الأول: موضوع العقوبات على إيران:
تعد إيران ثالث أكبر مصدر للخام داخل أوبك بعد السعودية والعراق، وإنتاجها في حدود (4) مليون برميل يوميا من النفط الخام، وستسبب العقوبات نقص تصدير النفط الإيراني وخاصة في تشرين الثاني/نوفمبر حيث تتصاعد العقوبات التي تشمل إيران وكذلك الدول المستوردة للنفط من إيران إذ طالبت أمريكا الشركات خفض استيراد النفط الإيراني أولاً، ومن ثم المباشرة في إلغاء عقودها مع إيران في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، ما قد يؤدي إلى تقليص الصادرات الإيرانية. ولكن يمكن للسعودية زيادة إنتاج النفط إذا اقتضت الضرورة، أي أنها مستعدة لتعويض نقص العرض الإيراني. قال ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان (”نحن نصدر ما يصل إلى برميلي نفط لكل برميل نفط تخلفت إيران عن تصديره في الآونة الأخيرة، بسبب العقوبات الأمريكية، نحن نفي بالتزاماتنا وأكثر من ذلك”. وقال الأمير السعودي إن المملكة تضخ الآن نحو 10.7 مليون برميل نفط يوميا، وهو رقم قياسي، ويمكن أن نضيف 1.3 مليون أخرى، إذا احتاج السوق لذلك... 08/10/2018 https://www.akhbarak.net).
وتعتزم أمريكا يوم 4/11/2018 القادم تصعيد فرض العقوبات على إيران مستهدفة صادرات النفط وتضغط على الحكومات والشركات في أنحاء العالم للامتثال وخفض المشتريات من إيران. فمعنى ذلك أن المعروض من النفط سينخفض في السوق العالمية، وكما يوضح بيان أكثر سبع دول منتجة للنفط السابق ذِكره فإن إيران كانت تنتج أكثر من 4 ملايين برميل من النفط يومياً “وقد انخفض هذا الآن” ويتم تصدير نصف النفط المنتج، ويذهب نحو مليوني برميل إلى الصين والهند وتركيا، ويتوقع ترامب أن تسحب العقوبات بإجراءاتها هذين المليونين، فتريد أمريكا تعويضه عن طريق السعودية ودول أوبك الأخرى لتعويض النقص المتوقع، حتى تتمكن أمريكا من معالجة موضوع إيران بمنأى عن أوروبا وروسيا والصين بعدما أعلنت انسحابها يوم 8/5/2018 من الاتفاق النووي الذي وقعته قبل ثلاث سنوات مع هذه الدول. فهي تعرض عقد اتفاق مع إيران منفردا وقد أعلن الرئيس الأمريكي استعداده لعقد مثل هذا الاتفاق، ولكن يجب تهيئة الأوضاع داخل إيران، وهذه قد تأخذ وقتا... ويريد ترامب خلال هذا الوقت تعويض النقص إلى أن يتمكن من ترتيب اتفاق بين أمريكا وبين إيران دون إشراك أوروبا، فإن بقي النقص دون تعويض ومن ثم ارتفعت الأسعار فهذا سيدخله في مأزق لأنه بنى العقوبات على اعتبار أن نقص النفط الإيراني نتيجة العقوبات سيعوَّض بتهديداته لأوبك وبخاصة السعودية... وبعبارة أخرى فأمريكا تريد أن تعالج موضوع النقص في إمدادات النفط وضمان عدم ارتفاعها إلى أن تحل تلك الإشكاليات مع إيران، لأن ذلك ربما لا يتم سريعا.
وعليه فترامب يلح على أوبك وبالدرجة الأولى السعودية لتعويض النقص الإيراني الذي سيظهر بجلاء في 4/11/2018 هذا بالإضافة إلى النقص الحاصل نتيجة العقوبات في 21/05/2018م التي فرضها ترامب على فنزويلا حتى وإن كانت ذات تأثير أقل فإنتاجها الحالي (تضخ 1,5) مليون برميل يوميا من النفط.
