخزون نفطي أعلى من هذا الرقم بكثير. وتضيف المصادرُ المختصةُ القولَ إن آبار السعودية وحدها تحتوي على 160 ألف مليون برميل وهي تكفي لخمسين سنة قادمة على الأقل وذلك إن استمر الإنتاج الحالي العالي على ما هو عليه الآن والذي يزيد عن 13 مليون برميل يومياً.

ومعلوم أن أكبر ثلاث دول منتجة للنفط في العالم تقع في منطقة الخليج وهي السعودية والعراق وإيران، فإذا أضفنا إليها الكويت وإمارات الخليج الأخرى فإن مجموع هذه الدول الواقعة على ضفتي الخليج لا شك بأنها تشكل شريان الحياة للاقتصاد العالمي وللصناعة العالمية. لذلك لم يكن غريباً أن تتصارع الدول الغربية الكبرى وأن تتزاحم شركاتها النفطية في هذه المنطقة على هذه الكنوز النفطية الهائلة، فترسل إليها الجيوش والخبراء، وتزرع فيها القواعد العسكرية والعملاء.

2 -  إنشاء شبكة الردع النووي في أوروبا الشرقية (بولندا، تشيكيا ...) في خاصرة روسيا حيث هي الدولة التي تملك من الأسلحة الصاروخية ما يمكن أن يلحق ضرراً بأمريكا.  وكانت أمريكا قد أعلنت أنها تريد نشر الدرع الصاروخي بهدف «التصدي للخطر الصاروخي المحتمل من جانب إيران وكوريا الشمالية»!  فردَّ الروس على هذه الحجة بأن الصواريخ الإيرانية أو الكورية لا يمكن أن تعبر أوروبا لتصل إلى الولايات المتحدة!.

لقد أدركت روسيا أن نشر الصواريخ موجه لها، وأن حجة إيران واهية، لذلك أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 4/4/2007 أن بلاده تنظر إلى المشروع الأمريكي بنشر مظلة دفاع صاروخية في أوروبا باعتياره يشكل خطراً على روسيا وأوروبا بأسرها، محاولاً تحريك أوروبا ضد المشروع، وكرر لافروف هذا التحذير لأوروبا في 11/4/2007.

وفي 21/4 نقلت صحيفة بولندية عن مصدر حكومي قوله إن بوش سيزور وارسو في حزيران المقبل لإجراء محادثات بشان نصب الدرع الصاروخية على أراضيها، ومن المتوقع كذلك أن يزور تشيكيا للغرض نفسه.

وردّاً على عدم اتخاذ الأوروبيين موقفاً حاسماً من نشر برنامج الدرع الصاروخي الأمريكي، فقد أعلن بوتين في 26/4/2007 أن بلاده ستجمد العمل بمعاهدة خفض التسلح التقليدي في أوروبا، وفي الوقت نفسه صرحت رايس بأن مخاوف موسكو من تأثير الدرع الصاروخي هي مخاوف سخيفة!

وهكذا فإن أمريكا تستغل هذه الأزمة لمصالحها فهي تدرك أن خطر إيران النووي العسكري غير قائم في المدى المنظور، وأن شيئاً من العقوبات سيزيد من إبعاد هذا المدى أكثر وأكثر، لذلك فإن الأرجح أن أمريكا ستبذل الوسع في عدم الوصول إلى حل ينهي المشكلة النووية الإيرانية، بل كلما أوشكت على الحلول الوسط ستحاول عرقلتها، كما بينا سابقاً.

أما عن احتمال حل المشكلة النووية بهجوم أمريكي فإن الظروف الداخلية في الولايات المتحدة بعد نجاح الحزب الديمقراطي وبعد تزايد أعداد القتلى في العراق الذين تصل أكفانهم إلى أمريكا ...، والظروف الإقليمية (مأزق أمريكا في العـراق وأفغـانسـتان) وكذلك الظـروف الدولية حيث المعارضة لمثل هذا الهجوم، هذا فضلاً عن قدرة إيران على إلحاق أضرار بمصالح أمريكا في الخليج، كل هذا يجعل احتمال الهجوم العسكري على إيران مرجوحاً، وتصريحات المسئولين الأمريكان تفيد ذلك:

