السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية لكم شيخنا وأميرنا من قلوبنا.
يقول ﷺ: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.
هل يشترط أن تكون الصدقة الجارية هي التي كان أخرجها المتوفى قبل وفاته، أم إن تصدق أبناؤه عن روحه تحسب له؟
سدد الله على الحق خطاكم وأخذ بأيديكم إلى ما فيه عز الأمة.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الحديث هو عن أعمال الميت (انقطع عمله إلا من ثلاث) فهي الصدقة الجارية والعلم المنتفع به والولد الصالح يدعو له...
أما وصول ثواب عمل غيره إليه، فإن هناك أعمالاً عنه من آخرين يصل ثوابها إليه ومنها الصدقة عنه من أبنائه وينوون ثوابها له:
1- قال الشوكاني في نيل الأوطار:
[1488 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يُوصِ، أَفَيَنْفَعُهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ)
1489 - (وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إنَّ أُمِّي اُفْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ نَعَمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
1491 - (وَعَنْ الْحَسَنِ «عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ: فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: سَقْيُ الْمَاءِ» قَالَ الْحَسَنُ: فَتِلْكَ سِقَايَةُ آلِ سَعْدٍ بِالْمَدِينَةِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ)
(بَابُ وُصُولِ ثَوَابِ الْقُرَبِ الْمُهْدَاةِ إلَى الْمَوْتَى)
قَوْلُهُ: (نَفَعَهُ ذَلِكَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا فَعَلَهُ الْوَلَدُ لِأَبِيهِ الْمُسْلِمِ مِنَ الصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ يَلْحَقُهُ ثَوَابُهُ. قَوْلُهُ: (اُفْتُلِتَتْ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَ الْفَاءِ السَّاكِنَةِ وَبَعْدَهَا لَامٌ مَكْسُورَةٌ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ مَاتَتْ فَجْأَةً كَذَا فِي الْقَامُوسِ، وَقَوْلُهُ: نَفْسُ بِالضَّمِّ عَلَى الْأَشْهَرِ نَائِبٌ مَنَابَ الْفَاعِلِ. قَوْلُهُ: (وَأُرَاهَا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ بِمَعْنَى أَظُنُّهَا... قَوْلُهُ: (قَالَ: سَقْيُ الْمَاءِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَقْيَ الْمَاءِ أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ.
وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: “فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْمَاءُ، فَحَفَرَ بِئْراً وَقَالَ: هَذِهِ لِأُمِّ سَعْدٍ” وَأَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُوَطَّأُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّهُ «خَرَجَ سَعْدٌ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ وَحَضَرَتْ أُمَّهُ الْوَفَاةُ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهَا: أَوْصِي، فَقَالَتْ: فِيمَ أُوصِي وَالْمَالُ مَالُ سَعْدٍ؟ فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ سَعْدٌ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الرَّجُلَ الْمُبْهَمَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَوْرَدَ بَعْدَ حَدِيثِ عَائِشَةَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: «إنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ: إنَّ أُمِّيَ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ» وَكَأَنَّهُ رَمْزٌ إلَى أَنَّ الْمُبْهَمَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هُوَ سَعْدٌ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ مِنْ الْوَلَدِ تَلْحَقُ الْوَالِدَيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا بِدُونِ وَصِيَّةٍ مِنْهُمَا وَيَصِلُ إلَيْهِمَا ثَوَابُهَا فَيُخَصَّصُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى﴾ (النجم: 39) وَلَكِنْ لَيْسَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ إلَّا لُحُوقُ الصَّدَقَةِ مِنَ الْوَلَدِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ وَلَدَ الْإِنْسَانِ مِنْ سَعْيِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى التَّخْصِيصِ...]
2- شرح النووي على مسلم (3/ 444)
[1672 - وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّيَ افْتُلِتَتْ نَفْسَهَا وَلَمْ تُوصِ وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ أَفَلَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
وحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ح وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ح وحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ وَلَمْ تُوصِ كَمَا قَالَ ابْنُ بِشْرٍ وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ الْبَاقُونَ.
1672 - قَوْله: (يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أُمِّي اِفْتَلَتَتْ نَفْسهَا)
ضَبَطْنَاهُ: نَفْسهَا وَنَفْسهَا بِنَصَبِ السِّين وَرَفْعهَا، فَالرَّفْع عَلَى أَنَّهُ مَفْعُول مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله، وَالنَّصْب عَلَى أَنَّهُ مَفْعُول ثَانٍ. قَالَ الْقَاضِي: أَكْثَر رِوَايَتنَا فِيهِ بِالنَّصْبِ. وَقَوْله: (اِفْتَلَتَتْ) بِالْفَاءِ، هَذَا هُوَ صَوَاب الَّذِي رَوَاهُ أَهْل الْحَدِيث وَغَيْرهمْ، وَرَوَاهُ اِبْن قُتَيْبَة (اِقْتَتَلَتْ نَفْسهَا) بِالْقَافِ، قَالَ: وَهِيَ كَلِمَة يُقَال لِمَنْ مَاتَ فَجْأَة، وَيُقَال أَيْضاً لِمَنْ قَتَلَهُ الْجِنّ وَالْعِشْق. وَالصَّوَاب الْفَاء. قَالُوا: وَمَعْنَاهُ مَاتَتْ فَجْأَة، وَكُلّ شَيْء فُعِلَ بِلَا تَمَكُّثٍ فَقَدْ اُفْتُلِتَ، وَيُقَال: اُفْتُلِتَ الْكَلَام وَاقْتَرَحَهُ وَاقْتَضَبَهُ إِذَا اِرْتَجَلَهُ.
وَقَوْلهَا: (أَفَلَهَا أَجْر إِنْ تَصَدَّقْت عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ.)
فَقَوْله: (إِنَّ تَصَدَّقَتْ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَة مِنْ (إِنْ) وَهَذَا لَا خِلَاف فِيهِ، قَالَ الْقَاضِي: هَكَذَا الرِّوَايَة فِيهِ، قَالَ: وَلَا يَصِحّ غَيْره، لِأَنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَ عَمَّا لَمْ يَفْعَلهُ بَعْدُ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: أَنَّ الصَّدَقَة عَنْ الْمَيِّت تَنْفَع الْمَيِّت وَيُصَلِّهِ ثَوَابهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاء، وَكَذَا أَجْمَعُوا عَلَى وُصُول الدُّعَاء وَقَضَاء الدِّين بِالنُّصُوصِ الْوَارِدَة فِي الْجَمِيع، وَيَصِحّ الْحَجّ عَنْ الْمَيِّت إِذَا كَانَ حَجّ الْإِسْلَام، وَكَذَا إِذَا وَصَى بِحَجِّ التَّطَوُّع عَلَى الْأَصَحّ عِنْدنَا، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الصَّوَاب إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْم، فَالرَّاجِح جَوَازه عَنْهُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة فِيهِ. وَالْمَشْهُور فِي مَذْهَبنَا أَنَّ قِرَاءَة الْقُرْآن لَا يَصِلُهُ ثَوَابهَا، وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابنَا: يَصِلُهُ ثَوَابهَا، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل. وَأَمَّا الصَّلَاة وَسَائِر الطَّاعَات فَلَا تَصِلُهُ عِنْدنَا وَلَا عِنْد الْجُمْهُور، وَقَالَ أَحْمَد: يَصِلُهُ ثَوَاب الْجَمِيع كَالْحَجِّ.]
وهكذا فالصدقة عن والدك وتنويها له يصله ثوابها إن شاء الله. والله أعلم وأحكم.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
رابط الجواب من المكتب الإعلامي المركزي
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك