Aya

1953

HT logo
  adv search
new email def main site arabic
info office misc wilayat books tahleelat lflts  
                 
 
:::

بسم الله الرحمن الرحيم

جـواب سـؤال

السؤال: نعلم أن الجيش التركي والحكومة التركية على طرفي نقيض، فكيف اتفقا على قرار الهجوم العسكري على حزب العمال الكردستاني في العراق؟ علماً بأن هذا الهجوم سيزيد من أسهم الجيش في الوقت الذي يوجِد حرجاً للحكومة التركية أمام أمريكا التي تحتل العراق وبخاصة كردستان، نظراً للعلاقة المتميزة بين الحكومة التركية والولايات المتحدة؟ ثم لماذا أقر الكونغرس (مجلس الشيوخ) قانون إبادة الأرمن في هذا الوقت ما زاد الحرج لحكومة أردوغان؟

الجواب: لكي يكون الجواب واضحاً، فلا بد من معرفة واقع حزب العمال الكردستاني، والجيش التركي، والحكومة التركية الحالية.

أما حزب العمال الكردستاني ودوره مع الجيش والحكومة:
أُسِّس الحزب في 1979، ولكنه برز فعلاً بتوجيه من أمريكا سنة 1984 في عهد أوزال (1983 - 1993) حيث قام بأولى عملياته ضد الجيش في سيرت (مدينة كردية شرق تركيا)، وكان مقصوداً منه التضييق على الجيش أمنياً، بشكل متزامن مع تضييق أوزال على الجيش عسكرياً بإنشاء (شرطة مسلحة تسليحاً قوياً ثقيلاً) حيث استمرت في عهد أوزال إلى انتهاء عهده، فقام الجيش بعد عهده بمصادرة الأسلحة الثقيلة الخاصة بأجهزة الأمن.

استمر وضع حزب العمال على هذا النحو: سلاحاً أمنياً في يد أمريكا في وجه الجيش التركي إلى أن كانت سلسلة الأحداث ما بين 1997، 1998، حيث حركة شباط 1997، وحكومة أجاويد رجل إنجلترا المخضرم حزيران 1997، وتهديده بشكل جدي لسوريا بسبب دعمها حزب العمال 1998، وأخيراً رأت أمريكا أن مصلحتها تقتضي أن تعقد صفقةً مع الجيش التركي عن طريق الحكومة التركية الجديدة، حيث أصبحت السلطة السياسية والعسكرية في تركيا من جنس واحد، بالتخلي عن حزب العمال الكردستاني كمنظمة (عسكرية) وإنهاء الأزمة مع سوريا حفاظاً على عدم اهتزاز نفوذ أمريكا في سوريا.  وهكذا كان حيث انعكس هذا على سوريا فجرت محادثات تهدئة بين تركيا وسوريا تُوِّجَتْ بعقد اتفاقية أضنة في تشرين الأول 1998.  ووفقاً للاتفاقية قبلت سوريا بإيقاف دعمها لحزب العمال الكردستاني وطرد عبد الله أوجلان وتسليم عدد من القادة الآخرين في سوريا إلى تركيا.

وخرج أوجلان من سوريا إلى روسيا فرفضت لجوءه، فغادرها إلى اليونان فإيطاليا ثم استقر به المقام في كينيا حيث قامت وحدة من القوات الخاصة في الجيش التركي بالذهاب إلى كينيا واستلامه بترتيب من المخابرات الأمريكية.

وبعدها نشطت أمريكا في تركيا بالعمل السياسي والشعبي والديمقراطي ... إلى أن نجحت في إيصال أردوغان وحزبه إلى الحكم في 2002.

