يوم الخميس الموافق 22 شباط/فبراير 2007 صادقت اللجنة العليا في المجلس الوطني التركي الكبير (TBMM) على قانون نظام الرهن العقاري (Mortgage). إن هذا النظام الذي تم تقديمه للناس على أنه “فرصة تملك منـزل من خلال دفع أجرة” هو نظام خطر ومحرم شرعاً، ولأنه أريد إخفاء خطره تم تعريفه بتعريفات منها “Mortgage” و”بيع وإجارة” و”بيع أثناء الإجارة”، في حين أن كلمة “Mortgage” تعني في اللغة الإنجليزية “الرهن”، وأصلها في اللاتينية (Mort) الموت و(gage) الرهن أي “الرهن المميت”. ومن أخطار نظام الرهن العقاري (Mortgage) نذكر ما يلي:
1. الرهن العقاري لا يخص الأناس من ذوي الدخل المتوسط والمتدني كما ادعوا، بل هو لذوي الدخل فوق المتوسط الذين هم أصلاً في اكتفاء مما يدخلهم، وفي الوقت الذي روج لهذا النظام على أنه لذوي الدخل المتوسط والمتدني يقومون باشتراط دفع ربع كلفة العقار مقدماً.
2. الرهن العقاري لا يمكن الشخص من امتلاك منـزل فعلياً، بل المنـزل الذي يظن أنه تم امتلاكه يبقى رهناً للبنك الذي أعطى القرض، أي أنه يبقى تحت تصرف البنك، وحتى لو تم دفع كافة الدفعات في وقتها باستثناء دفعتين فعند مجيء موعد الدفعة الثالثة في حال عدم سدادهم يتم أخذ المنـزل مباشرة وعرضه للبيع، وعند بيعه يتم إرجاع المبلغ الذي تم دفعه ولكن بعد فقدانه قيمته وبعد إجراءات طويلة معقدة! في الأعوام المنصرمة فقد الآلاف بيوتهم نتيجة لتطبيق قانون الرهن العقاري في الدول الغربية، ومما لا شك فيه أنه بعد مباشرة تطبيق هذا النظام في تركيا سنشهد بعد سنوات معدودة آلاف الضحايا نتيجة لتطبيقه.
3. الرهن العقاري يمكن إطالة سداد القرض البنكي لفترات طويلة، إلا أن مقدار الربا (الفائدة) يتم تحديدها وفقاً لأوضاع السوق المالي بل وفقاً لشروط ورغبات البنك، وهذا يمنح البنك أحقية التلاعب بمقدار الفائدة الربوية وبمقدار الدفعات في أي وقت يشاء دون الرجوع إلى صاحب القرض.
4. الرهن العقاري لا يهدف تمليك الناس منازل كما يزعمون، بل يهدف إلى امتصاص أموالهم وجعلهم أسرى للبنوك. ذلك أن القانون الذي صودق عليه لا يمنح صاحب القرض أحقية دفع القرض كاملاً، أي أنه لا يمكن لشخص ما أن يقوم بدفع دفعتين أو أكثر في آن واحد مسبقاً، بل لا بد أن يتم دفع الدفعات كل في وقتها الذي تم تحديده مسبقاً. فإن كان الهدف هو تمليك المنازل فلماذا يُحْرَم الناس من سداد ديونهم في الوقت الذي يريدون؟
5. كلفة شراء المنازل متموجة، فمنـزل يتم شراؤه اليوم يمكن أن ينـزل سعره غداً حتى النصف، ويمكن أن يرتفع سعره ليصل ضعفين، وذلك كما حدث عقب زلزال عام 1999، لذا فقد يحدث أن يأتي زمان حتى لو قام الشخص ببيع المنـزل الذي يسدد أقساطه فلن يتمكن من سداد الأقساط المتبقية عليه.
6. إن المنازل التي يتم بيعها من خلال نظام الرهن العقاري عبر البنوك تكون محصلتها دفع ضعفي ثمن المنـزل أو ما يزيد، وخلال النسبة التي تم حسابها وفقاً للفوائد الربوية الحالية، فإن منـزل يقدر ثمنه بـ 50 ألف ليرة تركية جديدة يباع من خلال نظام الرهن العقاري أي عبر القروض الربوية البنكية بمقدار 132 ألف ليرة تركية جديدة.