في 29/1/2007 قال بوش «كيف يمكن لأحد أن يقول إن حماية القوات الأمريكية و(مصالحنا) لا تكون إلا بالهجوم على إيران».
وفي 3/2/2007 قال وزير الدفاع «إننا لا نخطط للحرب مع إيران».
وفي 5/4/2007 صرح القائد الجديد للقيادة المركزية للجيش الأمريكي الأدميرال وليام فالون الذي خلف جون أبي زيد، قال رداً على سؤال حول «توجيه ضربة وشيكة لإيران» نافياً ذلك وقائلاً «لدينا ما يكفي من مشاكل في العراق» صرح هذا بعد أن التقى الرئيس المصري في شرم الشيخ.
وفي 17/4/2007 صرح رئيس العمليات البحرية الأمريكية مايكل مولين أن الولايات المتحدة لا تملك خططاً لمهاجمة إيران مؤكداً أن التعزيزات الأمريكية في منطقة الخليج تهدف إلى الحفاظ على السلام الإقليمي.

وعليه فإن المعـطـيـات المحـلية والإقليمية والدولية في المدى المنـظـور تجعل قيام أمريكا بهجوم عسكري على إيران احتمالاً مرجوحاً.  ونقول المدى المنظور لأن التطورات الدولية، من حيث العلاقات والمصالح، لا تقبل السكون، بل هي متغيرة، ما يترتب عليها وقائع جديدة.

لكنَّ هناك ثلاثة عوامل جديرة بالملاحظة:
الأول:  أن دولة يهود يهمها القيام بهجوم عسكري على إيران لأنها تعلم أن امتلاك أي بلد إسلامي لقدرات نووية يشكل خطراً على كيان يهود، وقيام يهود بمثل هذا الهجوم غير مضمون النتائج نظراً لقدرة إيران العسكرية، هذا فضلاً عن الضرر البالغ المتوقع أن تلحقه إيران بكيان يهود.  ولذلك فإن اليهود سيبذلون الوسع في دفع أمريكا لمثل هذا الهجوم، مستغلين تعاطف المحافظين الجدد (دينياً) مع اليهود.  وقد حاول اليهود خلال زيارة وزير الدفاع الأمريكي لفلسطين المحتلة بتاريخ 18/4/2007، أن يحثوا أمريكا على ضرورة العمل العسكري ضد إيران، لكنهم لم يصلوا مع الوزير إلى نتيجة مرضية.  وقد تناولت الصحافة الإسرائيلية هذا الأمر بعد أن اختتم غيتس زيارته في 19/4/2007، حيث ذكرت معاريف أنه خلال اللقاء الموسع الذي شارك فيه رؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مع الوزير غيتس ومساعديه قام المسؤولون الإسرائيليون بعرض شامل للوضع في منطقة الشرق الأوسط، كما قام رؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بتقديم معلومات سرية للغاية أيضاً عما يجري في إيران، وطالبه رؤساءُ الأجهزة الأمنية الإسرائيليون أن يقدم لهم أجوبة شافية عما يجري في إيران، لكن غيتس أوضح بنبرة لا تقبل التأويل بأن الولايات المتحدة ما زالت متمسكة بالخيار الدبلوماسي لمعالجة البرنامج النووي الإيراني ولم يتطرق لا من قريب ولا من بعيد إلى أية عملية عسكرية أميركية قد توجه لإيران.

وقالت الصحيفة بأن الإسرائيليين الحوا على الوزير غيتس للحصول على معلومات أكثر حول نيات الولايات المتحدة بالنسبة لإيران لكي تتمكن إسرائيل من تحديد استراتيجيتها في هذا الشأن، إلا أن الوزير الأميركي رفض جملة وتفصيلاً أن يتطرق إلى الطلبات الإسرائيلية وعاد وكرر أمامهم أن الإدارة الأميركية ما زالت متمسكة بالخيار الدبلوماسي للضغط على إيران بهدف إلزامها على التنازل عن برنامجها النووي.

أما الثاني  فإن بريطانيا يهمها تسخين الأجواء وزيادة إغراق أمريكا في مأزق العراق، ودفعها للمجابهة مع إيران.  وقد ظهر ذلك في كثير من أعمالها مثل إعلانها أنها ستخفض جيشها في العراق في وقت تعلن أمريكا أنها بحاجة إلى مزيد من القوات لضبط الأمن ...

