نُقل عن رئيس الوزراء إردوغان خلال حضوره برنامجا لإحدى القنوات بعد زيارته التي قام بها إلى روسيا في تموز 2012 معلقا على هذه الزيارة أنه قال للرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “اعملوا لكي تضمونا إلى مجموعة شانغهاي الخماسية، ونحن بدورنا نعيد النظر بموضوع الاتحاد الأوروبي.”وفي الأيام القليلة الماضية وفي معرض إجابته على سؤال وُجه له نُقل عنه أيضا وفي القناة نفسها قوله مرة أخرى لـ”بوتين”: “ضمُّونا إلى مجموعة شانغهاي الخماسية لكي نقول للاتحاد الأوروبي “في أمان الله” ونخرج من هناك، وإلا فما تفسير كل هذه الإطالة؟”إن أقوال رئيس الوزراء هذه وإن كانت بعيدة عن الحقيقة وتأتي في إطار إرسال رسالة إلى الاتحاد الأوروبي إلا أنها تسبب في إيجاد أجندة جديدة في البلاد. فقد قال السكرتير العام لحلف الأطلسي راسموسن: “من ناحية الحلف فلا يوجد أي تعارض.” بينما قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فكتوريا نولاند حول هذا الموضوع: “بصراحة فإذا وضعنا في الاعتبار أن تركيا هي عضو في حلف الأطلسي ففي الوقت نفسه يعتبر هذا الأمر مثيراً للدهشة!” فهذه التصريحات تظهر أن كلا من أمريكا وأوروبا لا تحمل هذه المواقف على محمل الجد.
كما هو معلوم فإن الجمهورية التركية بعد معاهدة لوزان قامت بإلغاء الخلافة ثم ولَّت بعد ذلك وجهها شطر الغرب، ومنذ ذلك اليوم وهي تتوسل العزة والقوة عنده وتركت المجال للغرب لكي يعبث بمقدراتها كما يعبث الفأر. إن كل الحكومات التي قامت في عهد الجمهورية كانت تتسابق فيما بينها من أجل الوصول إلى الهدف الذي تم تحديده لها مسبقا وهو الحصول على عضويةٍ في الاتحاد الأوروبي. أما حكومة حزب العدالة والتنمية فهي أكثر استماتة في هذا المجال، حيث استحدثت وزارة جديدة باسم “وزارة الاتحاد الأوروبي” مُقْدِمة على خطوات لم تقدم عليها سابقاتها من الحكومات وتم إظهار رئيس الوزراء إردوغان على أنه “فاتح أوروبا” لمجرد مرور 50 سنة على البدء بمباحثات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. إنه على الرغم من معرفة هؤلاء الحكام المضبوعين بالغرب أن الاتحاد الأوروبي هو اتحاد خاص بالأسرة النصرانية وأنه يستحيل على تركيا الدخول فيه إلا أنهم لم يتخلوا عن شدة شغفهم هذا بالغرب. لأن هؤلاء الحكام يشعرون أنهم ضعفاء ويظنون أن الطريق الوحيد للاستقواء يكمن في الوقوف بجانب الكفار الذين تسببوا في استكانتهم وضعفهم.
والآن يتظاهر رئيس الوزراء إردوغان على أنه وجد بديلا جديدا، حيث أظهر من خلال التصريحات الأخيرة على أنه عرض هذا البديل الجديد عن الاتحاد الأوروبي المتمثل بمجموعة شانغهاي الخماسية كما عبر بكل وضوح عن استجدائه وتوسله المذل لروسيا كما فعل تجاه الاتحاد الأوروبي، فهو كالمستجير بالنار من الرمضاء. إذ إن أعضاء مجموعة شانغهاي الخماسية التي يتصدرها كل من روسيا والصين لا يقلون عداءً عن عداءِ الأوروبيين للإسلام والمسلمين. تُرى هل سبب اصطفاف رئيس الوزراء إردوغان اليوم بجانب الذين يظلمون المسلمين بل وقوفه معهم قلبا وقالبا سببه أنه لا يعلم أن أجداده كانوا دائما ضد الكفار الذين مارسوا الظلم على المسلمين وهو يتفاخر دائما في كل خطاباته بتاريخ أجداده وأمجادهم!
أليست روسيا الملحدة هذه هي التي قتلت مئات المسلمين في الشيشان وأفغانستان هي أحد أكبر المؤيدين لبشار الأسد الذي يسفك دماء المسلمين اليوم في سوريا؟ أوَليست الصين الشيوعية هذه هي التي ترتكب المجازر بحق إخواننا في تركستان الشرقية وتمنعهم حتى من أداء عباداتهم وشعائرهم؟ أليست طاجيكستان الديكتاتورية هذه هي التي تمنع رعاياها من الذين دون سن الثامنة عشرة من أداء الصلاة وتتجسس على المؤمنين من خلال زرع كاميرات التجسس في المساجد؟ ثم أليست كازاخيستان المجرمة هذه هي من يمنع الصلاة في الأماكن العامة؟ أليست أوزبكستان كريموف الديكتاتورية هذه هي التي تمارس ضد المسلمين كل أنواع التعذيب المروع وأصبحت السجون فيها أشبه ما يكون بالمقابر الجماعية ولا تعرف حدا للطغيان والاستعلاء على الله تعالى؟ ألا يعتبر التقرب من هؤلاء الحكام الملحدين الظالمين والاستبداديين الذين ما زالت أيديهم ملطخة بدماء المسلمين إلى درجة التعاون معهم هو خيانة للمسلمين؟ فكيف تبذلون كل هذه الجهود من أجل الاصطفاف مع الكفار في صف واحد سواء الغربيين منهم أم الشرقيين على الرغم من أنكم قد رأيتم وسمعتم مخططاتهم ضد المسلمين؟ ألم يأن لكم بعدُ أن تحولوا قبلتكم من أوروبا ومن روسيا الكافرة إلى الحق تبارك وتعالى؟ قال تعالى: ((الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا)) [النساء 139]
إن القوة والعزة الحقيقيتين ليستا لأمريكا ولا للاتحاد الأوروبي الذي أوشك على التفكك، ولا لمجموعة شانغهاي الخماسية غير واضحة المعالم. إن دولة الخلافة الراشدة ستكون قريبا أكبر قوة عظمى في العالم، وسيستعيد المسلمون بفضلها قوتهم من جديد التي سترعب الظالمين، وهذا هو البديل الوحيد والصحيح لجميع المسلمين. أما الذين يقفون بوجه المسلمين الذين يعملون من أجل الخلافة والذين يبتغون العزة عندهم، فإنهم سيدركون قريبا لمن تكون العزة.
|