السؤال الثاني:ـ
من المعروف أن إيران كانت تقوم بأبحاث نووية زمن النظام الملكي وكذلك في عهد النظام الجمهوري، وكانت الأمور تسير بهدوء، وحتى عند تعليق تخصيب اليورانيوم سنة 2003، والمباحثات في عهد خاتمي، وقبله في عهد رفسنجاني، كلها تدور بمناقشات ومفاوضات لا تصل حد التصعيد. لكن في عهد أحمدي نجاد تصاعدت الأزمة وحُوِّلت من الوكالة الدولية إلى مجلس الأمن، وهي لا زالت تتفاعل، فهل يمكن الاستنتاج من ذلك أن تصاعد الأزمة ليس لموضوع الأبحاث النووية بقدر ما هو لأن رئيس الجمهورية أصبح في نظرهم (يُغَنِّي خارج السرب) في إيران، وأن ما كان يقبله من سبقه من حيث التعامل مع السياسة الأمريكية كما حدث أثناء احتلال أفغانستان والعراق، لا يقبله الرئيس الحالي نجاد؟ وبالتالي هل الأزمة متجهة إلى الانفجار، وأن الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية في إيران قد اقترب كما تردد في بعض الصحف، أو أن الهجوم مستبعد وأن الأزمة هي قابلة للحلول الوسط؟ ثم ماذا عن فرض مجلس الأمن عقوباتٍ على إيران كما تهدد بذلك أمريكا؟
الجواب:ـ
حتى تتضح الصورة تماماً نذكر ما يلي:
1 - في 1968 صدرت معاهدة (NPT) أي حظر انتشار الأسلحة النووية، وفي عام 1970 وقعت إيران على هذه المعاهدة بالإضافة إلى 185 دولة أخرى. وخلال فترة حكم الشاة ابتدأت إيران أنشطتها النووية بالتعاون مع بعض الشركات الألمانية والفرنسية، حيث اشترت إيران 15% من أسهم شركة يوروديف (Euro-Diff) الفرنسية، والتي تعتبر أكبر شركة تخصيب لليورانيوم حول العالم. ولكن بعد الثورة الإيرانية عام 1979 علقت جميع هذه البرامج وبقيت فرنسا محرومة من هذا الحق. قال علي لارجاني: “بعد الثورة الإسلامية في إيران لم تلتزم الشركة الفرنسية يوروديف (Euro-Diff) ولا الشركة الألمانية (Siemens) بالعقود التي وقعوها مع إيران بخصوص الأنشطة النووية.
وفي عام 1995 استأنفت إيران أنشطتها النووية، بعد أن كان الخميني قد أوقف برنامج إيران النووي عام 1979 عقب ثورته. ثم استؤنف البرنامج مجدداً حسب توصية رفسنجاني، وفي يناير 1995 وقعت اتفاقية موسكو للتعاون النووي بين إيران وروسيا.
لقد تم العمل في برنامج إيران النووي عندما كان الإصلاحيون الموالون للغرب بقيادة خاتمي في السلطة في الفترة 1997-2005، حيث حققوا نجاحات متوالية في انتخابات تلك الفترة. إلا أنه وبعد بدء المقاومة في العراق صيف عام 2003 كشف المعارضون الإيرانيون عن بعض الأنشطة النووية وبعض المؤسسات الإيرانية التي كانت مخبأة عن تفتيش الوكالة العالمية للطاقة النووية (IAEA). وبناءاً على ذلك جهز محمد البرادعي رئيس الوكالة النووية تقريراً عن برنامج إيران النووي وقدمه إلى الوكالة. وهكذا ابتدأت أزمة إيران النووية بالتحرك. وعقب ذلك ابتدأت المباحثات حول برنامج إيران النووي بين إيران والثلاثي الأوروبي (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) بالإضافة إلى روسيا والصين. لذا فقد وقعت إيران في عهد خاتمي وبالتحديد في 25 أكتوبر 2003 ما يسمى بالبروتوكول الإضافي للـ (NPT) والذي يسمح بإجراء تفتيش فوري من قبل الوكالة.
