السؤال:
بعد إذنكم أريد أن أسأل بنسبة للرزق، هل السعي يزيد من كمية الرزق المكتوب؟ يعني الشخص الجالس في بيته رزقه هو نفسه لو كان يعمل، أو بطريقة أخرى الإعلان أو الترويج للعمل يزيد من كمية الرزق المكتوب؟ وشكرا. أرجو الإجابة بأسرع وقت إن أمكن، وحفظ الله شيخنا وأطال بعمره.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
يبدو أن عندك شيئاً من الالتباس في موضوع الرزق والسعي... على كلٍ هذا الأمر موضح، وبخاصة في الكراسة، ويمكنك الاطلاع عليه فهو مستوفى هناك، ولكنني سأوجز لك بعضه:
[وأما مسألة الرزق فإن الآيات الكثيرة القطعية الدلالة لا تدع مجالاً لمن يؤمن بالقرآن إلا أن يؤمن بأن الرزق بيد الله يعطيه من يشاء. ومسألة الرزق غير مسألة القدر، فإن القدر هو أن الله يعلم أن الأمر الفلاني سيقع قبل وقوع ذلك الأمر فيكون قد كتب وقد قدَّر، أما الرزق فإنه ليس فقط أن الله يعلم أن فلاناً سيرزق، فيكون قد كتب وقدَّر، بل هو إلى جانب ذلك، أي إلى جانب كونه قد قدّر الرزق، فإن الرازق هو الله وليس العبد، هذا ما تدل عليه الآيات: ﴿لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ سورة طه، ﴿وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ سورة المائدة،...
فهذه الآيات قطعية الدلالة بأن الله هو الرازق، وأنه يرزق من يشاء، وأنه هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء، ويقدر له، ففيها كلها نسبة الرزق إلى الله، وفيها أن لا رازق غيره، ما يدل على أنه هو الذي يرزق، وهو إسناد حقيقي...
فتكون نسبة الرزق إلى الله نسبة حقيقية، وعلاوة على هذا فإنه لم يرد نسبة الرزق إلى الإنسان بأنه هو الذي يرزق نفسه، لا في آية ولا في حديث، بل جاءت نسبة الرزق في كل النصوص إلى الله تعالى، وأما ما ورد من نسبة الرزق لإنسان يعطي غيره، فإن المراد منها ادفعوا لهم المال وليس المراد فعل الرزق، فمثلاً قال تعالى: ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ﴾ سورة النساء 5، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ﴾ سورة النساء 8، فإن المراد بالآية الأولى ادفعوا لهم طعاماً، وبالآية الثانية فادفعوا لهم من هذا الرزق الذي أصابكم فهو أمر بأن يدفعوا لهم من الرزق، وليس هو نسبة الرزق إليهم، ولم ترد نسبة الرزق بمعنى فاعل الرزق إلا لله تعالى فتجد في آيات يقول: ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ﴾ سورة الأنعام 151، وفي آيات يقول: ﴿وَرِزْقُ رَبِّكَ﴾ سورة طه 131، وفي آيات آخرى يقول: ﴿كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللهِ﴾ سورة البقرة 60، ففيها كلها يجعل نسبة فعل الرزق لله، ويسنده إليه، وهذا يعطي المعنى الذي لا يقبل التأويل، وهو أن الله وحده هو الرزاق، وأن الرزق بيد الله.
وبناء على هذا فإنه يجب الإيمان بأن الله هو الذي يرزق الخلق، لأن الدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة، فالإيمان به فرض والكفر به كفر، فمن لا يؤمن بأن الله هو الرزاق فقد كفر والعياذ بالله.
هذه هي مسألة الرزق من حيث الإيمان، ومن حيث الدليل. غير أن الله تعالى إلى جانب أمره بالإيمان بأنه هو الرزاق أمر الإنسان بالسعي لتحصيل هذا الرزق، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ﴾ سورة الملك 15، وقال تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ﴾ سورة الجمعة 10، فأمر في هاتين الآيتين بالسعي لطلب الرزق، فإذا قرن هذا الأمر بالسعي لطلب الرزق بالآيات التي تنص على أن الله هو الرزاق، يتضح معنى كون الله هو الرزاق، ويشرح بذلك معنى الإيمان بأن الله هو الرزاق. فالآيات الأولى تقطع كلُّها بأن الله هو الرزاق، أي هو الذي يعطي الرزق وليس الإنسان، وهاتان الآيتان تأمران بالعمل للحصول على رزق الله...
والواقع أن السعي ليس سبباً للرزق، وذلك لأن السبب يُنتج المسبَّب حتماً، والمسبَّب لا ينتج إلا عن سببه فالسكين سبب القطع، فهي التي تقطع، والنار سبب الإحراق، فهي التي تحرق، فلا يحصل قطع بغير سكين، أي بغير آلة حادة، ولا يحصل إحراق بغير نار، أي بغير مادة تحرق. هذا هو السبب، ولو كان السعي لطلب الرزق كذلك لكان سبب الرزق، ولكان الواقع أن السعي هو الذي يأتي بالرزق، كما أن السكين هي التي قطعت، والنار هي التي أحرقت، لكن السعي لطلب الرزق ليس كذلك، أي ليس كالسكين بالنسبة للقطع، ولا كالنار بالنسبة للحرق، لأنه قد يحصل السعي لطلب الرزق ولا يحصل الرزق، وقد يحصل الرزق دون أن يحصل سعي لطلبه، أي قد يحصل السبب ولا يحصل المسبَّب، وقد يحصل المسبَّب عن غير سببه، بل ربما من غير سبب من الأسباب، وهذا يدل دلالة قطعية على أن السعي ليس سبباً للرزق.
والأمثلة على ذلك في واقع الحياة كثيرة كثرة مستفيضة، فالتاجر الذي يسعى للربح وتكون نتيجة تجارته خسارة أو عدم ربح، قد حصل منه السعي ولم يحصل الرزق، أي وجد السبب ولكنه لم ينتج المسبَّب، وبما أنه لم ينتج فإنه لا يكون سبباً، لأن السبب ينتج المسبب حتماً...
وأيضاً فإن الوارث للمال قد جاءه الرزق دون أن يسعى إليه، فلو كان السعي هو سبب الرزق لما حصل المال دون سعي، لأن المسبَّب لا يَنْتُج إلا عن سببه الذي يتسبب عنه، فحصول المال بالميراث دون سعي دليل على أن السعي ليس سبباً للرزق، إذ حصل الرزق دون وجود السعي...
فهذا كله يثبت بشكل قطعي أن السعي لطلب الرزق ليس سبباً للرزق، أي ليس هو الذي جاء بالرزق، فهو ليس كالسكين التي هي قد فعلت القطع، وليس كالنار التي هي قد فعلت الحرق، فلا يكون هو الذي جاء بالرزق لأنه ليس سبباً له...]
وهكذا فإن الرزاق هو الله سبحانه وهذا من العقيدة، ولكن السعي هو حكم شرعي، فإن سعيت حصلت على رزقك الذي قضاه الله لك وحصلت على ثواب السعي لطلب الرزق، وإن لم تسع فتحصل على الرزق الذي قضاه الله لك ولكنك تكون خالفت الحكم الشرعي لأنك لم تسع كما أمرك الله.
وفي ذلك الكفاية إن شاء الله.. وكما ذكرت لك آنفاً فالموضوع بتمامه مذكور في الكراسة، فإذا أشكل عليك شيء فيمكنك الرجوع إلى الكراسة ففيها الكفاية والله معك.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
رابط الجواب من المكتب الإعلامي المركزي
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على: الفيسبوك