3- طاجاكستان: إن الوضع السياسي في طاجاكستان هو أشبه ما يكون بالوضع السياسي في قرغيزستان فرحمانوف رئيس طاجاكستان ولاؤه لروسيا وهو يذكر فضلهم عليه لحماية عرشه، ولكنه يؤمِّن لأمريكا مصالحها حتى لا تثير القلاقل ضده، فلها أعوان كثر في طاجاكستان ولكنهم حتى اللحظة ليسوا في وضع يمكنهم من تغيير النفوذ الروسي فتكتفي أمريكا الآن بتحقيق مصالحها... على الأقل في المدى المنظور.
لقد تركز الحكم للرئيس الحالي إمام علي رحمانوف في طاجاكستان بفضل مساعدة القوات الروسية بعد حرب أهلية دامت من 1992 حتى 1997 واستطاع أن يتوصل مع الحركات التي كانت تقاتل ضده مثل الحركة الشعبية، وحزب النهضة الإسلامي، إلى اتفاق على أن تجري انتخابات وتكون فترة الرئيس لفترة واحدة مدتها خمس سنوات وبعد ذلك تجري انتخابات حرة. ولكن رحمانوف زاد مدة بقائه في الفترة الأولى إلى سبع سنيين. ثم أجرى استفتاء على تعديل الدستور ليبقى في الحكم حتى عام 2020 وقد اندلعت الاضطرابات عام 2001 على اثر ذلك التعديل، وقد ساعدته روسيا ضد تلك الاضطرابات وأمنت له حكمه.
كما أن روسيا في عهد بوتين قد عززت من علاقاتها برحمانوف، فاستطاعت روسيا أن تقيم قاعدة عسكرية ثانية لها في طاجاكستان في آب/أغسطس 2008 على بعد عشرين كم من العاصمة دوشنبه، مع العلم أن لروسيا قاعدة عسكرية كبيرة في طاجاكستان يمتد تاريخها إلى عام 1943 يطلق عليها القاعدة رقم 201. وللروس أيضا محطة “أوكنو” في طاجاكستان لمراقبة الأقمار الصناعية والصواريخ البالستية. وقد وافقت طاجاكستان في حزيران/يونيو 2008 على تمليكها لروسيا لمدة 49 عاما. فطاجاكستان مهمة جدا لروسيا من ناحية إستراتيجية، فتتمسك بها وتحاول أن تحافظ على وجودها فيها. ولذلك تؤيد رحمانوف ونظامه بشكل علني لتأمينه كل هذه الإمكانيات لها في طاجاكستان. وتحاول أن تربط طاجاكستان اقتصاديا بها لإبقاء سيطرتها مستمرة فيها. فرحمانوف يذكر فضل الروس عليه لمساعدتهم له وتمكينه من الحكم وتثبيته فيه. وقد أشرك بلاده في معاهدة الأمن الجماعي التي تديرها روسيا، ووافق على الاشتراك بقوات الرد السريع بقيادة روسيا. وكثير من الناس في طاجاكستان يعتمدون على التحويلات المالية لأبنائهم العاملين في روسيا، حيث يبلغ عددهم نصف مليون من بلد تعداده 7 ملايين. وطاجاكستان هي عضو أيضا في منظمة شنغهاي التي تديرها روسيا بمساعدة الصين. وقد أجرت مؤخرا روسيا والصين باسم منظمة شنغهاي مناورات حربية في طاجاكستان بتاريخ 18/4/2009.
ومع ذلك فإن رحمانوف يتصرف مثل باكاييف بموافقة روسية على أن لا يستفز أمريكا، بل يحقق لها من المصالح ما يسكتها عن القيام بتحركات ضده، ولهذا فإنه كما سمح للشركات الروسية القيام بمشاريع تصل قيمتها إلى 2,5 مليار دولار، فقد سمح أيضاً للشركات الأمريكية والأوروبية وكذلك سمح للصينيين القيام بمشاريع وبأعمال تجارية في طاجاكستان. وقد عرض رحمانوف على أمريكا استخدام مطارات بلاده... وكذلك فقد سمح مؤخرا بتاريخ 20/2/2009 بمرور الإمدادات الأمريكية عبر أراضيه إلى أفغانستان عن طريق استخدام السكك الحديدية الطاجيكية، وقد صرح بذلك نائب قائد القوات الأمريكية الأميرال مارك هارنيتشيك الذي زار طاجاكستان:” نعتزم شحن ما بين خمسين إلى مائتي حاوية أسبوعيا من أوزبكستان إلى طاجاكستان ثم إلى أفغانستان. إن طاجاكستان مهمة للغاية نظرا لأنها الأقرب إلى قواعدنا”، (الجزيرة 20/2/2009). وكل ذلك لأن رحمانوف يدرك أن لأمريكا قوى في طاجاكستان بإمكانها أن تؤثر في حكمه إذا لم يُطَمْئن أمريكا على مصالحها عنده، ومن ثم تقوم بتحريك أتباعها بجد وفاعلية.
