السؤال: من المعروف أن حركة العدل والمساواة هي محسوبة على فرنسا، فكيف إذن تجتمع في قطر مع الحكومة السودانية، ويُعلن اتفاق حسن النوايا؟ ثم ما هو موقف الدول ذات العلاقة وردودها حول هذا الاتفاق؟ وهل يعني ذلك أن أمريكا وأوروبا في الطريق إلى التوصل إلى حل وسط بخصوص اتهام البشير؟
الجواب:
1- نعم، لقد جرت محادثات بين حكومة السودان وحركة العدل والمساواة على مدى ثمانية أيام، وقد تم التوصل في الدوحة بتاريخ 17/2/2009 بين الطرفين إلى ما يسمى باتفاق حسن النوايا وبناء الثقة.
وقد نص الاتفاق على ضرورة جلوس الطرفين معا لإجراء محادثات سلام وانجاز اتفاق لحل أزمة دارفور في موعد أقصاه ثلاثة أشهر. ومن بنود الاتفاق أن يعود الطرفان إلى التفاوض خلال أسبوعين.
2- وأما ردود الفعل الدولية فقد صرحت سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة بقولها:” من المحتمل أن يكون (الاتفاق) خطوة متواضعة باتجاه السلام”. فهذه لهجة تأييد للاتفاق. وعندما سئلت هذه السفيرة عن علاقة مصير البشير وهذا الاتفاق، قالت للصحفيين:” أنا لا أرى أية علاقة”. (الشرق الأوسط 18/2/2009)، أي حاولت أن تنفي أن هذا الاتفاق عقد لإنقاذ البشير، لان الكل فهم ذلك. فان محكمة الجنايات الدولية من المحتمل أن تصدر خلال هذا الأسبوع قرارها بشأن البشير.
فتهديد محكمة الجنايات الدولية منذ أشهر للبشير هو محاولة ضغط من الأوروبيين حتى يتوصلوا مع الأمريكيين إلى حل وسط يرضيهم. فتأتي محادثات الدوحة في هذا الإطار. ويظهر انه خطوة أولى نحو إيجاد صيغة حل وسط أو اتفاق يرضي الأوروبيين بجانب الأمريكيين في السودان.
وقد رحب سكرتير الأمم المتحدة كي مون، كما رحب رئيس مجلس الأمن الدولي الحالي وهو السفير الياباني يوكيو تاكاسو بذلك وقال عنه:” انه خطوة في الاتجاه الصحيح لإنهاء الصراع في دار فور”. (الجزيرة 18/2/2009)، والترحيبان يصبان في الخانة الأمريكية.
ولم يصدر من فرنسا الفعالة في هذه القضية أية ردة فعل على هذا الاتفاق، فكأنها تنتظر صدور أو استصدار قرار محكمة الجنايات الدولية في الأيام القليلة القادمة. إلا أن السفير السوداني لدى الأمم المتحدة عبد المحمود عبد الحليم انتقدها قائلا:
“إنها أي فرنسا ما زالت تتمسك بواحد من قادة المتمردين(عبد الواحد) في فندق من خمس نجوم وهو يطلق تصريحات نارية ويفسد عملية السلام”. وقال هذا السفير:” إن الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي قد ابلغ البشير في اجتماع شارك فيه (أي هذا السفير) عن ترحيل عبد الواحد من فرنسا إذا لم ينخرط في عملية السلام”. (الشرق الأوسط 18/2/2009) مما يعني أن فرنسا تريد إن تتوصل مع البشير إلى حل وسط تشارك فيه الحركات التي تدعمها.
وما يسمى بحركة العدل والمساواة محسوبة على فرنسا ومدعومة من طرفها، فقبولها بإجراء المحادثات، لا يمكن أن يتم إلا بموافقتها.
“والمؤلِّف” بين الطرفين والمستضيف لهما هم عملاء الانكليز في قطر، مما يدل على ان الانكليز راغبون في ذلك لتحقيق بعض المكاسب لهم في هذه القضية.
3- واذا ما صدر قرار محكمة الجنايات الدولية بشكل سلبي اي المطالبة باعتقال البشير لمحاكمته، فمن المتوقع أنه سيجري العمل في مجلس الامن باستخدام المادة 16 التي تنص على تجميد تطبيق قرار محكمة الجنايات الى سنة قابلة للتجديد، وبخاصة وأن دولاً مثل روسيا والصين ستؤيد هذا علانية، بالإضافة إلى ما تقوم به أمريكا مباشرة أو غير مباشرة عن طريق عملائها.
ولقد نشط عملاء امريكا وعلى رأسهم مصر في هذا الاتجاه، فقد قال ابو الغيط في لقائه مع البشير:” نحن نتحرك وسط اعضاء مجلس الامن ونسعى لتنفيذ المادة 16 من القانون الاساسي لمحكمة الجنايات لتوقيف اي اجراء ضد السودان والرئيس البشير.” واشار الى:” ان زيارة الرئيس مبارك الى فرنسا وايطاليا وزيارته هو، اي “ابو الغيط”، الى واشنطن ولقاءَه بوزيرة الخارجية الامريكية تصب في ايجاد حل لازمة دارفور.” (الجزيرة 15/2/2009)، وساركوزي يدرك قيمة مصر مبارك بالنسبة له، وظهر ذلك في موضوع غزة حيث إن اليهود لم يعطوا لمبادرة ساركوزي شأناً، وأعطوا للمبادرة المصرية قيمة، ومع أن ساركوزي اظهر كأنه اصدرها هو وحسني مبارك فسماها المبادرة المصرية الفرنسية، إلا أن الآخرين، وبخاصة اليهود، رفضوا هذه التسمية وسموها بالمبادرة المصرية. وبذلك جاء حسني مبارك يَمُنّ على ساركوزي حتى يتنازل الاخير عن استصدار هذا القرار عن طريق محكمة الجنايات الدولية.