لكن الأوضح دلالةً في تأزيم الأمر للوصول إلى صدام مسلح مع إيران ما يدفع أمريكا إلى الاشتراك فيه، هو موضوع البحَّارة البريطانيين واجتيازهم المياه الإقليمية الإيرانية في شط العرب، ومتى؟ في 23/4/2007 خلال سخونة النقاش في مجلس الأمن حول العقوبات على إيران، وعشية صدور قرار مجلس الأمن 1747 بتشديد العقوبات، أي في أوج الظروف الإيرانية الساخنة حيث قواتها في حالة استنفار، وكان هذا واضحاً من مناوراتها المتصاعدة، هذا مع العلم أن شط العرب ليس بالبحر الطويل العريض حتى تضل القوات البحرية البريطانية خلاله، وبخاصة والجنود البريطانيون يرابطون حوله منذ نحو أربع سنين، وكان مدركاً لبريطانيا أن الإيرانيين لن يسكتوا عن تجاوز الجنود البريطانيين بشكل متعمد في هذه الظروف، وهكذا كان فتم اعتقال الخمسة عشر.

وبدأت الأزمة تتصاعد حتى إن بلير توعَّد بتاريخ 3/4/2007 أنه إذا لم يطلق سراحهم خلال 48 ساعةً (يومين) فإن بريطانيا ستقوم بإجراءات أقسى حيث جاء في تصريحه «إن اليومين المقبلين سيكونان حاسمين من خلال مسارين للحل: الأول محاولة لتسوية المسألة عن طريق التفاوض، والثاني إن لم يكن إطلاقهم بالتفاوض ممكناً فعلينا أن نتخذ قراراتٍ أقسى»، وكان واضحاً أن المقصود هو استفزاز إيران، وواضحاً كذلك بأنه لو حدث صدام مسلح فإن أمريكا ستكون داخلةً، وستصبح حرباً ضروساً.  وكان بلير يعلم أن تصريحه المذكور سيكون وقعه ساخناً على أحمدي نجاد لما يعرف عنه من ثورة.

إلا أن الذي تم كان على غير ما أرادت بريطانيا، فإن أحمدي نجاد عفا عنهم وأطلقهم حتى دون اعتذار رسمي وبتاريخ 4/4/2007 أعلن في مؤتمر صحفي إطلاق سراحهم أي قبل انتهاء اليومين، هكذا انتهت على غير ما توقع بلير كما ذكر هو نفسه في تصريحاته بتاريخ 5/4/2007 لدى وصول الطائرة التي أقلت البحارة من طهران إلى مطار هيثرو بلندن، الذي جاء فيه «أن الإفراج عنهم تحقق بأسرع مما كان متوقعاً وبدون صفقة».  ولذلك فإن العامل الثاني قد خاب في تأجيج الحرب كما لم ينجح العامل الأول في ذلك، وليس بعيداً أن تكون أمريكا في صورة إطلاق سراحهم.

وأما الثالث  فإن الحزب الجمهوري قد هبطت شعبيته بسبب مأزق الإدارة الجمهورية في العراق وأفغانستان ما يجعل احتمال فوز الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية القادمة ضعيفاً إن لم يكن غير وارد، وقد تغامر الإدارة الجمهورية بمعارك محدودة مدروسة لتحسين الفرص الانتخابية للحزب الجمهوري.

هذه العوامل الثلاثة جديرة بالملاحظة، مع أن الراجح كما قلنا هو استبعاد الحل العسكري في المدى المنظور.

أما هل هناك ارتباط بين المشكلة النووية الإيرانية والمشكلة النووية الكورية ... فليس هناك من رابط لأن كوريا الشمالية دولة نووية فعلية تصنع أسلحةً نوويةً، وأما إيران فهي في بداية الطريق حيث هي تحاول التخصيب في حدود الاستعمالات السلمية.

لكن هناك رابط من نوع آخر وهو “عرقلة الحل” فإن أمريكا كذلك في كوريا الشمالية تريد أن تبقي المشكلة عالقة في جوار الصين فهي أشركت الدول المجاورة لكوريا في مناقشة المشكلة (الاجتماع السداسي)، ولم توافق أن تناقشها ثنائياً مع كوريا لجعل المشكلة ساخنةً في المنطقة هناك.  وحيث إن الدولة ذات العلاقة الأكثر مباشرةً مع كوريا الشمالية هي الصين، لذلك أرادت أمريكا أن تبقى هذه المشكلة ساخنةً في خاصرة الصين.