أما حزب العمال الكردستاني فقد انقسم: قسم سار حسب نهج العمل الأمريكي الجديد أي إلى العمل السياسي بقيادة عثمان أوجلان، وقسم استحوذ عليه الإنجليز، وتأثير اليهود واضح في سيره وتدريبه وزعمائه.  وأصـبح هـذا القسم تحت جناح الجيش التركي، حيث يستغله في إيجاد القلاقل ضد حكومة أردوغان الموالية لأمريكا، وفي الوقت نفسه لإيجاد مبرر للجيش لفرض وجـوده كلما لزم بحجة القضاء على القلاقل.  وهكذا فإن السياسة الأمريكية بالنسبة لحزب العمال، وبخاصة في عهد حكومة حزب العدالة، هي أن تكون قضية الأكراد قضيةً سياسيةً، وأما السياسة الإنجليزية بالنسبة لحزب العمال، وبخاصة في عهد حكومة حزب العدالة، فهي أن تكون قضية الأكراد قضية أمنية أي عكس ما كانت عليه الحال قبل اتفاقية أضنة.  وهذا يفسر الأعمال المسلحة التي يشنها في الوقت الحالي حزب العمال الكردستاني الجناح الإنجليزي.

وأما الجيش التركي فهو صنيعة مصطفى كمال الذي منذ أن نفذ مخططات الإنجليز بهدم الخلافة، عمد إلى تكوين الجيش من حيث قياداته وثقافته على الولاء للإنجليز وسياسته، وعلى حرب الإسلام بأفكاره وحتى بمشاعره، واستعمل كل الأساليب الوحشية في تصفية عناصره التي يرى عليها أية بوادر لاحترام الإسلام، ولم يكتفِ بعدم احترام عنصر الجيش للإسلام حتى يبقى ويحصل على ترقية، بل حتى إن احترام نساء تلك العناصر وأقربائهم للإسلام أدخلها في الحسبان.

وهكذا نشأ الجيش على العلمانية وعلى الولاء للإنجليز وسياساته، وكان يعدُّ نفسه حامي أسس الجمهورية التي وضعها مصطفى كمال، القائمة على الخطين الأساسيين السابقين: العلمانية ومحاربة الإسلام، والولاء للإنجليز، وكان الجيش يعدُّ نفسه حارساً أميناً لهاتين الجريمتين!

لقد حاولت أمريكا بجد النفاذ إلى تركيا باختراق الجيش الذي تراه القوة الفاعلة الممسكة بزمام البلد، فلم تستطع، فهو مشبع بنهج مصطفى كمال (الإنجليزي)، وكانت في كل مرة تصطدم بانقلاب الجيش على الحكم إذا تجاوز عملاء أمريكا ليس الخطوط الحمر بل حتى إذا تجاوزوا الخطوط الصفر أو اقتربوا منها! وهكذا قام الجيش بانقلابات 1960، 1971، 1980، 1997 وحجتهم في كل مرة المحافظة على النظام العلماني الإنجليزي.

أما الحكومة التركية الحالية، فإن أمريكا لها باع طويل في إنشائها ودعمها، وذلك منذ أن استطاعت أن يكون لها وزن مؤثر في حزب العدالة والتنمية حيث تولى قيادته رجلا أمريكا أردوغان وعبد الله غل منذ إنشائه في آب 2001.

بعد ذلك بدأت تهيئة المسرح لوصول أردوغان، فقد قامت أمريكا بسحب (5-7) بليون دولار من البنك المركزي التركي عام 2001، ذلك أن الامتيازات الاقتصادية التي وضعت أساساتها في فترة أوزال مكنت أمريكا من القيام بهذه العملية بيسر وسهولة، فأوجدت هزةً اقتصاديةً، وبدأ تذمر الناس لأن القوة الشرائية لليرة انخفضت اتخفاضاً شديداً، وازدادت نقمة الناس على أجاويد وحكومته.