والثاني الانتخابات الأمريكية:
إن ارتفاع أسعار النفط يخلق مشكلة بالنسبة لدونالد ترامب الذي سيخوض انتخابات نصف دورية في تشرين الثاني/نوفمبر، وسيؤثر ارتفاع أسعار النفط على بقاء مؤيديه في مناصبهم، بخاصة أن معظم استطلاعات الرأي تظهر أن الديمقراطيين سيسيطرون على مجلس النواب. ولكي يظهر ترامب للناخب الأمريكي أنه يضع أمريكا في المقام الأول فإنه يضع اللوم ويمارس الضغط على السعودية وأعضاء أوبك لزيادة الإنتاج. وفي الوقت نفسه، تقوم إدارة ترامب بإجبار الصين والهند وتركيا على قطع العلاقات مع إيران والبحث عن النفط الخام في مكان آخر. كما أن ارتفاع أسعار النفط يؤثر في مقدار ما يدفعه المستهلكون الأمريكيون مقابل البنزين. ومع الانتخابات الأمريكية نصف الدورية لن يكون هذا الأمر عامل فوز في التصويت. فالشعب الأمريكي ينظر بحساسية لارتفاع أسعار الوقود، ولا يمكنه أن يقبل بأن تسير حكومته باتجاه رفع أسعار النفط، لذلك يُرجع الرئيس ترامب رفع الأسعار إلى دول الخليج وأوبك ويهاجمهم، ليظهر أمام الشعب الأمريكي بأنه يدافع عن مصالحه، وقادر على الضغط على السعودية وأوبك لتخفيض السعر، وهو مهتم بتخفيض السعر وبخاصة في الفترة الانتخابية الأمريكية، وهذا ضروري اليوم لحاجة الرئيس الأمريكي وحزبه الجمهوري لأصوات الناخبين الأمريكيين في انتخابات التجديد النصفي المزمع عقدها 6 تشرين الثاني 2018، خاصةً وأن استطلاعات الرأي تعطي أفضلية للديمقراطيين.
5- أما لماذا لا زالت أسعار البترول ترتفع رغم تهديد ترامب وضغوطه وتجاوب السعودية، فالسبب أن هناك أطرافاً أخرى في أوبك تتبع أوروبا وتناكف أمريكا، وهناك كذلك روسيا، وهذه الأطراف وخاصة التابعة لأوروبا ليس من السهل أن تستجيب لأمريكا إلا بقدر لا يحقق طموحات ترامب بالسرعة التي يريدها. إن السعودية هي أداة أمريكا الرئيسية داخل أوبك، إلا أن هناك آخرين في أوبك ولهم مصالح معينة ومنهم من يوالي دولا أوروبية كبرى، وربما لا ينصاعون لأمريكا بسهولة، وكذلك هناك دول شركاء لأوبك كروسيا لها مصالح معينة. فلا تستطيع أمريكا أن تفرض إرادتها بالكامل.
وفي محاولة لخفض الأسعار طلب الرئيس الأمريكي زيادة الإنتاج، ومع ذلك لم تتوصل منظمة أوبك وحلفاؤها من المنتجين خلال اجتماعهم في الجزائر يوم 23/9/2018 إلى اتفاق على زيادة إضافية في إنتاج النفط على العكس من دعوة ترامب.
وأما روسيا فقد استطاعت أمريكا خلال 2017 وحتى اليوم استخدام السعودية للضغط على روسيا وإحراجها وجعلها تتجاوب معها في زيادة الإنتاج ومن ثم خفض الأسعار... ولأول مرة يقوم ملك سعودي بزيارة روسيا لحضور اجتماع بين أوبك وبين أعضاء من خارج أوبك وبخاصة روسيا، فقد قام الملك سلمان في تشرين الأول/أكتوبر 2017 بزيارة روسيا، وحضور اجتماع أوبك، ومن ثم بدأت أسعار النفط حينها في الاستقرار فوق مستوى 60 دولاراً للبرميل قبل أن تأخذ في الارتفاع منذ منتصف هذا العام كما بينا فيما سبق، ومع ذلك، كافحت كل من المملكة العربية السعودية وروسيا للوصول إلى متطلبات 2 مليون برميل في اليوم التي طلبها ترامب. وفي الواقع، يشك المحللون المستقلون وكذلك وكالة الطاقة الدولية (IEA) في أن المملكة العربية السعودية وروسيا يمكن أن تضيف 2 مليون برميل في اليوم. وقد قدرت وكالة الطاقة الدولية، وهي المجموعة التي تتخذ من باريس مقراً لها والتي تمثل البلدان المستهلكة، مؤخراً ما أسمته “إمدادات الطلبات القصيرة” من الشرق الأوسط، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، بنحو 1.14 مليون برميل يومياً. ويمكن أن تضيف روسيا ما يصل إلى 400,000 برميل يومياً، كما يقول المحللون. في نهاية المطاف وتحت الضغط المستمر من قبل الولايات المتحدة، توصلت المملكة العربية السعودية إلى اتفاق سري مع روسيا في أيلول/سبتمبر لتعزيز إنتاج النفط. وذكرت رويترز: (”يؤكد الاتفاق على أن روسيا والمملكة العربية السعودية تقومان على نحو متزايد بتقرير سياسات إنتاج النفط قبل التشاور مع بقية الأعضاء في أوبك، وقالت المصادر إن وزير الطاقة السعودي خالد الفالح ونظيره الروسي (ألكسندر نوفاك) اتفقا خلال سلسلة من الاجتماعات على رفع الإنتاج من أيلول/سبتمبر لغاية كانون الأول/ديسمبر، مع ارتفاع سعر النفط الخام نحو 80 دولارا للبرميل. وقال أحد المصادر: وافق الروس والسعوديون على زيادة ضخ النفط إلى السوق بهدوء، حتى لا يبدو أنهم يتصرفون بناء على أوامر ترامب من خلال ضخ المزيد من النفط”. وقال مصدر آخر: “أخبر الوزير السعودي وزير الطاقة الأمريكي (ريك بيري) أن السعودية سترفع الإنتاج إذا طلب زبائنها المزيد من النفط”... www.reuters.com).