ومن الجدير ذكره أن هناك إلى حد ما توجهاً شعبياً وحزبياً في طاجاكستان يدعو لفك الارتباط بروسيا، وهناك قوى في الجيش وفي النظام تدعو لذلك، ورحمانوف يدرك هذا الأمر، ولذلك فإنه كما يقوم بترضية أمريكا وتطمينها على مصالحها لإسكاتها، فهو كذلك يقوم بإرضاء التوجه الشعبي ضد روسيا، لذلك فقد قام بتحركات علنية يُظهر فيها البعد نسبياً عن روسيا، حيث دعا قائد حرس الحدود الطاجيكي بشكل علني لسحب القوات الروسية من بلاده. وأوقفوا بث القنوات الناطقة بالروسية في طاجاكستان وجعلوا اللغة الطاجيكية هي الرسمية دون الروسية، ومع أن هذه الإجراءات أثارت حساسية مع روسيا، إلا أن رحمانوف لازال أقرب إلى روسيا، كما بينا في بداية الحديث عن طاجاكستان.
إن طاجاكستان مهمة إستراتيجياً لموقعها المتاخم لأفغانستان فجبالها في القسم الجنوبي الشرقي متصلة بجبال أفغانستان مباشرة، و طول حدودها مع أفغانستان نحو 1206 كم، وكذلك فإن حدودها مع الصين تبلغ نحو 414 كم، فأهميتها من هذه الناحية كأهمية قرغيزيا في محاذاتها للصين، ولذلك، فان أمريكا لن تهملها، والمتوقع أن تعمل على كسبها في أية فرصة سانحة.
4- تركمنستان: كانت في عهد الرئيس السابق “صابر مراد نيازوف” توالي روسيا وتتجه نحوها في غالب سياساتها، ولكن الرئيس الحالي “قربان جولي بيردي محمدوف” الذي تولى الحكم بعد “نيازوف” في كانون أول 2006، صار يعمل على السير في سياسة أكثر انفتاحا وتقربا للغرب وعلى الخصوص تقربا لأمريكا. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2007 استضاف قمة جمعت مسئولين أمريكيين وأوروبيين في قطاع الطاقة ومديري شركات بي بي وشيفرون بجانب شركات روسية. فأراد أن يعبر لهم انه يريد أن يتعامل مع الجميع، وهذا ما ظهر من الاتفاقيات التي عقدها مع الجهات المختلفة:
*ففي أيار/مايو2007 وقعت روسيا اتفاقا مع تركمنستان وكازاخستان لبناء خط أنابيب جديد يسمح بإبقاء إمدادات الغاز من أسيا الوسطى تحت سيطرة شركتها “غاز بروم” لتحتكر تصدير معظم الغاز من تركمنستان. فعد بوتين ذلك انتصارا لروسيا فقال:” إن هذا الاتفاق يمثل انتصارا لروسيا التي تشتري الغاز من تركمنستان بسعر اقل مما هو مطروح في الأسواق”، (الإذاعة البريطانية17/5/2007). وقد كان الرئيس التركماني السابق نيازوف الذي رأس تركمنستان عقدين من الزمان، كان حاصراً احتكار الغاز في بلاده للروس وحدهم ومانعاً له عن غيرهم، ولهذا فإن روسيا حاليا، على أثر الاتفاقات السابقة، تشتري 90% من غاز تركمنستان بما يعادل حوالي 50 مليار متر مكعب سنويا. وتشتريه منها بسعر 100 دولار لكل 1000 متر مكعب غاز وتبيعه لأوروبا بثمن يصل إلى 250 دولار بل أكثر من ذلك في فصل الشتاء ليصل إلى 345 دولار. وكانت تشتريه منها في عهد نيازوف بسعر 35 دولار إلى أن رفع إلى سعر 70 دولار، ثم إلى 100، فروسيا كانت تحقق أرباحا هائلة من غاز المسلمين في تركمنستان. ومع أن السعر قد رفع هما كان ابتداءً إلا أن روسيا ما زالت تحقق أرباحا كبيرة من هذه الثروة الغازية.