في هذه الأثناء تمكنت أمريكا من النفاذ إلى حزب صغير كان مؤتلفاً مع حزب يلماز وحزب أجاويد وهو حزب الحركة القومي برئاسة دولت بهشالي، وأوعزت إليه بطلب إجراء انتخابات مبكرة، وأن يهدد بالاستقالة إن لَم تتم الانتخابات، وهكذا أعلنت انتخابات مبكرة في 3/11/2002، حيث فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات فوزاً ساحقاً، وبخاصة وأنه كان في دعايته الانتخابية يمزج بين العلمانية وبين شيء قليل من مسحة إسلامية، ولكنها على قلتها كانت تجذب إليه أصوات عامة المسلمين لما لاقوْه من عداء علمانيي الجيش والكماليين الاستفزازي للإسلام، وهكذا فاز وضَمِنَ الأغلبية البرلمانية، فشكَّل الحكومة وحده.

بدأ أردوغان بتنفيذ الخطة المرسومة بتقوية الروابط مع أمريكا وإضعاف نفوذ الإنجليز وبخاصة الجيش، وكان من باكورة أعماله أن عرض على البرلمان قانوناً بتقليص صلاحية تدخل مجلس الأمن القومي في الحكم، وكذلك جعل المجلس مختلطاً من أعضاء عسكريين ومدنيين.  وقد تضايق الجيش من ذلك حتى إن بعض الأخبار تسربت أن تفجيرات استانبول أواخر 2003م كان وراءها (العسكر) لإيجاد خلخلة أمنية يستغلونها للتدخل مثل حركة شباط السابقة، لكنهم لَم ينجحوا في ذلك. وفي السنوات الأخيرة أقدمت حكومة أردوغان على توقيع وثيقة الرؤية المشتركة بين الحكومة التركية وحكومة الولايات المتحدة التي وقعها عبد الله غل مع رايس في 05/07/2006، وقد جاءت خطوطها العريضة، كما ظهرت في البيان الصحفي الذي نشر في 05/07/2006 على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية، مبدوءةً بمقدمة جاء فيها «إننا مشتركون في القيم والأفكار المتعلقة بالأهداف الإقليمية والعالمية: تطور السلام، الديمقراطية، الحريات، الرفاه».

والآن بعد إدراك هذا الواقع لحزب العمال، والجيش، والحكومة الحالية يمكن فهم الأحداث الجارية، وهي ليست بدعاً من الأحداث، فقد اعتاد عليها الجيش بعد أن فقد إمكانية تغيير الحكومات التي ليست على هواه بالانقلابات.  إن ضعف إمكانية قيام الجيش بالانقلابات جعلته يعمد إلى تفجير الأوضاع أمنياً لزعزعة حكومة أردوغان لتستقيل أو تقال وبخاصة عندما تقدم على ما يعده الجيش خطوطاً حمراً.

وقبل تناول الأحداث الأخيرة بالتحليل نذكِّر بأمرين مهمين:
الأول  واقع رئيس أركان الجيش التركي الحالي يشار بيوك آنيت:
إن بيوك آنيت هو من رجالات الإنجليز في الجيش بل هو من الصقور الذي يعقد عليه علمانيو الإنجليز الآمال العريضة في إعادة الجيش إلى قوته وهيمنته.  وقد استعجلت هيئة الأركان تعيينه قبل انتهاء اجتماع مجلس الشورى العسكري في 4/8/2006 كما هو معتاد في مثل هذه الحالات، فأصدر مجلس الشورى القرار في 1/8/2006، وذلك لأن قرار تعيين الجنرال بيوك آنيت يتطلب إرساله إلى رئاسة الوزراء للمصادقة عليه عقب انعقاد اجتماع مجلس الشورى العسكري الأعلى (YAŞ) في 04 آب/أغسطس 2006، إلا أن استعجال الجنرالات في ذلك كان نتيجة لتخوفهم من قيام أردوغان بتنظيم حملة مضادة في اللحظة الأخيرة،
فقد تخوف الجنرالات من أن يقوم أردوغان بإطالة زياراته الخارجية متذرعاً بالأزمة اللبنانية، مما يعيق انعقاد اجتماع مجلس الوزراء، بالإضافة إلى أن معظم الوزراء خارج أنقرة، والبرلمان في عطلته السنوية، وكل هذا يؤدي إلى المماطلة وتأجيل المصادقة على قرار تعيين الجنرال بيوك آنيت. فقد كان أردوغان الذي غادر تركيا في 02 آب/أغسطس لحضور اجتماع المؤتمر الإسلامي في ماليزيا ينوي الاستمرار في زياراته الخارجية لتأخير المصادقة على قرار تعيين الجنرال بيوك آنيت. إلا أن الجنرالات الذين أدركوا ذلك أجبروا أردوغان للمصادقة على القرار قبل البدء بجولته الخارجية، أي في 1/8/2006، وقبل إصدار مجلس الشورى العسكري قراراته في 4/8/2006!

