لقد اقترب موعـد انعـقـاد الانتخـابات العامة التي تم تحـديد موعدها عقب التوتر السياسي الذي حدث في الفترة الأخيرة ليكون في 22 تموز/يوليو 2007م، وكما هو الحـال في كل انتخـابات عامة بدأت تطلق الشعارات الرنانة والوعود الكاذبة للشعب المسلم المنسي في تركيا مجدداًَ.
لقد عُمد إلى جعل الشعب المسلم في تركيا ينظر إلى الوعود الكاذبة على أنها “سياسة” وإلى الكَذَبة المضلين على أنهم “سياسيون”. لذا فإن الأحزاب السياسية القائمة البعيدة كل البعد عن حاجات ومتطلبات الشعب والتي تفرض نفسها على الشعب جبراً عنه تضلل الناس بالوعود الكاذبة، حيث لا تهدف من وراء ذلك إلا اصطياد أكبر عدد من أصوات الناخبين، هذه الأحزاب ما هي إلا أحزاب هامشية لم تستطع جعل الشعب يتبناها على الرغم من أنها تنال أصواته بالغش والخداع، ذلك أنها انفصلت عن معتقداته وقيمه وحاجاته، وتصويت الناس لها في الانتخابات ليس ناجماً عن تبنيهم لأفكارها وطرقها وأهدافها، بل هو ناجم عن احتراف هذه الأحزاب في تضليل وجذب الناس بأساليب ووسائل مختلفة، وفي جعلهم يصدقون شعاراتها ووعودها الكاذبة، وناجم عن استغلال نقاط الضعف والحاجات الملحة وردود الأفعال المشاعرية لدى الناس من خلال خبراء اجتماعيين، وناجم عن استخدام الأوساط الإعلامية وتقنيات الحرب النفسية وخداع المجتمع والتلاعب فيه باحتراف باهر.
إن العوامل التي تؤدي اليوم إلى ارتفاع عدد المصوتين لأي حزب من هذه الأحزاب ليست أسس الحزب وثوابته التي تجعله حزباً سياسياً بالمعنى الحقيقي بل مدى سيطرة الحزب على الأوساط الإعلامية ونفوذه فيها ومدى قدرته على استخدام أساليب الصراع النفسية ومدى ولائه للكافر المستعمر، وبالتالي مدى قدرته على نيل دعم ومساندة الكافر المستعمر. إن الناظر إلى الأصل الذي تقوم عليه الأحزاب السياسية اليوم يجد أنه كان في الماضي سبباً لمصائب وآلام وفوضى المجتمع، وأنها ظهرت اليوم بمظهر وقيادات وأسماء جديدة إلا أن أصلها اللعين بقي على ما هو عليه.
أضف إلى ذلك أن النواب الذين يتم إيصالهم للبرلمان هم في حقيقتهم ليسوا ممثلين عن الشعب بل هم ممثلون عن الأوساط المهيمنة على الشعب، فلا يوجد في أجندتهم تمثيل إرادة ورغبات وطلبات وآمال الشعب. وذلك لأنه من الصعب بمكان الترشح في الانتخابات دون موافقة وتصديق الطبقة المهيمنة، أضف إلى ذلك أنه لا يتم اختيار المرشحين وفقاً لقدراتهم وأهليتهم بل وفقاً لمكانتهم وثروتهم. هنالك طريقان للترشح للانتخابات العامة؛ فإما أن يترشح الشخص ترشحاً مستقلاً وإما أن يترشح من خلال حزب سياسي، وقد وضعت عقبات جمة أمام المرشحين المستقلين مما يحد من قدرتهم على الفوز لدرجة كبيرة، والترشح من خلال حزب سياسي يتطلب إدراج اسم الشخص ضمن لوائح مرشحي الحزب للانتخابات، تلك اللوائح التي لا تصدر إلى بموافقة من رؤساء الأحزاب أو المجالس التنفيذية المركزية لها، أي أن تحديد المرشحين وحصرهم يتم من قبل الطبقة المهيمنة ولا يتبقى للشعب إلا التصويت لهؤلاء الذين تم حصرهم جميعاً بما يتوافق مع رغبات الطبقة المهيمنة. ووفقاً لهذا، فإن الديمقراطية في حقيقتها ليست حكم الشعب للشعب كما يزعمون ويتبجحون بل هي حكم الكفار المستعمرين من خلال عملائهم المحليين.