وبقاؤها مشكلةً يعني أن لا يُحسَم الحل، فلا تستقر (كوريا الشمالية) دولةً نوويةً ولا تستقر دولةً غير نووية، حتى تبقى المشكلة قائمةً، ولذلك فإنك تجد أمريكا كلما بذلت الصين جهداً للوصول إلى حل، تفتش أمريكا عن سبب لوضع عراقيل أمام الحل، فبعد أن كادوا يعقدون اتفاقاً بأن تبدأ كوريا بتفكيك أحد المصانع مقابل مساعدات معينة من أمريكا، حركت أمريكا موضوع تجميد أموال لكوريا الشمالية في أحد البنوك في ماكاو، ومنعت تسليمها إلى كوريا الشمالية، ومضى موعد التفكيك حسب الاتفاق في 13/4/2007، ولم تسلَّم الأموال ... وهكذا سَخِنَت المشكلة من جديد، وأصرت كوريا الشمالية على أنها لن تبدأ التفكيك قبل تسلُّمها الأموال المجمدة.

ومع أن هذه الأموال هي 25 مليون دولار، أي لا تساوي شيئاً بالنسبة إلى اتفاق تفكيك المفاعل النووي لكوريا الشمالية (مفاعل يونغبيون)، إلا أنه حتى تاريخه فإن عرقلة تسليم الأموال مستمرة من أمريكا ما جعل نائب وزير الخارجية الروسي يصرح في 16/4/2007 بأن «الولايات المتحدة تعرقل تسوية الأزمة النووية لكوريا الشمالية عبر منع الإفراج عن أموال بيونغ يانغ من مصرف ماكاو».

وأخيراً في 26/4/2007 صرح المفاوض الكوري الجنوبي في الملف النووي لكوريا الشمالية بأنه يتوقع تسوية الأموال المجمَّدة في بنك «دلتا إجيا» في ماكاو خلال الأسبوع المقبل!

وعليه يمكن القـول إن هناك رابطـاً بين المشكلة النـووية الإيرانية والكورية من حيث عرقلة أمريكا لأي حل أطول وقت ممكن ..
———————————

5 -  لا زالت قضية دار فور تتصاعد وبخاصة في الآونة الأخيرة، فهل دارفور ستصبح إقليماً شبه منفصل مثل جنوب السودان، أو أن الأمر مختلف وأنه لا يتجاوز إعطاء صلاحيات إدارية أوسع للإقليم مع بقائه جزءاً من السودان؟  ثم أين أصبح موضوع إشراك قوات دولية مع القوات الإفريقية حيث تصاعد هذا الأمر بشكل لافت للنظر في التصريحات والمؤتمرات، وآخرها مؤتمر دارفور المنعقد في ليبيا في 28/4/2007؟

(لقد سبق أن أصدرنا في 28/7/2004 جواب سؤال حول دارفور وضحنا فيه أصل المشكلة).
إن مشكلة دارفور تختلف في بعض جوانبها عن جنوب السودان.  أما جنوب السودان فإن أصل البحث فيها أن يكون لها وضع مستقل عن السودان لتكون قاعدةً أمريكيةً تنطلق منها للعمل السياسي والعسكري في إفريقيا.  أي أن أمريكا لم تكتف بأن يكون لها عملاء في بعض الدول في إفريقيا كالحكم في السودان مثلاً، بل أرادت لها قاعدةً للانطلاق، ولذلك بذلت أمريكا الوسع في إعداد الحل وترتيب مواد اتفاقية نيفاشا، بل إنها لم تقبل مشاركة أوروبا لها في الأمر.  ونصوص اتفاقية نيفاشا تمهد لفصل جنوب السودان بالاستفتاء بعد ست سنوات من توقيعها في كانون الثاني/ يناير 2005، ليس ذلك فحسب بل إن نصوصها تجعل جنوب السودان شبه دولة من الآن فلها جيشها وماليتها وحصتها في الثروة، حتى إن (أبيي) بين الشمال والجنوب تعتبر منطقةً متنازعاً عليها بين الشمال وبين الجنوب بسبب الثروة التي فيها، فهي كالمنطقة المحايدة بين دولتين!

أما دارفور فأصل نشوء مشكلتها هو أوروبا (فرنسا وبريطانيا) حيث إن خروجهم من مشكلة الجنوب دون شروى نقير جعلهم يبحثون عن مشكلة في السودان يحركونها ليفرضوا وجودهم، إن لم يكن كاملاً، فأن تقبل أمريكا مشاركتهم، فوجدوا ضالَّتَهم في دارفور.