والأهم من ذلك كله أن نظام الرهن العقاري هو حرام شرعاً من ثلاثة جوانب، ولا يمكن لمؤمن أن يقع في ذلك المكر السيئ:
الجانب الأول: أنه يحرم على المسلمين أخذ قروض ربوية، لأنه يحرم على المسلم التعامل بأية معاملة ربوية أياً كانت وأياً كان زمانها ومكانها، فالله سبحانه وتعالى يقول: ((الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)).
والثاني: أن شروط الرهن الذي يتضمنها نظام الرهن العقاري مخالفة للشرع. فوفقاً لأحكام الشرع الإسلامي في حالة الرهن لضمان استيفاء المرتَهِن حقَّه في ثمن المبيع (المنزل) إلى الراهن، يحب أن يكون البيع قد تم للراهن وانعقد البيع بتعيين الثمن (نقداً أو بالتقسيط)، واستلام الراهن للمبيع (المنزل) وأصبح ملكه، وبالتالي وجب الثمن في ذمته إلى المرتهن. وأما في حالة قانون الرهن الذي وافق المجلس الوطبي الكبير عليه، فليس هناك بيعُ منزلٍ تَمَّ للراهن بل هو وعدٌ بأنَّ البيت سيكون للراهن عندما يكمل الأقساط، والوعد بالبيع لا يجيز الرهن، بل تمام البيع وانعقاده وملكية الراهن للمنزل واستقرار الثمن في ذمة الراهن، وعدم قدرته على دفع الثمن، هو الذي يجيز الرهن، لكنْ ليس رهن المبيع بل شيء آخر غير المبيع لضمان استيفاء البائع ثمن المبيع الذي اشتراه الراهن وصار ملكه.
والثالث: أن الشرع لا يجعل المرهون ملكاً للمرتهن عند عدم قدرة الراهن على دفع الثمن فهذا كان في الجاهلية وقد أبطل الإسلام هذه بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يُغلَق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه» فأصبح الحكم الشرعي في الإسلام أن الراهن إذا عجز عن دفع الثمن يباع الرهن ويأخذ المرتهن الثمن الذي له، لكن لا يأخذ كل الرهن وكذلك لا يعود فيأخذ المبيع (المنزل) أي لا يفسخ البيع. أما في قانون الرهن فإن الراهن إذا عجز عن الدفع - - حسب القانون - يباع الرهن (المنزل) أي لا يبقى المبيع (المنزل) ملكاً للراهن بل تنتهي المعاملة وتصبح كأنها لم تكن.
وهكذا فإن هذا القانون هو ضحك على الناس، وخداع لهم. إنَّ هذه المعاملة هي سرقة أموال الناس بأساليب شيطانية تفضي إلى أحد أمرين: إما أن الموعود بالبيت يخسر معظم ماله المدفوع عند تأخره عن السداد، وإما حصوله على المنزل بعد أن يكون دفع أضعاف ثمن المنزل نتيجة الأقساط الربوية وتحكم الرهن العقاري بإطالة أمد السداد مع رفع نسبة الربا. وهكذا يكون قانون الرهن العقاري للحصول على منزل بمثابة وعد قاتل في جميع الأحوال.
فيا أيها المسلمون؛ إن حزب التحرير يحذركم من هذا المكر الرأسمالي الخطر ويدعوكم للعمل معه لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية القائمة قريباً بعون الله وإذنه، والقادرة على تأمين كافة الحاجات الأساسية للأمة فرداً فرداً من مأكل وملبس ومسكن، والقادرة على إزالة الأنظمة الربوية البنكية والسياسات الرأسمالية الكافرة، والقادرة على توفير العدل والطمأنينة والسعادة للمسلمين بل للبشرية جمعاء بعد آلام الرأسمالية التي تجروعها طوال عقود.
|