Aya

1953

HT logo
  adv search
new email def main site arabic
info office misc wilayat books tahleelat lflts  
                 
 
:::

بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك “فقهي”
جواب سؤال
تغيير الإعراب والتصريف والمعارض العقلي
إلى Abdallah Fakir

السؤال:

شيخنا الكريم حفظه الله وأجرى الله النصر على يديه، السلام عليكم ورحمة الله،
لدي سؤال في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث موضوع “تعارض ما يخل بالفهم”:
عند القول بأن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين إلا بعد شروط عشرة…، ما المقصود بـ”تغيير الإعراب والتصريف والمعارض العقلي”؟
أرجو أن تزودني بأمثلة عن “المعارض العقلي”.
وجزاكم الله خيرا.
أخوكم أبو محمد / النمسا

الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

أولاً: حتى يتضح واقع ما تسأل عنه فإني أنقل ما جاء في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث بهذا الخصوص في باب “تعارض ما يخل بالفهم”:
[الخلل الحاصل في فهم مراد المتكلم يحصل من احتمالات خمسة وهي: الاشتراك، والنقل، والمجاز، والإضمار، والتخصيص؛ لأنه إذا انتفى احتمال الاشتراك والنقل كان اللفظ موضوعاً لمعنى واحد، وإذا انتفى احتمال المجاز والإضمار، أي التقدير، كان المراد باللفظ ما وضع له، وإذا انتفى احتمال التخصيص كان المراد باللفظ جميع ما وضع له، فلا يبقى حينئذ خلل في الفهم، فيفهم حينئذ المعنى المراد من الأدلة السمعية، وهذا بالنسبة لغلبة الظن؛ لأنها كافية في استنباط الحكم الشرعي، أي إنه إذا انتفت هذه الاحتمالات الخمسة لم يبق شيء يخل بالظن، فيفهم الحكم الشرعي. أما لعدم الخلل باليقين وهو ما لا بد منه للعقائد، فلا يكفي نفي هذه الاحتمالات الخمسة وحدها، أي لا يكفي الاستدلال بالدليل السمعي على العقيدة، أي لإفادة اليقين، نفي هذه الاحتمالات وحدها، بل لا بد من أشياء أخرى معها، فإن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين إلا بعد شروط عشرة، وهي هذه الخمسة، وانتفاء النسخ، والتقديم والتأخير، وتغيير الإعراب، والتصريف، والمعارض العقلي. فإذا انتفت هذه العشرة لا يبقى ما يخل باليقين، فيفيد الدليل السمعي حينئذ اليقين، ويستدل به على العقيدة، ومن باب أولى على الحكم الشرعي، فدلالته حينئذ تكون يقينية، يضاف إليها أن يكون كذلك ثبوته يقينياً.] انتهى النقل من كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث.

ثانياً: سبق أن أجبت في 27/02/2010م على سؤال قريب من سؤالك، ولمزيد من الفائدة فإني أنقل لك جوابي المشار إليه حيث فيه الجواب على سؤالك وزيادة:

[... إن بعض فقهاء اللغة يفصلون بين الإضمار والمجاز، فيقصرون المجاز على ظهور اللفظ ولكن بالمعنى غير الحقيقي، مثل ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً﴾، فلفظ الخمر ذُكر ولكن المقصود به العنب، وليس المعنى الحقيقي للخمر الذي هو العنب المعصور المُخَمَّرْ.
ومثل ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾، فلفظ الأصابع ذُكر، ولكنّ المقصود به هو رؤوس الأصابع وليس المعنى الحقيقي للفظ الأصابع الذي يشمل كل الإصبع وليس طرفه، وهكذا، فالمجاز هو عندهم فقط اللفظ المنطوق بغير معناه الحقيقي.

وأما الإضمار فأَن يُحذف اللفظ الذي يعطي المعنى الحقيقي، ويظهر أحد متعلقاته لإعطاء المعنى غير الحقيقي مثل ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾، فالمحذوف هو “أهل” وهو الذي يعطي المعنى الحقيقي، وأما المذكور المتعلق به “القرية” فهو الذي يعطي المعنى غير الحقيقي، فالسؤال ليس للقرية وإنما لأهلها، وهكذا يجعلون الإضمار غير المجاز وفق هذا الاعتبار.

وإنما الراجح هو أنهما واحد، لأن استعمال اللفظ في غير الحقيقة هو المجاز، فسواء قدَّرت له محذوفاً ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ أم لم تقدّر ﴿أَعْصِرُ خَمْراً﴾، ﴿أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾، فإن اللفظ الظاهر لم يستعمل في حقيقة المعنى، فالقرية أي مبانيها، لم تُسأل وإنما سئل أهلها، والخمر لم يعصر وإنما عُصر العنب، والأصابع لم تدخل الأذن وإنما الذي دخل طرفها.

هذا هو الموضوع.

أما لماذا ذكرناها خمسة وليس أربعة مع أننا نضع الإضمار في باب المجاز، ونرجح أنهما من الباب نفسه، فلأن البحث هو “ما يخل بالفهم”، وكلما كان الأمر أكثر دقة وتفصيلاً كان أبعد عن الإخلال بالفهم، فكان التمييز في الإضمار والمجاز، بين الحذف وعدم الحذف، هو أكثر دقة وأكثر وضوحاً.

أما عن الخمسة التي يجب أن تتوفر بإفادة اليقين، فالأمر كما يلي:

ما دام المطلوب من الدليل السمعي هو اليقين، فيجب أن يكون مقطوع الدلالة “وبطبيعة الحال قطعي الثبوت، إلا أن البحث هو في فهم مراد المتكلم فهو يتعلق بالدلالة”، وحتى تكون الدلالة مقطوعا بها يجب أن يكون الدليل السمعي غير معرض للاحتمال، فإذا كان النص محتمل النسخ فلا يمكنك أخذ دلالة قاطعة منه قبل أن تتأكد من أنه غير منسوخ، وهكذا إذا كان فيه تقديم وتأخير، أو تغير في الإعراب، أو التصريف والاشتقاق، أو له معارض عقلي.