إن الأوساط العلمانية في تركيا كانت تنتظر قدوم بيوك آنيت لرئاسة الأركان على أحر من الجمر.  ولذلك فإن المتوقع أن تكون فترة رئاسته الأركان البالغة سنتين إلى آب 2008، فترةً عصيبةً على أردوغان، وقد تؤدي إلى تعثر سير حكومة حزب العدالة والتنمية وفق قوة الصراع المتوقع.

وللعلم فإن هذا الجنرال شديد العداوة للإسلام مثل غيره بل هو أشد، فقد بدأ عهده بطرد (ترميج) سبعة عشر من مراتب القوات المسلحة التركية لأن عندهم بعض المشاعر الإسلامية معتبراً ذلك كما جاء في أسباب ترميجهم (عدم ملاءمتهم للجيش).

والثاني:  إن حكومة حزب العدالة جادة في تقليص صلاحية الجيش بالقوانين البرلمانية والأساليب الديمقراطية ... تماشياً مع السياسة الأمريكية، لأن الجيش هو عمدة الإنجليز في تركيا، والحد من صلاحيتهم، وجعل السلطة فعلاً للحكومة، كل هذا يضعف نفوذ الإنجليز ويقوّي نفوذ أمريكا.

وقد سارت الحكومة فعلاً في هذا الطريق، كما فعلت في مجلس الأمن القومي سنة 2003 حيث جعلت سكرتير المجلس القومي مدنياً بعد أن كان من الجيش فأضعفت صلاحية الجيش في المجلس.  وكذلك فعلت في المحكمة الدستورية فأنقصت عدد الموالين للجيش في المحكمة ... وهكذا فإن حكومة حزب العدالة ماضية في تقليص صلاحية الجيش عن طريق سن القوانين بالأساليب الديمقراطية ...

بعد ذلك نجيب على ما جاء في السؤال حول الأحداث الأخيرة، والقرار المتعلق بالأرمن.

أما الأحداث الأخيرة:
لقد تقدمت حكومة أردوغان بإصلاحات دستورية أبرزها انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب، وهي تدرك أن حظ علمانيي الجيش الإنجليز (الخط الأتاتوركي) في فوز رئيس منهم بالانتخاب من الشعب حظ ضعيف، في الوقت الذي يعتبر الجيش هذا المنصب مهماً ورمزاً له.  هذا مع أن الإصلاحات الدستورية ليست مقتصرةً على انتخاب الرئيس.

لقد وجد الجيش في هذه الخطوة مقتلاً له، ولأن قدرة الجيش على تغيير الحكومات بالانقلاب قد تضاءلت وذلك بسبب أن أمريكا والحكومة قد شحنوا الأجواء بـ«الديمقراطية» و«نبذ الانقلابات»، واستغلوا أجواء مباحثات الاتحاد الأوروبي والحريات وحقوق الإنسان ... ما ساعد في جعل الظروف تمنع أو تحد من الانقلابات العسكرية ...، نقول لأن قدرة الجيش على الانقلاب تضاءلت، لذلك عمد الجيش إلى تفجير الأوضاع أمنياً، أي بافتعال مقدمات لأعمال عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني ...