*وفي المقابل وافق محمدوف مبدئيا على بناء خط أنابيب غاز بحر قزوين في مشروع تدعمه أمريكا والهدف منه تقليل اعتماد أوروبا على إمدادات الغاز الروسية. وهو الخط الذي وقع على إنشائه مؤخرا الأمريكيون والأوروبيون في تركيا وسمي بخط نابوكو (نبوخذ نصر). جيث يمتد من تركمنستان إلى أذربيجان ليصب في أنابيب خط نابوكو عبر تركيا إلى أوروبا. فقد نقلت رويترز بتاريخ 24/4/2009 عن مسئول أمريكي لم تسمِّه قوله:” إن تركمنستان المورد المحتمل الكبير الآخر لمشروع نابوكو الذي يسانده الاتحاد الأوروبي. ولكنها تطالب بروكسل بتقديم مقترحات ملموسة بشأن تنفيذه”.
*والصين لها نشاط في هذا المجال، فقد زار الرئيس الصيني هو جين تاو تركمانستان في نيسان/ابريل 2006 في عهد الرئيس السابق نيازوف الذي كانت علاقته مع روسيا والصين قوية ومتحالفة، وتعهد الرئيس الصيني يومئذ بشراء 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويا من تركمنستان، ومدت الصين خط أنابيب غاز من نهر أموداريا في شرق تركمنستان حتى يصل إلى الصين. وقد أعلن مؤخرا وبالتحديد بتاريخ 30/8/2009 عن أن الصين ستقوم بتطوير حقل غاز في تركمنستان من قبل إحدى شركاتها وهي شركة بتروتشينا بمقدار 3 مليار دولار. وصارت الصين تقرض تركمنستان بمئات ملايين الدولارات لمساعدتها في تطوير صناعتها بسبب مطامعها في ثروتها الهائلة. وقد وصل حجم إنتاج تركمنستان من الغاز عام 2006 إلى 62,2 مليار متر مكعب سنويا، وسيرفع ليصل إلى 120 مليار متر مكعب حتى عام 2010.
*فإغراءات أمريكا وأوروبا لتركمنستان من أنها ستبيع بنفسها مباشرة لأوروبا الغاز بهذه الأثمان عن طريق خط نابوكو الذي سيكون جاهزا للاستخدام عام 2014، فيكون هذا الربح لها وليس لروسيا يغري تركمنستان لتنجذب لأمريكا وللغرب. ولكون تركمنستان دولة صغرى فلا تستطيع أن تبتز أوروبا أو تضغط عليها كما تفعل روسيا بل ستصبح تحت رحمة أمريكا وأوروبا بعد تنفيذ خط أنابيب غاز قزوين. عدا أن خط نابوكو سيجلب الغاز من بلاد عدة، ولكن سيكون لأمريكا اليد الطولى فيه عندما تسيطر على مصادر الغاز. فتركمنستان لديها احتياطي كبير من الغاز يصل تقديره إلى 100 تريليون متر مكعب فهي أهم واكبر منتج في هذا المجال في تلك المنطقة، بل على مستوى العالم. وكذلك لديها احتياطي هام من النفط يصل تقديره إلى 80 مليار برميل. إلا أن النفط حاليا لا يستخرج منها بكميات كبيرة فإنتاجها منه لا يتعدى 200 ألف برميل يوميا. ولكن يخطط لان يصل الإنتاج في المستقبل إلى 2 مليون برميل يوميا.
