كلّما جاءت وزارة جديدة في الأردن قدّمت بيانها الوزاري بناء على كتاب تكليف من الملك، وفي هذا البيان تعِد الحكومةُ الناس بالمعالجات الناجعة لما يعانيه الأردن، من مديونية وفقر وفساد، ومن ظلم وكمٍّ للأفواه. ثم تنتهي الوزارة بإقالة الملك لها دون أن تحقق شيئاً فيه منفعة للناس، وإنما تزيد الطين بلّة، فالمديونية تتصاعد أو تبقى على حالها، ونسبة الفقر والبطالة ترتفع، ووتيرة الفساد والظلم تستشري لتصل إلى قمة الهرم في جهاز الدولة.
فالحكومات إلى جانب أنها لا تحكم بما أنزل الله، فهي تلحق الضرر بالناس بتطبيقها النظام الرأسمالي، ووزارة البخيت لن تكون خيراً من سابقاتها، لأنّ من يُكلّفون بتشكيل الحكومات في الأردن وفي أمثالها يتخرجون من مدرسة واحدة، وينهلون ثقافة رأسمالية واحدة، أساسها فصل الدين عن الحياة والسير خلف الدول الكافرة بريطانيا وأمريكا وغيرهما.
وبيان حكومة البخيت، الذي اشتمل على (87) بنداً، لا يختلف عن بيانات الحكومات السابقة: فهو يستعمل ألفاظاً عامة ومعانيَ عائمة، ومصطلحات رأسمالية وعبارات رنانة لا علاقة لها بواقع الأردن ولا بعلاج الواقع الفاسد فيه، منها قوله: (وتبدي كل الحرص على حماية حرية الرأي والتعبير وصون الحقوق الفردية...). وقوله: (وستتخذ الحكومة خطوة عملية هي الأولى من نوعها في الأردن وتتمثل في تنفيذ مشروع ساحة الحرية كمنبر للتعبير الحر ...) وحرية الرأي والتعبير لا تعني بالنسبة للنظام إلا حرية الحكّام وأتباعهم فيما يعرضونه من خطب وتصريحات في تمجيد النظام، وحرية أصحاب الأفكار المنحرفة والمناقضة للعقيدة الإسلامية، وحرّية أجهزة الأمن فيما تمارسه من ظلم واعتقال وتعذيب لحملة الدعوة الإسلامية وخاصة شباب حزب التحرير.
أمّا ما احتواه البيان من أمور محددة للتطبيق والتنفيذ، مثل قوله: (وتحسين آليات تحصيل الضرائب...وتوسيع قاعدة المكلّفين...وتوسيع قاعدة الضريبة العامة على المبيعات...)، مما يعني إثقال كاهل المواطنين بضرائب جديدة، ورفع الأسعار ليزداد الفقراء فقراً والأغنياء غنى، ومثل قوله: (كما سيتم إيجاد برنامج لإقامة المدن الصناعية...)، والمقصود منها مدن كمدينة الحسن في إربد وغيرها، يديرها المستثمرون الأجانب من يهود وغيرهم يجنون منها الأرباح الباهظة، بينما يعمل فيها الأردنيون بأجور زهيدة لا تكفيهم مؤونة العيش. وقوله: (وفي مجال المياه والري ستقوم الحكومة بتنفيذ متطلبات النمو والتطور)، ولم يأت البيان على ذكر مشروع مياه الديسي، الذي يراوح مكانه منذ سنين، بسبب العراقيل التي تضعها الحكومات أمام تنفيذه، مع أنه يحل مشكلة المياه في الأردن حلا جذريا، وإنما اقترحت هذه الحكومة في بيانها لنمو وتطور المياه (إنشاء الحفائر والبرك الصحراوية ومتابعة الانتهاء من تنفيذ مشروعات بناء السدود الأخرى لتوفير الحصاد المائي)، ولقد صدق في هذه الحكومة وغيرها من الحكومات الأردنية السابقة قول الشاعر: كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول
فلمن يدّخر النظام في الأردن مياه حوض الديسي النقية الصحية؟! هل يدّخرها لليهود أم للأثرياء من رجال النظام الذين يستغلونها في الزراعة لزيادة أرصدتهم البنكية؟!
وتَعِدُ حكومة البخيت بدعم الشعب الفلسطيني والشعب العراقي، وكأنّ الأردن يملك أمر نفسه وأمر التدخل في شؤون غيره، فقد تناست أنّ الكيان الأردني منذ تأسيسه أداةٌ لتنفيذ سياسة الدول الكبرى: بريطانيا وأمريكا وغيرهما، ليس فقط في السياسة الخارجية، بل وفي سياسته الداخلية من ثقافة واقتصاد واجتماع وغيرها، وهذا ما أكّده رئيس الوزراء الجديد في آخر بيانه الوزاري قائلاً: (ستلتزم الحكومة بثوابت السياسة الخارجية القائمة على مبادئ الالتزام والثقة والتعاون الإيجابي البنّاء مع الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والالتزام بالشرعية والمواثيق الدولية ومبادئ القانون الإنساني الدولي...)، ومعروف للجميع أن الذي يسيطر على الساحة الدولية والقانون الدولي هو أمريكا ومنافسوها من الدول الكبرى الأخرى، فهل يسمح هؤلاء لدولة كالأردن أن تتدخل في العراق أو فلسطين بناء على رغبتها أو مصلحتها الخاصة؟!