كانت بوشهر (Bushahr) ونتانز (Natanz) وأصفهان (Asfhan) ثلاث منشآت مثيرة للجدل، وقد بقي النـزاع حول اثنتين من المنشآت (Natanz) و(Asfhan) دون أي حل، أما النـزاع حول (Bushahr) التي بنيت من قبل روسيا فقد حل النـزاع عليها بواسطة اتفاقية عقدت في 25 فبراير 2005 بين روسيا وإيران. إلا أن الأزمة استمرت في تواصل مطرد بين التوتر والسكون.
وبعد تعيين محمد أحمدي نجاد رئيساً للبلاد، ازدادت الشكوك والهموم الدولية أكثر فأكثر. بالإضافة إلى أن قيام إيران بإعادة تخصيب اليورانيوم في (Asfhan) بتاريخ آب/أغسطس 2005، أدى إلى توقف المباحثات النووية الإيرانية-الأوروبية. ونتيجة للضغوط أوقفت إيران عملية تخصيب اليورانيوم مؤقتاً. ثم بعد ذلك أصرت إيران على تخصيب اليورانيوم على أراضيها، فاتخذت الوكالة العالمية للطاقة النووية قراراً في 25 أيلول/سبتمبر 2005 ينص على تحويل إيران فوراً إلى مجلس الأمن وبشروط. إلا أن روسيا التي لم ترغب في تحويل إيران إلى مجلس الأمن، أعلنت قبل اجتماع الوكالة العالمية للطاقة النووية يوم 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2005 بأنها ستقدم لإيران اقتراحاً جديداً، وقامت روسيا بإبلاغ إيران باقتراحها عبر رسالة خطية في كانون الأول/ ديسمبر 2005، ومن ثم عن طريق وفد زار طهران برئاسة مندوب الوزير الروسي للشؤون الخارجية في 7 كانون الثاني/ يناير 2006. لقد كان الاقتراح أن تمارس إيران أنشطتها النووية على الأراضي الروسية، إلا أن مجلس الأمن القومي الروسي أعلن أن إيران قد رفضت هذا الاقتراح في 10 كانون الثاني/ يناير 2006.
عند ذلك دعا الثلاثي الأوروبي الوكالة العالمية للطاقة النووية لعقد اجتماع فوري في الفترة 2-3 شباط/فبراير 2006 لمعالجة الملف الإيراني النووي. أثناء ذلك أعلن غلام رضا أنصاري –السفير الإيراني في موسكو- بأن اقتراح بوتين مازال قائماً، ويمكن مناقشته. من ناحية أخرى صرحت إيران أنه في حال إرسال الملف النووي إلى مجلس الأمن فإنها سوف تنسحب من (NPT) وستطرد مفتشي الوكالة العالمية للطاقة النووية (IAEA) من أراضيها وتضع حداً للتعاون معها، كما أنها ستصر على حقها في تخصيب اليورانيوم على أراضيها. وبالرغم من أن الملف الإيراني أُرسل إلى مجلس الأمن بقرار مجلس أمناء الوكالة الدولية للطاقة النووية في 11/2/2006 بأغلبية 27 صوتاً من مجموع أعضائه الـ35، حيث عارضت القرار ثلاث دول (كوبا وسوريا وفنزويلا) وامتنعت خمس (الجزائر، بيلاروسيا وإندونيسيا وليبيا وجنو إفريقيا) فيما صوتت مصر لصالح القرار، بالرغم من ذلك إلا أن إيران لم تنسحب من الـ (NPT) ولم تَطرد مفتشي الوكالة ولم تضع حداً للتعاون معها، واكتفت بالتصريح أنها قد سحبت البروتوكول الإضافي للـ (NPT) لعدم مصادقة البرلمان الإيراني عليه، ولكونه طبق كأمر واقع، كما أنها ستمنع التفتيش الفوري. وقامت بإزالة كل المعدات الخاصة بالتفتيش ككاميرات الفيديو من منشآتها النووية، إلا أنها استمرت بالسماح للتفتيش غير الفوري، أي التفتيش المأذون.