وبالنسبة لأمريكا فان قسما من إمدادات النفط لمعداتها الحربية في أفغانستان يأتي من تركمنستان. بجانب انه يوجد خط أنابيب “ترانس أفغانستان” للغاز ممتد من تركمنستان إلى أفغانستان ينقل 1,1 مليار متر مكعب سنويا إلى هناك. فأصبحت تركمنستان من هذه الناحية أيضا مهمة بالنسبة لأمريكا. عدا عن هدفها في السيطرة على كافة منابع النفط والغاز في تركمنستان، بل في العالم كله لتتحكم فيه ولتبقي هيمنتها عليه ولتبقيه في قبضتها حتى تحافظ على مركزها العالمي كدولة عظمى أولى ولتقلل أو تزيل تأثير الدول الكبرى كروسيا أو غيرها، هذا إضافة إلى تحقيق الأرباح الهائلة في مجال الطاقة. ولهذا تقوم أمريكا وتركز على تركمنستان لكونها إحدى منابع النفط والغاز الضخمة التي تعتمد عليها روسيا لتأخذه منها، أو تحوز على حصة الأسد منه. فتصبح متحكمة به أي بمورديه وبمستورديه. فتقوم هي بتوريده لأوروبا بدل روسيا لتبقي أوروبا تحت رحمتها وهيمنتها، وكذلك لتُضعف موقف روسيا وتحالفها مع أوروبا. فلغز تركمنستان هو الصراع على ثروتها الغازية، وفي المستقبل سيكون لنفطها دور رئيس في الصراع.
ومع كل هذا، فإنه ما زالت لتركمنستان روابط اقتصادية كبيرة مع روسيا، فلم تستطع أن تتخلص منها بعد. وأمريكا تحوم حولها لتصطادها وتخرجها من دائرة هذا التأثير الروسي، وروسيا تدرك ذلك، فإنها عندما طالبت تركمنستان برفع أسعار الغاز لبَّت روسيا ذلك على الفور خوفاً من أن تتجه اتجاها آخر في التعامل معها، فتلجأ لأمريكا والغرب ليعينوها في ذلك ضد روسيا. ومشروع نابوكو الذي سيحول كثيرا من غازها إلى أوروبا بعيدا عن روسيا وسيلة لإخراج تركمنستان من دائرة التأثير الروسي. والجدير بالذكر أن تركمنستان ليست عضوا في معاهدة الأمن الجماعي ولا في قوات الرد السريع وليست عضوا في معاهدة شنغهاي. ولا يوجد فيها قواعد عسكرية لروسيا. فموضوع الاهتمام بها من قبل روسيا ومن قبل أمريكا والغرب، وإلى حد ما من قبل الصين هو في الدرجة الأولى من ناحية اقتصادية لغناها ولكثرة ثرواتها من الغاز والنفط.
5- كازاخستان: كازاخستان من اكبر البلاد مساحة في آسيا الوسطى حيث تبلغ مساحتها 2,7 مليون كم2 وعدد سكانها قليل جدا بالنسبة لمساحتها حيث يقدر ما بين 15 إلى 17 مليون نسمة. فكانت مهمة لروسيا لإجراء التجارب النووية فيها، حيث أجرت في منطقة (سيميبا لاتينسك) الكازاخستانية 500 تجربة نووية. وقد وقع رئيسها نور سلطان نزار باييف في29/8/2009 على إغلاق ميدان التجارب هذا. ووقعت كازاخستان على حظر التجارب النووية في 24/9/2009. وأمريكا عملت على تقوية علاقتها معها لأهميتها الجغرافية الاستراتيجية ولغناها بالنفط والغاز وفيها ثروة نفطية تقدر بمقدار 100 مليار برميل، وتنتج حاليا ما يزيد عن مليون برميل، وينتظر أن يرتفع إنتاجها في عام 2015 إلى 2,5 مليون برميل يومياً. وفيها ثروة غازية مقدارها حوالي 150 تريليون م3. مما يجعل لعاب الدول الاستعمارية الغربية وعلى رأسها أمريكا يسيل على هذه الثروات وتجعلها تعمل على مد نفوذها إلى هذا البلد الإسلامي الكبير الغني بثرواته. وصار ارتباطها بأمريكا قويا، ومنح رئيسها الشركات الأمريكية امتيازات للاستثمار في مجال النفط والغاز وغير ذلك من المجالات. حتى أصبحت الشركات الأمريكية هي المستثمر الرئيس في صناعة النفط والغاز فيها. وكان ديك تشيني الذي أصبح نائب الرئيس فيما بعد، كان يعمل في منتصف التسعينات من القرن الماضي في المجلس الاستشاري للنفط في كازاخستان وابرم صفقات لصالح