إن الأساس الذي تقوم عليه الانتخابات الديمقراطية هو انتخاب نواب للبرلمان الذي يشكل السلطة التشريعية في النظام الديمقراطي، أي انتخاب نواب ليكونوا أعضاءً في البرلمان التشريعي الذي يشرع ويسن القوانين التي سيسير الناس وفقاً لها في السياسية والاقتصاد والاجتماع وسائر شؤون حياتهم، في حين أن كافة هذه القوانين هي قوانين بشرية وضعية باطلة تقوم على قدرات الإنسان العقلية لا على الوحي المنـزل من عند خالق البشر جل وعلا الذي هو فرض في الإسلام.
أيها المسلمون؛
هذه هي حقيقة الديمقراطية وواقع انتخاب منفذيها!! لذا فيحرم قطعاً على المسلمين إنشاء حزب سياسي يقوم على أُسس ديمقراطية تشرِّع من دون الله، وهذا يتناقض تماماً مع أُسس الإسلام، ولذلك لا تجوز العضوية في هذه الأحزاب أو الترشح باسمها أو التصويت لها أو دعمها ومناصرتها بأي شكل من الأشكال، والقيام بشيء من ذلك مجاهرة لله سبحانه في المعصية. ودليل ذلك من الكتاب والسنة:
1. الأصل في الأفعال التقييد بالأحكام الشرعية المستنبطة من الأدلة الشرعية الصحيحة؛ فيجب على المسلم أن يدور مع الحكم الشرعي حيث دار، فلا يقوم بأي عمل يخالف الحكم الشرعي، ويرفض ويترك كل ما يخالف الحكم الشرعي. قال الله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم} ، وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنه نبيه» .
2. الإسلام نظام حياة كامل متكامل ينظم كافة شـؤون الحياة ويعـالج كافة مشاكلها، فلا يوجد في الإسلام أي نقص حتى يحتاج المسلم لأخذ أفكار وأحكام ومعالجات ونظم من غير الإسلام، قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينً}.
3. لقد أمر الله تعالى المسلمين بأخذ ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والانتهاء عما نهاهم عنه، حيث قال في محكم التنـزيل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
4. لقد أمر الله تعالى المسلمين بإطاعة الله ورسوله، وتتجسد هذه الطاعة بأخذ الأحكام الشرعية ووضعها موضع التطبيق والتنفيذ، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا}.
5. القول الفصل في كافة شؤون المسلمين ومشاكلهم هو بالعودة لله ولرسوله، أي العودة إلى الحكم الشرعي، قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}.
6. لقد أمر الله تعالى المسلمين بالانقياد التام للحكم الشرعي، وحذر بشدة الذين يتبعون أحكام الكفر، قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}.
7. لقد حـرَّم الله تعـالى على المسلمين أخذ أي حكم من غير الإسلام: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
أيها المسلمون؛
إن حزب التحرير / ولاية تركيا يدعوكم أن تربأوا بأنفسكم عن هذا الجرم الكبير، وأن تقاطعوا هذه الانتخابات الديمقراطية بقرار جازم، وأن تنبذوا نظام الكفر هذا بشدة، وأن تصرفوا نظركم عن هذه الأحزاب الفاسدة، وأن لا تثقوا وتنخدعوا بوعودهم الكاذبة المضلة.
إن نظرة عابرة على العالم الإسلامي اليوم تظهر للعيان أنه نتيجة للفراغ المبدئي الذي نجم عن سقوط دولة الخلافة أحاطت رائحة الكفار المستعمرين الكريهة وسياساتهم الجشعة وأطماعهم الشرهة وصراعاتهم المستعرة وأنظمتهم الكافرة ورائحة عملائهم الإمعات التي أزكمت الأنوف. إن المشروع المبدئي الفعال القادر على انتشال العالم من منحدر الرأسمالية السحيق والارتقاء به نحو النهضة الصحيحة هو مشروع دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة المبنية على أساس العقيدة الإسلامية والتي ستنفذ الأنظمة الإسلامية على وجهها الصحيح والتي ستحمل دين الله للعالم بأسـره رسالة هدى ونور والتي ستخرج المسلمين من الذل إلى العزة ومن الانحطاط إلى الرقي ومن الظلم إلى الرحمة ومن الظلمات إلى النور.. وهذا ليس بالحلم ولا بالمثاليات بل هو وعد من الله سبحانه وتعالى وبشرى رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وثمرة الفكر المستنير المتبصر والنجم الساطع في سياسة المستقبل.. فمن أصدق من الله ورسوله قيلا؟ ومن أعلم من أصحاب الفكر المستنير المتبصر؟
فيا أيها المسلمون أما آن لكم أن تجيبوا الداعي لما يحييكم؟
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}
|