اجتمع رئيس مجلس الوزراء، فؤاد السنيورة، يوم الثلاثاء في 20/12، برؤساء الحكومة السابقين الخمسة، للتباحث في شأن انتخاب أعضاءَ جدد لـ «للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى»، والذي له مهمّات عدّة، منها: تحديد مناهج التدريس الديني ...؛ التصديق على تعيينات الأئمة والخطباء والمدرّسين، وتحديد رواتبهم، ومراقبتهم وتأديبهم ... ؛ شؤون المحاكم الشرعية ... ؛ رعاية أموال الأوقاف ... . وقد حُدّد يوم انتخابهم الأحد في 25/12.
وبغضّ النّظر عن الجدل الدائر حول الهيئة الناخبة لهذا المجلس، فإنّ ما نريد لفت النظر إليه، هو رعاية أموال الأوقاف. فالمجلس هو السلطة التشريعيّة والقضائيّة والماليّة والإداريّة للأوقاف.
إن أموال الأوقاف، هي أموال أهل الخير من المسلمين، الذين أوقفوها لتُصرف على مصالح أمّتهم، فمسؤولية المحافظة عليها، وحسن صرفها في الأوجه التي أُوقفت من أجلها، هي أمانة في أعناق المسلمين، وهي كانت محفوظة ومصانة، طوال قرون، برعاية سلطان دولة الخلافـة الإسلامية.
فمنذ عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحتّى أواخر الدولـة العثمانية، كانت أموال الأوقاف تدار مباشرة من قبل الدولة الإسلامية؛ وكانت الخلافـة، ومنها الخلافـة العثمانية، حريصة على رعاية الأوقاف مباشرة، التزاماً بأحكام الشريعة الغراء، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «... فالإمام راع، وهو مسؤول عن رعيته» (رواه البخاري)، فحرصاً من الخلافـة العثمانية على الأوقاف، كانت مجالس الأوقاف في المدن، تُعيّن من قبل الدولة مباشرة، فكان مجلس أوقاف بيروت معيّناً من قبل الخـليفة العثماني مباشرة، وكانت نظارة الأوقاف، جزءاً من تنظيمات الدولة العثمانية، وكان الأئمّة والمدرّسون يعيّنون بعد التأكّد من مؤهّلاتهم وحسن أدائهم من قبل الدولة، فكان يُعدّ لهم اختبار في الآستانة نفسها. واستمرّت تلك الرعاية حتى تاريخ 18/10/1918م، تاريخ احتلال الحلفاء للبنان وسوريا، فأُهملت إدارة الأوقاف، واستمرّت دون رعاية، حتّى تاريخ 02/03/1921م، حين أمر الحاكم العسكري الفرنسي بإنشاء إدارة للأوقاف، مرتبطة به مباشرة، سُمّيت: “المراقبة العامّة للأوقاف الإسلاميّة لمجموع مناطق لبنان وسوريا”، وفي 27/12/1930م أمر الحاكم العسكري الفرنسي، بفصل أوقاف لبنان عن أوقاف سوريا. ثمّ أُنشئ «المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى» في 29/07/1932م. فصارت إدارة الأوقاف شأناً “دينيّاً” مستقلاًّ عن الدّولة، لأنّ الدول التي أوجدها الاستعمار بديلاً عن الخلافـة، هي دول علمانية، تَفصل الدين عن الحياة.
إنّ انتخابات الأحد 25/12، ستفرز أعضاء جدداً لـ«المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى»، يتبعون لتيارات سياسية، ومنها سياسية حاكمة، بحسب لوائح المرشحين، وهذا سيُبقي أموال الأوقاف، ومهمات المجلس الأخرى، عرضة لعبث العابثين، ذوي المآرب السياسية والمصلحية، وهو ما يرتّب على المسلمين مراقبة كلّ تدخّل للطبقة السياسية، والأخذ على يد العابثين منها، للمحافظة على الأمانة المنوطة بهم.
أمّا الرّاعي الأصيل، الذي أناط الشرع به رعاية مصالح الأمة والمحافظة عليها، فهو ذلك الذي يُفوَّض من عامّة المسلمين لتنفيذ أحكام الشرع، الخـليفة الذي تبايعه الأمّة على حكمها بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، فتجتمع به كلمتها؛ وهو الذي يرعى أموال الأوقاف الرعاية الصحيحة، لجميع الرعيّة، بجميع فئاتها ومذاهبها. فلا تبقى حاجة لمجالس مذهبية أو طائفية تدير مصالح الأمة، من وقف أو غيرها، بل هو الذي يحافظ عليها، وعلى حسن إدارتها، جميعاً. بل هو الذي تُقام بوجوده أحكام الدين جميعها.
قال الله تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}
|