Aya

1953

HT logo
  adv search
new email def main site arabic
info office misc wilayat books tahleelat lflts  
                 
 
:::

بسم الله الرحمن الرحيم

اختيارُ رئيسِ الدولةِ

أوجبَ اللهُ على كلِّ مسلمٍ الانقيادَ إلى شريعةِ اللهِ تعالى، وأنْ ينظِّمَ بها جميعَ شؤون حياتِه الفرديةِ، والاجتماعيةِ، والدوليةِ، ما دامَ يؤمنُ باللهِ سبحانه وتعالى، قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وقال: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ}، وقال: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}.
لا يمكنُ تطبيقُ الشريعةِ الإسلاميةِ كاملةً بدونِ الدولةِ الإسلاميةِ أي دولةُ الخلافةِ. الأفرادُ يمكنُ أنْ يطبقوا بعضَ الأحكامِ مثلِ العباداتِ والمطعوماتِ والملبوساتِ والأخلاقِ، بل إنّ بعضَ العباداتِ مثلَ الجهادِ لا يستطيعُ الأفرادُ تطبيقَها. وأما بقيةُ أحكامِ الإسلامِ المتعلقةِ بنظامِ الحكمِ، والنظامِ الاقتصادي، والنظامِ التعليمي والتربوي، ونظامِ الحدودِ والعقوبات، والنظامِ الإعلامي، والعلاقاتِ الدولية، وشؤونِ الجهادِ والحربِ ... كلُّ ذلك لا يقومُ به الأفرادُ بل تقومُ به الدولةُ. حتى إنّ الأحكامَ الفرديةَ التي يستطيعُ الأفرادُ أن يطبقوها فإنّ غالبيةَ الأفرادِ لا يطبقونها ما دامت الدولةُ التي تحكمُهم دولةً علمانيةً غيرَ إسلاميةٍ، وتشجعُ الناسَ في برامجِ التعليمِ ووسائلِ الإعلامِ على عدمِ الالتزامِ بالإسلامِ، وذلك تقليداً لنمطِ الحياةِ الغربيةِ.
إندونيسيا مقبلةٌ الآنَ على انتخابِ رئيسٍ للدولةِ. وإندونيسيا هي أكبرٌ بلدٍ في البلادِ الإسلاميةِ من حيثُ عددِ السكانِ (230 مليوناً، منهم 210 ملايينَ مسلمٍ) . وهذا يجعلُ إندونيسيا أهلاً لإقامةِ الخـلافةِ، وأهلاً لقيادةِ الأمةِ الإسلاميةِ بأسرِها، وتوحيدِ البلادِ الإسلاميةِ كلِّها معها، ليُصبحوا جميعاً قوةً عظمى تقومُ على أساسِ العقيدةِ الإسلاميةِ والشريعةِ الإسلاميةِ، وتحمل الرسالةَ الإسلاميةَ للعالمِ، وتعودُ الأمةُ الإسلاميةُ من جديدٍ كما وصفها اللهُ تعالى بقولِه: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } . ولَم تَعُدْ اليومَ المسافاتُ بين الأقطارِ مشكلةً، بل صارَ العالمُ كلُّه كأنه مدينةٌ صغيرةٌ، بفضلِ وسائلِ الاتصالاتِ ووسائلِ المواصلاتِ.
المسـلمونَ أمةٌ واحدةٌ، ويجبْ أنْ تكونَ لهم دولةٌ واحدةٌ، هي الخـلافةُ، لها رئيسٌ واحدٌ هو الخليفةُ، يحكمُها بما أنزلَ اللهُ. ولا يجـوزُ لمسلمٍ أن يكونَ خارجاً عن حكمِ هذا الخليفةِ أو طاعتِه لقولِ الرسولِ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» (رواه مسلم)، وقولِه أيضاً: «إذا بويعَ لخليفتينِ فاقتلوا الآخَر مِنهما» (رواه مسـلم). وقد جـاء في وثيقةِ المدينةِ التي كتبها الرسولُ صلى الله عليه وآله وسلم حينَ هجرتِه إليها من مكةَ المكرمةِ: «بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، هذا كتابٌ من محمدٍ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بينَ المؤمنينَ والمسلمينَ منْ قريشٍ ويثـربَ، ومَنْ تبِعَهم فلحِـقَ بهم، وجـاهـدَ معهم. إنهم أمةٌ واحدةٌ من دونِ الناسِ، ... وإنّ المؤمنينَ بَعْضُهُمْ موالي بعضٍ دونَ الناسِ ... وإنّ سِلْمَ المؤمنينَ واحدةٌ، لا يسالمُ مؤمنٌ دونَ مؤمنٍ في قتالٍ في سبيلِ اللهِ». وقد اتفقَ الأئمةُ الأربعةُ رحمهمُ اللهُ تعالى على أنّ «الإمامةَ فرضٌ، وأنّه لا بدّ للمسلمين من إمامٍ يُقيمُ شعائرَ الدينِ وينصفُ المظلومينَ منَ الظالمين، وعلى أنّه لا يجوزُ أن يكونَ على المسلمينَ في وقتٍ واحدٍ في جميعِ الدنيا إمامانِ، لا متفقانِ ولا مفترقان».
إنّه لمن الغريبِ والمستهجنِ أنْ يرضى أهلُ إندونيسيا، وهم المسلمون، بأنظمةِ الكفرِ العلمانيةِ تطبَّقُ عليهم رغمَ أنوفِهِم، ويتركوا أنظمةَ الإسلامِ ويَهجروها، مع أنّها الأنظمةُ الصحيحةُ التي نزلَ بها الوحيُ من عندِ اللهِ تعالى، وقالَ اللهُ عنها: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}، قال: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «حَدٌّ يعملُ في الأرضِ خيرٌ لأهلِ الأرضِ مِنْ أنْ يُمْطَروا أربعينَ صباحاً» (رواهُ النَّسائيُّ وابنُ ماجَهْ).
هناك فرقٌ بينَ أحكامِ الرئيسِ في الإسلامِ وأحكامِه في النظمِ العلمانيةِ، فهو منتخبٌ في النظامِ العَلمانيِّ من أجلِ تطبيقِ القوانينِ الوضعيةِ التي شرّعها الناسُ، والتي تناقضُ شرعَ اللهِ.