ولكن ربما يتساءل أحدهم لماذا ستنضم روسيا إلى أمريكا للحد من ارتفاع أسعار النفط، على الرغم من أن ارتفاع أسعار النفط يصب في مصلحة روسيا؟ وللإجابة عن هذا التساؤل فإن التدقيق في هذه الحقيقة يدل على أن روسيا تؤيد تراوح سعر النفط إلى نحو 65 دولاراً للبرميل، لأن هذا هو سعر التوازن لصناعة النفط الروسية، وارتفاع الأسعار بشكل كبير سيجعل العديد من الدول المستوردة غير قادرة على تحمل شرائه مما يؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار في جانب الطلب، مما سيضر بصناعة النفط الروسية.
على كل، روسيا لا تشكل خطرا كبيرا في هذه المعادلة لكن الذي يؤثر فعلاً هم أعضاء أوبك الموالون لأوروبا فليس من السهل أن ينفذوا ما يطلبه ترامب إلا بضغوط أكبر... ومع ذلك فإن الأرجح أن لا ترتفع الأسعار إلى المئة وبخاصة وأن هذا السعر لا تتحمله الدول المستوردة فيقل الطلب ومن ثم يتوقف الارتفاع ويتراجع... علماً بأن ترامب مهتم بتخفيض الأسعار خلال فترة الانتخابات وملحقاتها أي مع نهاية السنة حيث ليس من المستبعد حينها أن يكون موضوع الاتفاق النووي قد بدأ يتحرك نحو اتفاق جديد ثنائي أمريكي إيراني دون أوروبا، ومن ثم تنتهي ضغوط أمريكا حول زيادة الإنتاج لتبقى الأسعار تدور حول 80 دولاراً للبرميل...
والمؤلم هو أن تستخدم القوى الأجنبية موارد العالم الإسلامي للعب مباريات ضد بعضها البعض، في حين يتّبع حكامنا الرويبضات هذه السياسات بشكل أعمى ومن دون أي احترام لكرامة الأمة. هذا مع العلم أن أغلب احتياطات النفط العالمية مخزنة في الأراضي الإسلامية، سواء أكان ذلك في البلاد العربية أم في إيران أم في أفريقيا كنيجيريا أم في آسيا الوسطى مثل كازاخستان وتركمانستان أم القوقاز كأذربيجان، ولكن واردات النفط في هذه البلاد لا تعود على أهاليها الذين معظمهم يعانون الفاقة والعوز، فالحكام وعائلاتهم وحاشيتهم يستأثرون بها ويهرّبون الأموال إلى الخارج. وعندما طلبت أمريكا من السعودية العام الماضي أثناء زيارة ترامب للسعودية يوم 21/5/2017 مبلغا بمقدار 460 مليار دولار استعد آل سعود لتلبية الطلب ودفع المبلغ. ولهذا فلا ينقذ المسلمين من هذا الوضع المأساوي إلا خليفة راشد كالفاروق عمر بن الخطاب يوزع الثروات على الناس بعدل، فيبدأ بأفقر الناس وينتهي بالخليفة آخر من يأخذ ويأكل. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، رواه البخاري... ومن غش رعيته فعذابه شديد أليم كما قال صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الذي أخرجه الطبراني في الكبير: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ غَاشّاً لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».
هكذا هم رويبضات الحكام لو كانوا يفقهون أو يعقلون!