وأمثلة ذلك:

1- النسخ، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، فهل يمكنك أن تأخذ منها حكم النجوى إذا لم تتأكد من أن النسخ منتفٍ عنها؟ الجواب واضح لأنها منسوخة...
2- التقديم والتأخير، يقول تعالى في الآية 142 من سورة البقرة: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، ويقول سبحانه في الآية 144: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ...﴾.

وواضح أن هناك تقديماً وتأخيراً، فهو أولاً قوله تعالى ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾، وبعد أن ولاّه الله سبحانه شطر المسجد الحرام، قال السفهاء من الناس ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ﴾، فإذا سمعت الآية الأولى ولم تدرك التقديم والتأخير فإنه سيصعب عليك فهم مدلول الكلام، فكيف سيقول السفهاء من الناس ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ﴾، وبعد ذلك تسمع الآية التالية ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾؟ وإذن ما لم ينتف التقديم والتأخير في النص فلا يمكنك فهم المراد.

3- وأما تغيير الإعراب، يقول تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ...﴾، فاختلاف الإعراب بين كون الواو عاطفة أم استئنافية يجعل المعنى مختلفاً وهذه موضحة في الشخصية الثالث.

4- وأما التصريف، يقول سبحانه: ﴿قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾.

فهنا كلمة “صُرهن”، فهي إما من صار يصور، أو صار يصير، وبالتالي فقد قُرِئت “فصُرهن” بالضم عن حفص، وقرئت “فصِرهن” بالكسر عن حمزة وكلاهما متواترتان، فإذا لم تعرف كيف تتعامل مع التصريف فلا يمكنك فهم الآية لأن الكلمة هنا لها تصريف مختلف. ولكن عندما تعرف التصريف تفهم المراد، فتقول:

(فصرهنّ) بالضم بمعنى قَطَعَه أو أماله.

وبالكسر بمعنى القطع كما قال الفراء.

ولأن القراءتين متواترتان والمعنى واحد، فيكون المعنى المحكم بين القراءتين هو “القطع”، ويكون معنى “فصُرهن” أي اذبحهن وقَطِّعهن أجزاء.
5- المعارض العقلي، يقول تعالى: ﴿ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾، إن “كل شيء” لفظ عام، فإذا لم تُدرك أن هذا مخصص بالعقل في غير الله سبحانه، فإنك لا تدرك المطلوب، لأن الله سبحانه هو الخالق وليس ضمن المخلوقات، أي ليس ضمن “كل شيء” في هذه الآية، وهذه المعارضة التي اقتضت التخصيص هي معارضة عقلية، فإذا كان النص فيه معارضة عقلية، فإنك لا تدرك مدلول النص دون فهم هذه المسألة.

والخلاصة: إنك لا تصل إلى مراد المتكلم بالقطع إلا أن تزيل احتمال النسخ، تغيير الإعراب، التقديم والتأخير، التصريف، المعارض العقلي، وبعبارة أخرى فإذا واجهك نص، فإنك لن تستطيع فهم المراد من ألفاظ النص وحده إلا إذا انتفت منه تلك الخمسة، “وبطبيعة الحال الخمسة التي سبقتها” فإن لم تنتف منه فلا يمكنك فهم المراد من ألفاظ النص وحدها إلا بجمعها مع متعلقاتها من الخمسة المذكورة.

وبعبارة أوضح:

* إذا واجهك نص وانتفى منه النسخ، فإنك تفهم المراد من ألفاظه وحدها، أما إن لم ينتف النسخ فلا يمكن أن تفهم المراد من ألفاظ النص وحدها إلا بضمها مع الناسخ.
* وإذا واجهك نص وانتفى منه التقديم والتأخير، فإنك تفهم المراد من ألفاظه وحدها، أما إن لم ينتف التقديم والتأخير فلا يمكن أن تفهم المراد من ألفاظ النص وحدها إلا بإعادة التقديم والتأخير إلى أصله.
* وإذا واجهك نص وانتفى منه تغيير الإعراب، فإنك تفهم المراد من ألفاظه وحدها، أما إن لم ينتف فلا يمكن أن تفهم المراد من ألفاظ النص وحدها إلا بحل إشكال الإعراب.
* وإذا واجهك نص وانتفى منه تغيير التصريف، فإنك تفهم المراد من ألفاظه وحدها، أما إن لم ينتف فلا يمكن أن تفهم المراد من ألفاظ النص وحدها إلا بحل إشكال التصريف.
* وإذا واجهك نص وانتفى منه المعارض العقلي، فإنك تفهم المراد من ألفاظه وحدها، أما إن لم ينتف فلا يمكن أن تفهم المراد من ألفاظ النص وحدها إلا بحل إشكال المعارض العقلي.
وخلاصة الخلاصة: ما ورد في كتابنا في باب ما يخل بالفهم: “... فإن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين إلا بعد شروط عشرة، وهي هذه الخمسة، وانتفاء النسخ، والتقديم والتأخير، وتغيير الإعراب، والتصريف، والمعارض العقلي...” هو في مكانه من حيث إفادة اليقين.. 27/02/2010م.] انتهى.
إني لآمل أن يكون الأمر قد اتضح لك.

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

رابط الجواب من المكتب الإعلامي المركزي
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك:

 

23 محرم الحرام 1445هـ

 
10/08/2023م
 



إقرأ أيضا:-