وهكذا جاءت الأحداث الثلاثة: مقتل 12 شخصاً، ثم تلاه مقتل 13، وأخيراً في 21/10 قتل 17 وجرح 16 واختطاف 10.  إن المتدبر لكيفية وقوع هذه الأحداث يتبين أن الجيش له يد في الأمر لتصعيد الأعمال العسكرية:

أما الحادث الأول فقد تم إطلاق نار من أسلحة آلية على حافلة صغيرة كانت تقل عدداً من حراس القرى وذويهم وكانت قد أسفرت العملية عن مقتل 12 شخصاً، وكان من المستغرب أنَّ هؤلاء الحراس كانوا يتجولون غير مسلحين بخـلاف المعـتاد من أنهم لا يتجولون إلا وهم مسلحون، ما يشير إلى أن الذين أرسلوهم كانوا يخططون ليكون هؤلاء الحراس ضحايا!

وأما الحادث الثاني، فقد وقع بعد فترة قصيرة في المنطقة ذاتها (مدينة شيرناق)، وقد قتل فيه 13 عسكرياً، على الرغم من أن العسكر لا يتحركون دون حماية وآليات ومعدات قتالية، إلا أنهم في هذا الحادث كانوا وحيدين وفي منطقة مكشوفة ما أدى إلى مقتلهم جميعاً وإلى عدم تضرر أيٍ من المهاجمين، وهم كذلك كانوا ضحايا!

ثم كان الحادث الأخير في منطقة حقاري صباح 21/10 حيث كان أربعون جندياً يتحركون معاً في منطقة كذلك مكشوفة دون حماية، وقد تمت مهاجمتهم فقتل منهم 17 وجرح 16 واختطف الباقي!

وكلها تدل على أن هذه الأحداث مفتلعة لتفجير الأوضاع من أجل أهداف ثلاثة: صرف السير الجدي في إجراءات الإصلاحات الدستورية، إحراج الحكومة في التصدي لحزب العمال عسكرياً لأن أمريكا هي المحتلة للعراق مع ما هي عليه العلاقات بين الحكومة التركية وأمريكا، ثم إظهار الحكومة أمام الناس والرأي العام على أنها لا تعبأ بدماء (المواطنين).

وهكذا بدأ الجيش بالتصعيد، وكان يتوقع أن تتلكأ الحكومة في إعطاء الإذن ولا تصدره، ولكن الحكومة نقلت الموضوع من العمل العسكري إلى العمل السياسي، فاجتمعت وقررت التدخل إذا لزم وعرضت على البرلمان، ووافق البرلمان وأعاد القرار إلى الحكومة لتقرر في الوقت المناسب! ونشطت المحادثات مع دول الجوار ... وكانت الخاتمة زيارة أردوغان المتوقعة إلى واشنطن أول الشهر القادم لوضع الخطوط النهائية للتصرف حيال الأزمة.

ويمكن القول إن زخم تفجير العمل العسكري قد تم (تنفيسه) بالأعمال السياسية التي قامت بها الحكومة، وقد تلجأ بترتيب مع أمريكا والاتفاق مع العراق إلى أعمال محدودة تظهر نجاحاً للحكومة دون الهجوم العسكري الشامل داخل العراق، وبالتالي لا تحرَج ولا تحرَج الحكومة أمام الشعب التركي بالقول إنها لا تهتم بالدم التركي، وفي الوقت نفسه تحد من الهجوم العسكري المتصاعد الذي يريد الجيش تفجيره.

والخلاصة:
1 -  إن الجيش الموالي للإنجليز، وقد تعذر عليه عمل الانقلابات كالسابق، فهو يحاول زعزعة حكومة حزب العدالة الموالي لأمريكا، بتفجير الأزمات عسكرياً بتحريك جناح حزب العمال الكردستاني، وذلك لإيجاد أزمات متلاحقة للحكومة داخلياً بإظهار الحكومة غير مهتمة بدماء الجيش واتساع نطاق الإرهاب، وكذلك خارجياً وبخاصة إحراج أمريكا والحكومة وإجبارهما على التنازل للجيش أو على الأقل عدم الاستمرار في القرارات (الديمقراطية) لإنقاص سلطة الجيش.