وفي الوقت الذي كانت فيه الترويكا الأوروبية مهتمةً بالتفاوض مع إيران وإيجاد حل للأزمة، كانت أمريكا، وهي العامل الأساس، تحاول إطالة أمد الحل، مع التظاهر بأنها تؤيد الحلول الأوروبية، فقد كان المسئولون الأمريكان، كلما اقتربت المفاوضات الأوروبية مع إيران إلى الليونة يصرحون تصريحاً مبطناً بالتهديد بأن كل الخيارات مفتوحة لإيجاد توتر، حتى إن الترويكا الأوروبية عندما جعلوا في الحوافز تطميناتٍ أمنيةً لإيران صرحت رايس برفضها، ثم هددت بالعقوبات، وهي تعلم أن العقوبات ستؤثر - أكثر ما تؤثر - في أوروبا لما لها من مصالح اقتصادية مع إيران، وكذلك على الصين الطرف الآسيوي في المفاوضات، وذلك لارتباطات روسيا النووية مع إيران، وللعلاقات الصينية النفطية مع إيران، هذا بالإضافة إلى أن الدول الأوروبية يعتمد أكثر من نصف اقتصادها على نفط الشرق الأوسط.
لقد نجحت أمريكا في إشغال أوروبا بالقضية النووية الإيرانية، ولم تشترك هي متذرعةً بأن لا علاقات دبلوماسية لها مع إيران، في الوقت الذي لا يحول هذا دبلوماسياً دون التفاوض ما دام لها مكتب يمثلها من دولة أخرى في طهران، ويؤكد ذلك رد أمريكا الإيجابي على دعوة إيران للتفاوض في موضوع العراق. وإنما تريد أمريكا من بقائها خارج التفاوض أن تشغل أوروبا بالمسألة، وأن تكون هي - أمريكا - محرَّرةً من جو التفاوض فيسهل عليها عرقلة أي حل نتيجة تصريح ما أو إثارة موضوع معين.
إنَّ أمريكا تريد من أزمة إيران أن تكون قنبلةً متحركةً (Drifting mine) في المنطقة، وإن إيران تدرك، والترويكا الأوروبية تدرك أن أي حل يتفق عليه مع إيران لا بد من موافقة أمريكا عليه حتى ينفذ، فهي الطرف الفاعل في الأزمة، ومع ذلك فهي ترقب المفاوضات عن كثب دون الاشتراك فيها ليبقى تبريد القضية الساخنة في يدها فقط.
إن المتتبع لمجريات هذه الأزمة يلاحظ ما يلي:
1 - إنَّ إيران لم تخالف اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية بل تعاونت مع الوكالة العالمية للطاقة النووية (IAEA) تعاوناً كاملاً:
- 81 عضواً من الوكالة العالمية للطاقة النووية (IAEA) من ضمنهم أميركا، لم يوقعوا البروتوكول الإضافي للـ (NPT) في حين أن إيران وقعت عليه طواعيةً.
- قامت إيران بتنفيذ متطلبات الوكالة العالمية للطاقة النووية (IAEA) فعلياً وليس مجرد تصريحات على الورق مثل دول أخرى.
- جهزت إيران وثيقة كاملة عن برنامجها، مكونة من 1300 صفحة وسلمتها لمفتشي الوكالة العالمية للطاقة النووية (IAEA).
- سمحت لمفتشي الوكالة العالمية للطاقة النووية (IAEA) بمقابلة العلماء وذوي السلطة في الطاقة النووية.
- فتحت إيران منشآتها العسكرية للتفتيش.
- شددت إيران في كل مناسبة على أن برنامجها النووي سلمي، وأنها لا تنوي أبداً إنتاج أسلحة نووية.
