منذ حوالي الشهر وحتى الآونة الأخيرة، تتعرّض منطقة الشمال، ولا سيما مدينة طرابلس، في مناطق القبة، وأبي سمراء، وباب التبانة، وباب الرمل، وغيرها، لموجة اعتقالات ظالمة، تطال عشرات الشباب، ممّن يساقون إلى التحقيق، دون مذكرات توقيف قضائية، ودون تطبيق الأصول المرعية الإجراء، بل هي اعتقالات تبعث الرعب والاستياء في أوساط الأهالي. موجة التوقيفات هذه طالت، وبحسب بعض الصحف، 200 شخص من أبناء المدينة، وربما كان العدد أكثر من ذلك، بينما الأخبار الرسمية تتحدث عن إحالة عدد قليل إلى القضاء.
إن التوقيفات الواسعة التي طالت شباب المدينة، الذين لهم سمة مشتركة واحدة: التزام الإسلام، لم تجر على خلفية أيّ حادثة أمنية، ويرى البعض أنه في غالبيته تخوّفٌ من (التفكير) بالقيام بأعمال أمنية! وروى كثير من الموقوفين المفرج عنهم أنهم تعرضوا لأعمال تعذيب وحشية، وأن بعضهم اعتقل من على قارعة الطريق دون إبراز أي مستندات قانونية.
ولأن أغلب ما يجري في هذا البلد، إن لم يكن كلّه، ذو أبعاد إقليمية ودولية، فإن هذا يطرح سؤالاً حول حملة الاعتقالات الأخيرة: هل توفّر ذريعة لمزيد من التدخل الأمني الأميركي بحجة متابعة ملفات “الأصولية” و”الإرهاب”؟ وبالتالي تساعد أميركا على استعادة بعض ما خسرته من نفوذها نتيجة الصراع الأوروبي – الأميركي على ساحة لبنان؟
وبغض النظر عن الأبعاد السياسية للحملة الظالمة، فإنه يجب إيقافها، ومحاسبة الجهة أو الجهات المسؤولة عن الظلم المستمر الذي يلحق بهؤلاء الشباب، ولذلك نطرح التساؤلات المهمّة التالية:
1- أين الإجراءات (القانونية)، وأين الأصول المرعية الإجراء في التوقيفات، وقد بشّرتنا الحكومة بأن عهد النظام الأمني قد ولّى؟!!
2- هل هكذا تُحترم كرامة العائلات وأبنائها؟!
3- هل المقصود تقديم مزيد من القرابين لدول الغرب وعلى رأسها أميركا، لترضى عنها وتعطيها شهادات حسن سلوك؟! ... وعلى حساب من؟ أَعَلَى حساب أبنائنا وشبابنا؟! وهل المطلوب إحياء مأساة المظلوم إسماعيل الخطيب، رحمه الله تعالى، من جديد؟!
4- أم أن المراد دفع الشباب، من خلال ممارسة الظلم الشديد عليهم، إلى القيام بأعمال طائشة، لتبرير المزيد من التوقيفات والبطش بأبناء المدينة؟! ولماذا؟! أليست هذه هي نفس الظروف التي هيأت لأحداث “الضنية” ومآسي المعارك والقتل والسجن والمحاكمات الطويلة لسنوات وسنوات؟!
5- هل أصبح التزام أحكام الدين، شبهة تؤدي بصاحبها إلى التوقيف والاستجواب عندما تستجد “معطيات أمنية”؟!
إننا امتثالاً لقول الله تعالى في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا»، نتوجه إلى الرأي العام، وبوجه خاص إلى أهل الرأي والمعنيين بالشأن العام في لبنان، كي يتحركوا للضرب على يد الحكومة، فهي المسؤول الأول عن الحفاظ على كرامات الناس وأمنهم، وللضرب على يد كل جهة تقف وراء هذه الممارسات الظالمة المستمرة، سواء أكانت في الحكومة أو في بعض الحكومة أو في خارجها، لردع المسيئين، عن غيّهم، ومحاسبتهم على ما ارتكبوه في حقّ الأهالي وأبنائهم.
|