2 -  الأزمة العسكرية الحالية مع حزب العمال الكردستاني هي في هذا السياق، وقد استطاعت الحكومة نقل الصراع من المستوى العسكري إلى المستوى السياسي وذلك بنقله إلى مجلس النواب ثم موافقة النواب وجعل القرار بيد الحكومة حسب الظروف المناسبة.  وكذلك بنقل الموضوع للتفاوض مع الجوار، ما يفقد عملية هجوم الجيش زخمها.

3 -  إن أمريكا تـدرك مـا يـرمـي إليه الجيش، وكذلك تدركه حكومة تركيا، ولهذا فإن زيارة أردوغان لواشنطن في بداية الشهر القادم هي لرسم الخـطـط المناسـبـة لإفقاد مخطط الجيش تحقيق هدفه بإحراج الحكومة أمام الشعب التركي أو زعزعتها.

4 -  المتوقع بنتيجة الزيارة أن توافق حكومة العراق على إعطاء ضمانات للحكومة التركية كتسليم بعض الأشخاص أو مراقبة الدول متعددة الجنسية للحدود أو إعلان حزب العمال إلقاء سلاحه .. وقد تلزم عملية عسكرية محدودة لا تؤدي لما يعرف دولياً باختراق احتلالي لشمال العراق.. أي ترتيبات تظهر حكومة أردوغان أنها انتصرت وأنها لم تساوم على دماء الجند ولم تتساهل مع الإرهاب بل حققت النصر المؤزر!
وبالتالي لا يكون الجيش قد حقق هدفه بتفجير الأوضاع وزعزعة الحكومة أو إسقاطها.
ومع ذلك فإن المشكلة ستبقلى قائمة بين الجيش وبين الحكومة إلى أن يهيمن أحدهما على السلطة حيث إن الحكم لا يدار برأسين في أي بلد إلا وتستمر الأزمات.

5 -  إن الجيش في السابق كان هو القوة الفعلية سياسياً وعسكرياً، ولذلك كان يقوم بتغيير الحكومات عند أي تجاوز للخطوط الحمراء بل الصفراء التي يراها الجيش، واليوم نتيجة الجقائق الواقعية المتغيرة، فهو يكتفي بتفجير الأزمات لإضعاف الحكومات غير المرغوبة له، وهو لن يكف عن ذلك حتى لو فشل في إيجاد هجوم شامل داخل العراق فسيغتنم أي فرصة مناسبة ليعيد الكرة مرةً أخرى.

وهكذا فلأن الصراع تديره دول كبرى في الخارج (تتناغم) معها قوى داخلية، فإن قوة هذه الأطراف المتصارعة سياسياً ومادياً هي التي تتحكم في سير سفينة البلاد خلال الأمواج المتلاطمة هبوطاً وصعوداً، ويصعب في المدى المنظور أن يسيطر على قيادة السفينة ربَّان واحد بشكل كامل.

لذلك فإن الأزمات ستبقى تتلاحق وفق الظروف المتاحة لأي من هذه الأطراف.

أما السؤال عن قرار لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس النواب الأمريكي الذي يعرّف ما حدث سنة 1915 للأرمن على أنه (إبادة جماعية)، فصحيح أنه قد جاء في وقت الأزمة التي افتعلها الجيش التركي لإحراج الحكومة مع أمريكا المحتلة للعراق، وهو يعرف علاقة الحكومة بأمريكا.  وصحيح أن هذا القرار قد صدر في وقت غير مناسب للحكومة التركية.

ولكن بالتدقيق في الموضوع يتبين ما يلي:
1 -  معروف عند الدول الغربية، وبخاصة أمريكا، أن ساستها الديمقراطيين والجمهوريين بعد منتصف السنة الثالثة لولاية الرئيس تبدأ (فضائحهم)، ومضايقات كل طرف للآخر تبدأ بالانتشار، ويتعمد الفريقان استغلال كل ما يمكنهم لإحراج الطرف الآخر.  وهذا واضح مثلاً في سياسة الديمقراطيين بالنسبة للعراق، فهم يضايقون الجمهوريين في مجلس النواب علماً بأنهم لو كانوا هم في الحكم لما اختلفوا كثيراً عن سياسة بوش في الأمور الأساسية.
وهكذا فهُمْ قد اعتادوا (المناكفة) الانتخابية في الفترات السابقة للانتخابات الرئاسية ابتداءً من سنة ونصف قبل نهاية ولاية الرئيس.