- عَلَّقَتْ إيران كافة أنشطتها النووية العام المنصرم، بينما كانت المباحثات ما زالت جارية. كما أنها أوقفت طواعية إنتاج قطع الغيار، وعمل كل من منشآت أصفهان (Asfhan) ونتانز (Natanz) النووية، بالإضافة إلى النشاط النووي في مراكزها الأخرى.
- أعلنت أن تخصيب إيران لليورانيوم سيبقى في حدود استخدامه للأغراض السلمية بمراقبة وكالة الطاقة النووية.
2 - إن أي قرار قد يصدر من مجلس الأمن لا يمكن أن يشمل عقوبات اقتصاديةً حساسةً لوقوع الضرر على روسيا والصين والترويكا الأوروبية أكثر مما يصيب أمريكا أو حتى إيران نفسها، وبالتالي فاحتمال إصدار عقوبات حساسة أمر بعيد لمعارضة تلك الدول له.
3 - إن أي عمل عسكري، فضلاً عن ضآلة احتمال إصداره لمعارضة روسيا والصين عليه، سيربك أمريكا بتنفيذه حيث إنها في ورطة حقيقية في العراق وأفغانستان، وبخاصة وأن هذه السنة هي سنة الانتخابات النصفية في الكونجرس.
4 - إن العامل الإسرائيلي، وهو المحرك الفعلي لقيام أمريكا بعمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية، وذلك للارتباط الوثيق بين المحافظين الجدد في أمريكا ودولة يهود في فلسطين، هذا العامل لا تتناسب ظروف أمريكا - الآن - للتجاوب معه بهجوم عسكري على إيران.
5 - لذلك فإن الراجح أن أمريكا ستعمل على تصعيد أزمة المفاوضات بين الترويكا الأوروبية وإيران وإفشالها فتكسب من ذلك ثلاثة أمور:
الأول مبرر لإنشاء قواعد لصواريخها في أوروبا، وزيادة ثقلها حول البحر الأسود ومنطقة القوقاز. وهناك أحداث واضحة بهذا الشأن منها، مشروع نقل قوات الناتو (NATO) عبر البحر الأسود، وإنشاء ثلاث قواعد عسكرية جديدة في بلغاريا، وقواعد للصواريخ متوقعة في بولندا وتشيكيا.
والثاني إبقاء منطقة الخليج في توتر تستغله أمريكا باستمرار قواعدها بل ومزيد من القواعد بحجة وجود أزمات.
والثالث إعطاء صورة بأنها هي فقط التي تملك خيوط الأزمة، وأن مفاوضات إيران معها هي الطريق إلى الحل ومن ثم تطبيع العلاقات بشكل علني مع إيران.
والمتوقع أن تنشط الأعمال في ذلك بشكل كامل أو جزئي قبيل انتخابات الكونجرس في شهر 11/2006، أي أن منحنى الأزمة بعد أن يصل للقمة سيبدأ بالهبوط كلما اقترب موعد الانتخابات.
5 - لقد بدأت بعض المؤشرات بالظهور حول حل الأزمة بالتقارب الإيراني الأمريكي نحو المفاوضات:
قالت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الأربعاء الفائت 10/5/2006 “إنه إزاء معارضة روسيا والصين فرض عقوبات على إيران قررت الإدارة الأميركية إعطاء مهلة (بضعة أسابيع) قبل معاودة ضغوطها من أجل إصدار قرار ملزم عن مجلس الأمن”.
ثم رسالة أحمدي نجاد وهي تشير بطريقة غير مباشرة إلى دعوة للتلاقي الإيراني مع أمريكا.
وتصريح عنان بضرورة المفاوضات المباشرة بين إيران وأمريكا.
وما أذيع هذا اليوم 24/5/2006 عن صحيفة واشنطن بوست التي نقلت عن سعيد ليلاز المسئول السابق في الحكومة الإيرانية أن مسئولين إيرانيين رفيعي المستوى طلبوا من عدد من الوسطاء تسهيل محادثات مباشرة مع واشنطن. هذا في الوقت الذي ينعقد فيه اجتماع اليوم في لندن بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن مع ألمانيا لمناقشة الأزمة النووية.