وأمّا الحاكميةُ في الإسلامِ، أي صلاحيةُ تشريعِ الأحكامِ، فإنها للهِ سبحانه، وليست لغيرِه من الناسِ بمن فيهم الرئيسُ. وبما أنّ الرئيسَ منتخبٌ من قِبَلِ الأمةِ بُغْيَةَ تنفيذِ أحكامِ اللهِ، فإنه يتبنى أحكامَ الشريعةِ الإسلاميةِ التي مصدرُها القرآنُ والسنةُ وما أرشدا إليه، باعتبارها رأياً راجحاً، بجعلِهِ قوانينَ الدولةِ، ويرعى بها مصالحَ الناسِ. رُوي عن عُبادةَ بنِ الصامتِ أنه قال: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ» (رواه البخاريُّ ومسلمُ).
وعلى ذلك، فالرئيسُ في نظامِ السياسةِ في الإسلامِ مظهرٌ مِن مظاهرِ سلطانِ الأمةِ، من أجلِ تحقيقِ سيادةِ الأحكامِ الشرعيةِ، وليست السيادةُ الشعبيةُ. فالأمةُ أو الناسُ أي المسلمون همُ العاملُ الفاصلُ، هلِ الأحكامُ الشرعيةُ هي المطبقةُ، أو غيرُها من أحكامِ الطواغيتِ، وهل التشريعُ بيدِ الناس، أو هو مأخوذٌ مما أنزل اللهُ؟
ومن هنا، لا بد في انتخابِ الرئيسِ من النظرِ إلى الأمورِ التاليةِ:
1- اختيار الرئيس الذي تتوفر فيه شروط الانعقاد، وهي أنه لابد أن يكون مسلماً (ويحرم لغير المسلم أن يكون رئيساَ)،  رجلا (ويحرم للمرأة أن تكون رئيساَ)، بالغاَ، عاقلاَ، عدلاَ (مع لزوم تطبيقه الأحكام الإسلامية)، حراً، وأن يكون قادراَ على حمل أعباء الأمانة كرئيسٍ للدولة. وعلاوة على ذلك، فالأولى أن تتوفر فيه شروط الأفضلية، كالاجتهاد، والشجاعة، والقُرَشِيَّة، والبراعة في السياسة.
2- اختيارُ الرئيسِ القادرِ على حفظِ سلطةِ البلادِ مستقلةً عن نفوذِ الكفارِ، ولا تَعتمدُ إلا على المسلمينَ. وبعبارةٍ أخرى، لا بد من أن يكونَ الرئيسُ قادراً على إيجادِ الاستقلالِ الحقيقيِّ عن النفوذِ الأجنبيِّ، وليسَ العكسُ، بتركِها تحتَ نفوذِ القواتِ الأجنبيةِ وهيمنتِها، اجتماعيةً كانتْ، أمْ سياسيةً، أمْ اقتصاديةً، أم ثقافيةً، أم أَمنيةً أم غيرَ ذلك. وفي ذلك جاء قولُهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} ، فلفظُ (منكم) يعني من المؤمنين، إذ أنهم مخاطَبون بها. وقال تعالى: {وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }. وأما بالنسبةِ للأمنِ، فلا بد للرئيسِ المنتخبِ من أن يقْدِرَ على وضعِ أمنِ هذه البلادِ في أيدي أهلِها، وليس في أيدي غيرِهم من الدولِ المستعمرةِ. ولا يَسمحُ بنفوذِ الدولِ المستعمرةِ على الجيشِ والشرطةِ، ولا بإقامةِ القواعدِ العسكريةِ في البلادِ، ولا يتركُها تتدخلُ في سياسةِ الأمنِ الداخلي.
3- وينفذُ الشريعةَ الإسلاميةَ كاملةً بشكلٍ دائمٍ، قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}. وقال أيضاً: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
4- ويعملُ بالجدّ من أجلِ توحيدِ بلادِ المسلمينَ في العالمِ، حتى تتحققَ وِحدتهُم وقوتُهم في العالمِ تحتَ ظلِّ الخلافةِ الإسلاميةِ. إنما المؤمنونَ إخوةٌ، وهم كالجسدِ الواحدِ، ولا بد من أن تكونَ لهم وحدةُ النظامِ والقيادةِ. قال الرسولُ صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا بويعَ لخليفتينِ فاقتلوا الآخَر منهما». وإنما وحدتهُم هي التي تُوجَدُ بها القوةُ، وبها سوفَ تتحققُ الرحمةُ في الأرضِ، والدفاعُ عنِ البلادِ منَ الهيمنةِ والطُغْيانِ والاستعمارِ من الدولِ الكافرةِ المستعمرةِ، كما هو مُشَاهدٌ في العراقِ، وأفغانستانَ، وفلسطينَ، وغيرَها.
وفي الختامِ، فالأمرُ مفوضٌ إلى الأمةِ؛ هل تبقى البلادُ في أيدى الظالمين، وتحت سيطرةِ الأنظمةِ العلمانيةِ، مع إضاعةِ الشريعةِ الإسلاميةِ حتى تستمرَّ في الفوضى، أو العكسُ من ذلك؟ أي بتعيينِ الحكامِ الأمناءِ والقائمين بالشريعةِ حتى يتحققَ الأمنُ، والرفاهيةُ، والعدالةُ. وكذلك مفوضٌ إليهم، هل تبقى بلادُ المسلمين ممزقةً، كما هي الآن، وغارقةً في الهوان، كما هو الحالُ في العراقِ وأفغانستانَ وفلسطينَ وغيرَها، أو على العكسِ من ذلك، تتوحدُ حتى يرتفعَ عزُّ الإسلامِ والمسلمين.
ولذلك، لا بد للمسلمين في إندونيسيا باعتبارهم أصحابُ السلطةِ من أن يهتموا بذلك، حيث إنّ انتخابَ الرئيسِ سوف يأتي حينه. ولا بد لهم من رئيسٍ له الشروطُ الآنفةُ الذكر، وأن يَظلوا في العملِ لتهيئتِه وتعيينِه من أجلِ إقامةِ الشريعةِ الإسلاميةِ، بدلَ الأنظمةِ العلمانيةِ، وتنفيذِها كافّة، وتوحيدِ البلادِ في ظلِّ دولةِ الخلافةِ الإسلاميةِ.