لقد بدأت مشكلة دارفور بدايةً عاديةً كما يحدث عادةً بين القبائل على المراعي والزراعة والمياه، وكان التنازع يشتد ويسخن وفق هذه الأمور بين القبائل من أصول إفريقية وتلك التي من أصول عربية، وكان يمكن لحكومة السودان حلُّها في البداية لو جدَّت في الأمر، ولكن أمريكا كانت منشغلةً في موضوع جنوب السودان وتريد جهود حكومة السودان وكذلك جبهة تمرد الجنوب أن تتوجه تجاه إنهاء تلك المشكلة، ثم الالتفات إلى دارفور لإيجاد شبه حكم ذاتي لها وفصل المنازعات بين القبائل.  ولذلك لم توضع مشكلة دارفور على طاولة البحث في تلك الفترة إلا لماماً على اعتبار أن البحث فيها مؤجل إلى حين إكمال مشكلة جنوب السودان.

لقد أدركت أوروبا هذا الأمر، أي انشغال أمريكا في الجنوب، وتأجيلها بحث مشكلة دارفور، فوجدت الفرصة مناسبةً لإثارة مشكلة دارفور قبل فراغ أمريكا وحكومة السودان الموالية لأمريكا، قبل الفراغ من الجنوب.  وهذا ما كان.

بدأت فرنسا عن طريق تشاد بمد السلاح للمتمردين، بحجة حماية مراعيهم وأراضيهم ومساكنهم، وانتشر السلاح في دارفور بكثرة، وكذلك تسلحت (الجنجويد)، وتفجرت الأزمة وسخنت ... وانتشر القتل والحرق والدمار وانتهاك الأعراض ... وكانت فرنسا عن طريق تشاد تؤمِّن الدعم العسكري والملجأ الآمن للمتمردين على الحكومة السودانية، وبريطانيا توفر البوق الإعلامي لتسخين الأجواء، في المقابل تمد السودان الدعم لمليشيات الجنجويد.

وهكذا فرضت مشكلة دارفور نفسها، ووصلت إلى أروقة الأمم المتحدة، وصارت فرنسا وتؤيدها بريطانيا تضغط للتدخل العسكري، وأمريكا تقابل ذلك بإنذار السودان بمعالجة الأمر وتعطيه مهلة كذا وكذا وكان هذا الصراع واضحاً، فالفرنسيون يجهزون جيشهم للتدخل، بل تجاوزوا التجهيز إلى التنفيذ، فأرسلوا قواتٍ قرب حدود تشاد مع دارفور لاستعراض العضلات، وبلير يقترح إرسال قوة عسكرية بريطانية مساندة تعدادها (5000) في 22/7/2004، وفي اليوم نفسه تقدِّم أمريكا مشروعاً إلى مجلس الأمن (ينذر السودان بإصلاح الأمر ويعطيه مهلة شهر وإلا تعرض لعقوبات).

وسارت الأمور على هذا النحو حتى وُقِّعت اتفاقية نيفاشا في كانون الثاني/ 2005وبذلك أصبحت مشكلة جنوب السودان موضوعةً جانباً، وتكثف البحث في موضوع دارفور، ثم وُقِّعت بشأنها اتفاقية أبوجا في 5/7/2005.

وفي الاتفاقيتين يتبين أن حل مشكلة جنوب السودان وُضِع على طريق الانفصال، وأن حل مشكلة دارفور على طريق الحكم الذاتي الواسع، ولا يصل إلى الانفصال في المدى المنظور، ولكنه مهيأ للانفصال في الوقت المناسب كما يحدث عادةً في مناطق الحكم الذاتي الواسع.