كل ذلك يظهر أن الأمور تسير في هذا الاتجاه.
أما أحمدي نجاد فهو يتميز عن الرؤساء قبله (رفسنجاني وخاتمي) بأن لديه مشاعر فياضةً حول ما يعتقد به من الإسلام، ففكرة عودة المهدي آخذة عليه كلَّ أمره، يكررها في مجالسه حتى إنه ذكرها في أول خطاب له في سبتمبر/ أيلول 2005 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهو يظهر احتراماً فائقاً لآية الله محمد تاجي مصباح يزدي، وهو يشاركه هذه الأفكار. ولقد أثرت على نجاد هذه المشاعر في تصريحاته وتصرفاته، لكنه لا يخرج عن السياسة العامة لنظام الحكم في إيران وبخاصة وأنَّ صلاحية الرئيس مقيدة ولا تُمكِّنه من التغيير حتى لو أراد، بل إن تصريحاته لها معقبات من أركان النظام، فمثلاً:
نقلت القدس العربي 17/11/2005: (رفسنجاني يدين سياسة التطهير التي يعتمدها احمدي نجاد... وعلي صعيد اخر دان اكبر هاشمي رفسنجاني احد الشخصيات الرئيسية في النظام الايراني امس الاربعاء عمليات التطهير السياسي التي تمارسها حكومة الرئيس المحافظ محمود احمدي نجاد مشددا على انها تخدم بذلك اهداف اعداء ايران. وقال رفسنجاني الرئيس الايراني السابق الذي اوردت تصريحه وكالة الانباء الرسمية إن البعض، اليوم، يعيد النظر بالاجراءات المتخذة في الماضي ويطبق سياسة تطهير. لقد باشروا سياسة ابعاد عام لشخصيات كفوءة. ويكون رفسنجاني بذلك اول مسؤول ايراني ينتقد علنا السياسة المتبعة منذ تولي احمدي نجاد السلطة في آب (اغسطس). وقال رفسنجاني الذي كان منافس احمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية هؤلاء الاشخاص يلطخون (سمعة) الاخرين وفي حال سمحنا لهم بذلك فانهم سيعيدون النظر في مكتسبات النظام والثورة.).
وقد نشرت نحو ذلك الحياة في 18/11/2005.
كما نشرت صحيفة القناة على الإنترنت في 11/2/2006
(ذكرت وكالة الطلبة الايرانية للانباء إسنا الخميس أن كبير المفاوضين النوويين الايرانيين السابق حسن روحانى حذر الرئيس محمود أحمدي-نجاد من عزلة إيران دوليا بسبب النزاع النووى المستمر. وقال روحانى للوكالة ردا على سؤال حول وجهة نظره بشأن السياسات النووية للبلاد:
«يجب علينا استغلال كافة السبل الوطنية حتى لا نعزل أنفسنا. لا يمكن أن نحقق أهدافنا من خلال ترديد الشعارات وتبنى استراتيجية بسيطة واحدة». وكان روحانى الامين السابق لمجلس الامن القومى ورئيس الوفد النووى خلال رئاسة محمد خاتمى. غير أن روحانى رفض العمل تحت قيادة أحمدى نجاد خليفة خاتمي. وقال روحانى «إن أولئك المطلعين على الشؤون العالمية يتعين أن يكونوا أكثر حرصا على عدم ارتكاب أى خطأ» وكان الرئيس الايراني الاسبق أكبر هاشمى رفسنجانى قد حذر الاسبوع الماضى حكومة أحمدى نجاد من ترك القضية النووية تخرج عن نطاق السيطرة.
وكذلك فبعد تصريحات نجاد “يجب محو (إسرائيل) من على الخارطة”، وهذا يعني الوجوب على كل المسلمين وإيران منهم، بعد ذلك صرح مسئول إيراني كبير، وكأنه يصحح زلَّة أحمدي، “على الفلسطينيين أن يقضوا على نظام الصهاينة”. وبهذا أبعد الوجوب عن الآخرين.