الشركات الأمريكية، منها صفقة لصالح شركة شيفرون التي كانت غونداليزا رايس تعمل في إدارتها. وقد توجت العلاقة الأمريكية بكازاخستان بزيارة رئيسها نزار باييف في حزيران/ يونيو 2006 لأمريكا والتقى برئيسها حينئذ جورج بوش. حيث جاء في البيان المشترك الذي صدر عنهما:” أن الشراكة بين الدولتين في مجال الطاقة ستساعد الشركات الأمريكية في استكشاف الاحتياطيات الكبيرة من الغاز والنفط في كازاخستان وفي المنطقة المحيطة ببحر قزوين”، (الإذاعة البريطانية 30/6/2006). وقد وافقت في شهر شباط/فبراير الفائت على السماح لأمريكا لنقل معداتها وإمداداتها برا عبر أراضي كازاخستان لتصل الجيش الأمريكي وقوات الناتو الذين يقاتلون المسلمين في أفغانستان. وقد كشف رئيس الأركان الروسي نيكولا ماكاروف في نهاية العام الماضي عن :” مخططات لواشنطن بشأن إنشاء قواعد عسكرية أمريكية في كل من أوزبكستان وكازاخستان”، (الشرق الأوسط 18/12/2009). إن لها حدوداً طويلةً مع روسيا حيث يبلغ طولها 6846 كم، وحدودها مع الصين يبلغ طولها 1533 كم. ولها أطول شواطئ على بحر قزوين حيث يبلغ طولها 1894 كم. ولهذا كانت مهمة لأمريكا استراتيجيا واقتصاديا. وقد انخرطت في شراكة من اجل السلام مع الناتو. وقد عدت اكبر حليف للولايات المتحدة في آسيا الوسطى.
هذا بالإضافة إلى أنها من الدول المشاطئة لبحر قزوين. فهو غني بثرواته السمكية وخاصة سمك الكافيار حيث تنتج روسيا سنويا منه بقيمة 400 مليون دولار. ويحتوي على احتياطي نفط هائل بمقدار 200 مليار برميل واحتياطي غاز بمقدار 600 تريليون متر مكعب، ولعاب أمريكا ودول الغرب كافة يسيل عليه. فهذا البحر المغلق هو حوض استراتيجي واقتصادي لغناه بثرواته النفطية والغازية.
ومع ذلك فإن لروسيا ركائز مؤثرة في كازاخستان، وما زال فيها محطة إطلاق المركبات الفضائية الروسية. فلها ارتباطات قوية بروسيا؛ حيث وطنت روسيا كثيرا من الروس فيها حتى أصبحت نسبة الروس فيها أعلى نسبة في منطقة آسيا الوسطى، حيث تصل نسبتهم ما بين 30% إلى 40% فيبقى للروس الأرثوذكس تأثير بسبب روابطهم القومية والمذهبية مع موطنهم الأصلي روسيا. وان كانت نسبة المسلمين هي الأعلى هناك حيث تتجاوز 60%.
وفي الآونة الأخيرة أظهرت كازاخستان تقاربا مع روسيا حيث توليها روسيا أولوية كبيرة أيضا. فقد جعلتها معها بجانب الصين من المؤسسين لمنظمة شنغهاي. وهي عضو في مجموع الدول المستقلة، وفي معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا، وفي تجمع أوراسيا الاقتصادي الذي أنشئ عام 2000م... ووقعت على الاشتراك في قوات الرد السريع التي أعلنت روسيا تأسيسها. وكذلك الصين تعمل على تقوية علاقاتها معها حيث مدت خط أنابيب نفط من كازاخستان على امتداد 1240 كم ليزود الصين باحتياجاتها النفطية المتزايدة.
وهكذا فإن نزار باييف يريد أن يُبقي علاقته مع روسيا ومع الصين قوية. وقد عبر عن سياسته ذات مرة بقوله:” إذا تحدثنا عن مشاريع الالتفاف على الشرق أو الغرب أجيب بأننا نحن وتركمانستان لدينا مقاربة براغماتية “، (انترفاكس الروسية 17/5/2007). أي أنه يحدد سياسته حسب ما يمليه عليه الواقع والمصلحة الآنية. ولذلك رغم تحالفه مع أمريكا الذي يصل لحد الموالاة، ورغم ما تسرب مؤخراً من أن أمريكا لديها مخططات لإقامة قواعد عسكرية فيها، ثم ما تم من منح الأمريكان حصة الأسد في الاستثمار في محال النفط والغاز... ومع ذلك فإن نزار باييف لا يريد أن يقطع الطريق على علاقات قوية مع روسيا حتى لا يتهدد نظامه.