لقد حرصت أمريكا على أن تكون القوات التي تدخل دارفور لمساعدة السودان في حفظ الأمن من الاتحاد الإفريقي، لتبقى المسألة بعيدةً عن مجلس الأمن لتحول (أو تضعف) تدخل بريطانيا وفرنسا كعضوين دائمين في مجلس الأمن، ولهما حق النقض على القرارات في تشكيل القوة الدولية.  وبقي الموضوع بين أخذ ورد: أمريكا تريد حصر قوات حفظ الأمن بالاتحاد الإفريقي، وأوروبا تريد قواتٍ دوليةً، أمريكا تضغط لتكون القرارات الدولية تعطي مهلةً للسودان بالتنفيذ وإلا فالعقوبات، وأوروبا تريد إصدار قرار القوات الدولية دون مهلة، والأمور الآن تسير على هذا النحو.  فهو صراع ترجح بنتيجته كفةُ الأقوى، ويبدو أن هذه القوى قد توصلت إلى حل وسط بأن تكون القوة الفعلية من الاتحاد الإفريقي وتدعمها قوة ليست كبيرةً من الأمم المتحدة.

وبدأت أمريكا بالتمهيد لهذا الحل لكن على طريقتها لتأجيله أكبر قدر ممكن، فأرسلت مساعد وزير الخارجية الأمريكية نيغروبنتي إلى الخرطوم، فتفقد دارفور في 14/4/2007، ثم صرح بعد عودته إلى الخرطوم معلناً (تحسن الأوضاع الإنسانية في الإقليم) مضيفاً أن هذا لا يكفي، وأن على الخرطوم الموافقة على قوة دولية مساندة لقوات الأمم المتحدة.

ولما أعلن وزير الخارجية السوداني في 16/4/2007 موافقة بلاده على المرحلة الثانية من خطة دعم الأمم المتحدة للقوات الإفريقية، ردَّ عليه نيغروبنتي بأن هناك حاجةً إلى أكثر من ذلك.  لكن الذي عجَّل بالأمر هو إعلان بلير في 18/4/2007 بأن مشروع قرار سيقدم إلى مجلس الأمن بفرض عقوبات على السودان، وأضاف بأن ما يجري في دارفور مروِّع وفضيحة للمجتمع الدولي، وكان واضحاً أن أوروبا قد فقدت أعصابها لعدم اتخاذ قرار بإرسال القوات الدولية، وعندها وجدت أمريكا أن الوقت قد حان للحل الوسط، لذلك صرح بوش في اليوم نفسه 18/4/2007 بأنه قرر إعطاء الأمين العام فرصةً لمواصلة جهوده مع الرئيس البشير بشأن القوة الدولية، وأضاف «يجب أن ينتهز الرئيس البشير الفرصة الأخيرة للتجاوب مع الأمين العام وأن يلبي المطالب العادلة للمجتمع الدولي» وكان واضحاً اتخاذ أمريكا لقرار الحل الوسط في إرسال قوة دولية مناسبة تدعم قوات الاتحاد الإفريقي.

وقد سبب قرار بوش هذا (ومن قبل موقف نيغروبنتي) حرجاً للبشير، فهو كان يرفض القوة الدولية بناءً على طلب أمريكا بعدم قبول تلك القوة، وهي الآن تطلب منه أن يقبل، لذلك انفجر صارخاً في 19/4/2007 بالقول: (إن أمريكا وراء كل مشاكل السودان)!

لكن هـذا القـول لم يصـمـد طـويـلاً فقد أعلنت حكومة السودان في 22/4/2007 «ترحيبها بدعوة الأمين العام للأمم المتحدة ...»!

ولذلك فإنه يمكن القول إن إشراك قوة مناسبة دولية مع قوات الاتحاد الإفريقي أصبحت واقعاً، وأن مقاييس القوى المتصارعة ستقرر عددها وصلاحياتها وتجهيزاتها ...

والذي يتابع الاجتماع الأخير لمؤتمر دارفور في ليبيا يجد القوى المتصارعة، فالذين حضروا المؤتمر في 28/4/2007 هم: ممثل الحكومة الأمريكية، ممثل الحكومة البريطانية، ممثل الحكومة الفرنسية، الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، وزراء خارجية: مصر، السودان، تشاد، أريتريا، ليبيا.
وصراع القوى الرئيسة في هذا المؤتمر وأمثاله هي التي تحدد الحل الوسط.

13 من ربيع الآخر 1428هـ.

 
01/05/2007م
 



إقرأ أيضا:-
جواب سؤال : حول العطور التي تحتوي كحولاً
ج س - حول الأزمات ومصير اليورو والاتحاد الأوروبي
ج س: استقالة عسكر تركيا، وتفجيرات أوسلوا
ج س : اتفاق وثيقة الدوحة للسلام في دارفور
ج س تواطؤ النظام الباكستاني في اغتيال ابن لادن