وقال البخيت في بيانه: (...فإننا نضع التنمية السياسية أولوية على جدول الحكومة بما هي قاعدة أساسية للتطوير والتحديث)، والحقيقة أنّ الأردن بحاجة لتغيير السياسة التي أُنشئ على أساسها، وهي سياسة فصل الدين عن الحياة، ليعود إلى سياسة منبثقة عن عقيدة أهله، العقيدة الإسلامية، وهي نظام الإسلام الذي ارتضاه تعالى للناس كافة، وبالتخلي عنه أصبح المسلمون كغثاء السيل بعد أن كانوا قادة العالم.
أما الوضع الاقتصادي المتردي في الأردن فليس علاجه، كما جاء في البيان الوزاري، بتشجيع الاستثمارات السياحية وتطوير تشريعاتها وتنويع مرافقها، وتوسيع ضريبة الدخل بتوسيع قاعدة المكلّفين، وتوسيع الضريبة العامة على المبيعات مما يعني زيادة التغوّل على أموال الناس وإرهاقهم بضرائب جديدة، فهذه ليست مصادر مأمونة ولا كافية لترقية اقتصاد أية دولة ،كما أنها ليست مصادر مشروعة. وإنما العلاج يكون بإيجاد مصادر ذاتية حقيقية، كاستغلال الثروات الموجودة في الأردن كالصخر الزيتي والسليكون والنحاس وغيرها، واستغلال ثروات البحر الميت والتي تكفي وحدها -بحسب الخبراء- لإثراء الأردن. أما التمويل الذي تحتاجه هذه المشاريع، فالملايين التي تنفق على دراسات الجدوى الاقتصادية لبعض المشاريع كمشروع قناة البحرين وما أنفق على مشروع منطقة العقبة الخاصة ومشروع تطوير منطقة العبدلي وغيرها من المشاريع التي لا تعود بأي نفع على المسلمين، بالإضافة إلى الأموال التي تبذل بسخاء للمهرجانات الغنائية والمؤتمرات التي تخدم أعداء المسلمين، والأموال التي تهدر على رفاهية أزلام النظام، هذه كلها كفيلة بتمويل المشاريع النافعة كمشروع استخراج الصخر الزيتي ومشروع جر مياه الديسي وغيرهما.
كما أن العلاج الجذري والأساسي لمشكلة الأردن السياسية والاقتصادية لا يكون إلا بإعادة الأردن إلى أصله الطبيعي، إلى ما قبل سايكس-بيكو، حيث كان الأردن جزءا من دولة الإسلام، فالعلاج الناجع للأردن ولغيره من بلاد المسلمين هو العودة إلى نظام الخلافة، وتطبيق أحكام الإسلام في جميع نواحي الحياة كما طالب بذلك (57) نائباً في البرلمان الأردني السابق، فأجهض النظام الأردني وعلى رأسهم الملك مطلبهم.
أمّا (رسالة عمان) التي أشار إليها البيان أكثر من مرة، ويقوم النظام بالترويج لها محليا وعالميا، فهي لا تعدو عن كونها محاولة لتمييع أحكام الإسلام، وخلط أفكار الإسلام بأفكار تناقضه كل التناقض، ومما يدل على أن هذا هو الذي يريده النظام ما كتبته صحيفة (فايننشال تايمز-16/11/2005م) نقلاً عن مقابلة أجراها الملك عبد الله الثاني مع عدد من الصحف حول الإرهاب قوله: (هناك مشكلة داخل الإسلام، المشكلة ليست الأردن أو الولايات المتحدة أو العربية السعودية)، فهم يريدون تبديل أحكام الله، لأن المشكلة تكمن فيها كما يزعمون، وأنّى لهم ذلك!.
أيها النواب:
إنّ النظام في الأردن قد أشاع بين الأوساط أنه سيقوم بحلّ مجلسكم، فأصبح حالكم مرهوناً بجرّة قلم، مما يؤكد لكم أن النظام يتخذ منكم أداة لتحقيق رغباته، ومهما تنازلتم فسيبقى يطلب منكم المزيد من التنازلات، فالواجب عليكم أن تقفوا من النظام وحكوماته الموقف الذي ترضون فيه ربّكم، وتحافظون فيه على كرامتكم، وليفعل النظام بعدها ما يريد!. فبدل منح هذه الحكومة ثقة ذهبية كما تتوقع منكم احجبوا عنها الثقة، لأنها كسابقاتها من الحكومات لا خير فيها للمسلمين، فهي تحكم بغير ما أنزل الله، وتسير على خطى التبعية للغرب الكافر.
إنّ الأمة الإسلامية في شتى بقاع الأرض أصبحت تتشوف ليوم العزة، وتنتظر ذلك اليوم الموعود، اليوم الذي تُقام فيه دولة الخلافة الراشدة الثانية، فأعدوا لذلك اليوم عدّته، وسارعوا إلى العمل مع العاملين لعودة دولة الخلافة الراشدة من شباب حزب التحرير، ولا يغرنّكم سطوة هؤلاء الحكام وسلطانهم فهو زائل بإذن الله. ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾.
|