والخلاصة، أن روسيا تحاول أن تبقي نفوذها وتعززه في دول آسيا الوسطى بشتى الطرق والوسائل، سواء أكان ذلك عن طريق عقد المعاهدات الإقليمية مثل رابطة الدول المستقلة التي أنشأتها روسيا سابقا على اثر انهيار الاتحاد السوفيتي، ومثل معاهدة الأمن الجماعي ومثل تشكيل قوات الرد السريع، أم عن طريق المعاهدات والاتفاقيات الثنائية مع كل واحدة منها وإقامة القواعد العسكرية في كل واحدة منها، حتى لا تفلت هذه الدول من يدها وتعزز نفوذها فيها. وكذلك تحاول أن تسند ظهرها بالصين إقليميا ودوليا فأقامت معها ما يعرف بمعاهدة شنغهاي وأشركت دول آسيا الوسطى فيها. وكذلك المعاهدات والمشاريع الاقتصادية... وتستعمل في ذلك ركائزها السابقة التي أنشأتها في عهد الإتحاد السوفييتي السابق...
وكذلك فإن أمريكا تستعمل المساعدات المالية المغرية لدول آسيا الوسطى بالإضافة إلى إشعار هذه الدول بقوة أتباعها داخلها لإثارة القلاقل... أي هي تستعمل الجزرة والعصا، كما أنها تعمل على استصغار روسيا أمام أعين هذه الدول وغيرها من الدول في القوقاز وفي أوروبا الشرقية حتى لا يهابها احد، وحتى تشجع تلك الدول على أن تتجرأ على العصيان عليها والانفلات من قبضتها. لقد قال نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد جولة له في جورجيا وأوكرانيا:” روسيا ليست أكثر من شريك صغير للولايات المتحدة اثر خسارتها لدورها الاستراتيجي السابق”. وقال:” إن ضعف الاقتصاد الروسي سيحمل موسكو على تقديم تنازلات للغرب أبرزها التخلي عن محاولات الهيمنة على الدول السوفيتية السابقة، والموافقة على تقليص قدراتها النووية”. (وول ستريت26/7/2009)، وهذا يفسر مواقف الأنظمة في آسيا الوسطى، حيث إنهم يدركون الضعف الروسي تجاه الأمريكيين فيحاولون أن يراضوا الأمريكيين بل يحاولون أن يتجهوا نحو أمريكا.
ونتيجةً لهذا الصراع المتحرك، غير الساكن، في آسيا الوسطى فإنه يمكن وصف الواقع السياسي بإيجاز كما يلي:
في قرغيزيا وطاجاكستان الولاء الأكبر الحالي هو لروسيا، مع تطمين أمريكا على مصالحها وعدم استفزازها بالوقوف في وجهها، وذلك حفاظاً على استقرار الوضع السياسي في البلدين الذي يمكن أن يضطرب إن حركت أمريكا أتباعها في البلدين بقوة فاعلة جادة.
وهو في أوزبكستان يميل حالياً لصالح أمريكا، مع الأخذ في الحسبان المزاج المتقلب لكريموف.
وأما في تركمنستان وكازاخستان فهما ساحة تنافس “رياضي” سياسي واقتصادي لأمريكا وروسيا، وإلى حد ما للصين من الناحية الاقتصادية.
ولكن المؤلم حقاً أن كل المتصارعين والمتنافسين، وكذلك الحكام المحليين، كلهم يحاربون الإسلام والعاملين له، ويفرُّطون بثروة المسلمين في آسيا الوسطى، فيغتني بها أعداء الإسلام، في حين أن عامة الناس في آسيا الوسطى يعيشون في ضنك العيش.
إن آسيا الوسطى بموقعها المهم، وبثرواتها الهائلة ستعود إلى المسلمين بإذن الله عندما تقام خلافتهم على أيدي العاملين الصادقين المخلصين من أجل الإسلام، وليس ذلك اليوم عنا ببعيد إن شاء الله، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.