ولذلك فهو وإن اختلف عمن سبقوه بمشاعره الجياشة وقربه من نقاء البسطاء من المسلمين إلا أنه من حيث السياسة العامة في العلاقات الدولية محكوم بما عليه النظام منذ نشأته.
صحيح أن أمريكا (تفضل) رفسنجاني وخاتمي على أحمدي نجاد لكن اختلاف الرؤساء في إيران لا يعطيهم صلاحية تغيير السياسة العامة للدولة لأن صلاحياتهم محدودة.
ولذلك فإن الأزمة النووية ليست شخصيةً متعلقةً يوجود نجاد في رئاسة الجمهورية، وإنما هي مرتبطة بمصالح دولية متداخلة تقف على رأسها أمريكا والاتحاد الأوروبي ومن ثم روسيا والصين، وكل هذه الدول تتعامل مع الأزمة وفقاً لمصالحها ومقدار تأثيرها في المنطقة.
والخلاصة:
1 - إن أحمدي نجاد لديه مشاعر فياضة حول الإسلام كما يعتقده وبخاصة موضوع عودة المهدي، وهذا آخذ عليه كل أمره ويؤثر في تصرفاته وتصريحاته. إلا أنه لا يختلف عن رفسنجاني وخاتمي من حيث السياسة العامة للنظام لأن صلاحية الرؤساء في التغيير محدودة جداً حسب دستور الدولة.
2 - إن إيران لم تخالف معاهدة الحد من الانتشار النووي، بل هي تسمح للمفتشين وتطبقها أقوى من أية دولة أخرى، كما أن تخصيبها لليورانيوم هو بنسبة متدنية بعيدة عن إنتاج السلاح النووي، مع تأكيد إيران المستمر بأن الغرض سلمي وتحت إشراف الوكالة.
3 - إن سبب تصعيد الأزمة وعرقلة مفاوضات إيران مع الترويكا الأوروبية لحلها هو أمريكا وذلك لتحقيق الأغراض التالية:
أ - إشغال أوروبا أمنياً لإيجاد مبرر لأمريكا لإقامة قواعد صواريخ في أوروبا.
ب - إبقاء حالة توتر في الخليج تحقق لأمريكا وجوداً دائماً متصاعداً فيها.
ج - إعطاء صورة دولية وإقليمية أن تبريد سخونة الأزمة بيدها ليس غير، لتنتقل بعد فشل الأوروبيين في حلها إلى إيجاد مناخ تفاوضي علني مع إيران وتطبيع العلاقات معها. والمتوقع أن تنشط الأعمال في ذلك كلياً أو جزئياً قبيل الانتخابات للكونجرس أواخر هذا العام.
4 - وعليه فإن تجاوب أمريكا في المدى المنظور مع العامل الإسرائيلي الضاغط على المحافظين الجدد، رغم ارتباطهم الوثيق بكيان يهود، تجاوب أمريكا مع هذا العامل لمهاجمة المنشآت النووية ضعيف، وإنما ستعمل على تطمين دولة يهود بوضع قيود من خلال المفاوضت على تخصيب اليورانيوم بنسب معينة بعيدة عما يلزم للسلاح النووي، ومحاولة التخصيب مدةً في غير إيران قبل نقلها إلى إيران، وبمراقبة وكالة الطاقة، بالإضافة إلى تعهد أمريكا لدولة العدو بالدفاع عنها نووياً.
5 - تحويل الملف إلى مجلس الأمن لا يتوقع منه إصدار عقوبات حساسة على إيران لأن ضررها البالغ سيكون بالنسبة إلى روسيا والاتحاد الأوروبي والصين ما يجعلهم يعترضون على العقوبات الساخنة إلا ان تكون خفيفةً لا تضر تلك الدول. أما إصدار المجلس قراراً يسمح بأعمال عسكرية فهذا بعيد الحدوث وفقاً للمعطيات الدولية المنظورة.