2 -  إن بيلوسي كانت قد وعدت اللوبي الأرمني أثناء انتخابات الكونغرس الأخيرة بإصدار هذا القانون.

3 -  إن هذا القرار يتعارض مع السياسة الخارجية الأمريكية ما دفع كافة وزراء خارجية أمريكا السابقين لإعداد رسالة مشتركة وجهوها لرئيسة المجلس نانسي بيلوسي بعدم عرض المشروع على مجلس النواب.  وأكثر ما يتعارض هو مع سياسة المحافظين الجدد (إدارة بوش)، فقد كان بوش خلال كلمته المتعلقة بهذا الأمر والتي ألقاها في 24 نيسان/أبريل المنصرم وهو اليوم الذي يصادف الذكرى السنوية لما يسمى “إبادة الأرمن” لم يصف ما حدث بـ “الإبادة الجماعية” (genocide) بل وصفه بـ(المحق - “التدمير” ...) (annihilation)، ذلك أن المحافظين الجدد كما جعلوا إطلاق الإبادة الكاملة بالحرق holocaust خاصاً باليهود لإدرار العطف عليهم كذلك حاولوا جعل الإبادة الجماعية genocide تطلق غالباً على اليهود للسبب ذاته ولا يطلقونها على غيرهم إلا قليلاً، ولهذا أطلق بوش في خطابه المذكور على ما حدث للأرمن كلمة annihilation وهي أدنى من الإبادة الجماعية.

4 -  لقد ظهر مفهوم “الإبادة الجماعية” وبخاصة بالحرق holocuast على يد مستشار دائرة الدفاع الأميركية البولوني الأصل خلال الحرب العالمية الثانية. والمحافظون واليهود يرفضون إطلاق هذا الوصف على آخرين ويرفضون إخراجه من كونه وصفاً خاصاً باليهود. فالمجازر الأخرى يصنفونها تحت مضمار “جرائم ضد الإنسانية” أو حوادث تدميرية أو نحو ذلك.

5 -  وأخيراً فإن القرار غير ملزم وهو يحتاج لمصادقة بوش عليه، ولا يترتب عليه أية تداعيات حقوقية.  وكذلك فإن بيلوسي بعد أن كانت قد صرحت أثناء عرض مشروع القرار على اللجنة بأنها ستحيل القرار بعد اتخاذه من اللجنة إلى البرلمان بسرعة، عادت فصرحت بعد إقراره بأنها ستحيله للبرلمان في أواسط تشرين الثاني.

ويبدو أن بيلوسي تهدف إلى الغرض الانتخابي قبل كل شيء: ترضي الأرمن الذين وعدتهم خلال انتخابات الكونغرس الأخيرة، وتضايق إدارة بوش مع حكومة تركيا كما تضايقه في موضوع العراق بإيجاد أزمات له تؤثر على إضعاف فرصة الفوز للحزب الجمهوري.

ومع ذلك فإنه من غير المتوقع أن يؤثر هذا القرار في تأزيم العلاقة التركية الأميركية، فالخلاف بين الحكومتين يغلب عليه الود، ومثل هذه المناكفات و(الأزمات) لا تفسد للود قضيةً!

18 من شوال 1428هـ

 
29/10/2007م
 



إقرأ أيضا:-
جواب سؤال : حول العطور التي تحتوي كحولاً
ج س - حول الأزمات ومصير اليورو والاتحاد الأوروبي
ج س: استقالة عسكر تركيا، وتفجيرات أوسلوا
ج س : اتفاق وثيقة الدوحة للسلام في دارفور
ج س تواطؤ النظام الباكستاني في اغتيال ابن لادن