أيها المسلمونَ! هذا حينه، فسيروا أحسنَ السيرِ، فإنّ سوءَ السيرِ مساهمةٌ في إبقاءِ المعاصي.
هيا ننظرُ إلى قولِ اللهِ تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.

11 من ربيع الآخر 1425هـ
 
حزبُ التحرير

الموافق

2004/05/31م
 
إندونيسـيا
 


إقرأ أيضا:-
نزع سلاح حزب إيران ودور السلطة اللبنانية!
غزة على موعد مع قتل يستحرّ، وتضييق يستعر، إن لم تتحرك الأمة الإسلامية لنصرتها
يا لنخوة الإسلام في أمة محمد ﷺ! قال رسول الله ﷺ: «لَيْسَ بِالْمُؤْمِنِ الَّذِي يَبِيتُ شَبْعَانَ وَجَارُهُ ‌جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ» رواه الحاكم
تحذير توم براك لبنان من عودته إلى أصله جزءاً من بلاد الشام! اعتراف أمريكي ضمني أن مشروع وحدة الأمة بإقامة الخلافة هو المنافس الحقيقي الوحيد للمشروع الأمريكي في المنطقة
مع كلام معسول مسموم عن مستقبل لبنان والمنطقة! المبعوث الأمريكي توم باراك في لبنان لتكريس إتمام اتفاق السلام والتطبيع مع كيان يهود!