(تجدد قصف الطيران الروسي والسوري على أحياء عدة في مدينة حلب في وقت مبكر من صباح اليوم الثلاثاء... واستهدفت إحدى هذه الغارات مستشفى الصاخور، مما أدى إلى مقتل سبعة أشخاص، بينهم اثنان من أفراد الطاقم الطبي...) (الجزيرة، الثلاثاء 4/10/2016). (استهدفت غارات جوية الإثنين أكبر مشفى في الأحياء الشرقية المحاصرة في مدينة حلب السورية، ما أدى إلى تدميره ومقتل ثلاثة عمال صيانة داخله على الأقل...) (فرانس24/ أ ف ب، 3/10/2016).
وهكذا فإن حلب تتعرض للقصف الوحشي من الطيران الروسي والسوري بكل أنواع الأسلحة، بل إن بعضها لم يستعمل من قبل ويجرِّبه الروس في سوريا كالصواريخ التي لا يسمع صوتها إلا عند انفجارها... فمجازر متكررة، وبيوت فوق أصحابها مدمرة، حتى المستشفيات والمساجد أصبحت ركاماً بعضها فوق بعض... وذلك على مرأى ومسمع من العالم: محلياً وإقليمياً، وعالمياً... وكل هذا في ظل خداع الناس بأن أمريكا وروسيا في نزاع وتوتر، وكأن روسيا وتدخلها في سوريا لم يكن بموافقة، بل بتكليف، منذ اجتماع أوباما وبوتين في واشنطن في 29/9/2015، حيث بدأ القصف الجوي الروسي فجر اليوم التالي 30/9/2015… إن أمريكا حاولت خداع المعارضة بأنها معها، وأن روسيا مع النظام! وقد كررت أمريكا كثيراً في تصريحاتها بأن لا مكان لبشار في مستقبل الحل في سوريا، ولكنها اليوم بعد أن فضحت حلب خداعَ أمريكا، فهي تطلب من المعارضة أن تقبل بوجود بشار! (أعرب كيري عن اعتقاده بأن على المعارضة القبول بخوض انتخابات يشارك فيها الرئيس السوري بشار الأسد والتي يرى فيها كيري أفضل أمل للسوريين للحل السياسي...) (روسيا اليوم، 1/10/2016)... (واقترح الوزير خلال اللقاء مشاركة المعارضة في انتخابات تشمل الأسد، وذلك بخلاف ما واظبت عليه الإدارة الأمريكية من الدعوة لتنحي الأسد...) (الجزيرة، 1/10/2016)... فالأزمة السورية هي بحق كاشفة فاضحة للكفار المستعمرين والعملاء والمنافقين في مخادعتهم المؤمنين ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾، فإن أمريكا كانت في خداعها تتصرف في اتجاهين: إذا كانت الحلول سياسية أدارتها أمريكا علناً، وإذا كان المطلوب أعمالاً عسكرية اكتفت أمريكا بعمليات التحالف الدولي... ثم أوكلت ضرب المعارضة لروسيا وإيران وأشياعها وأتباعها، مع أن كل واعٍ سياسياً يعلم جيداً أن أمريكا هي صاحبة النفوذ في النظام السوري منذ طاغية الشام حافظ وولده بشار...
لقد أنشأت أمريكا نظام الطاغية، الولد والوالد، منذ عقود وتعهدته بالرعاية والعناية لحماية مصالحها ومصالح يهود، وقد كان من نتائج ذلك أن ضاع الجولان وهدأت الجبهة وعاشت مع كيان يهود بأمن وأمان... ثم هلك الطاغية حافظ وخلفه خلفٌ بئيس صنعته وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت منذ بدء العزاء في والده فقد (عقدت أولبرايت اجتماعا مع... بشار الأسد أثناء تقديم التعازي أمس بوفاة الرئيس الراحل حافظ الأسد. وأظهر التلفزيون السوري بشار وأولبرايت يتبادلان الحديث أثناء خروجهما من غرفة جانبية في القصر. واللقاء هو الأول بين أولبرايت وبشار الأسد... وأعلنت الوزيرة الأمريكية في خاتمة اللقاء أنها “لمست بوادر مشجعة” إزاء عملية السلام في الشرق الأوسط...) (الوكالات albayan.ae البيان، 14/6/2000)، وهكذا سار بشار على نهج الهالك في حفظ مصالح أمريكا ويهود إلى أن طغى وبغى، وفاض طغيانه وبلاؤه على الناس، فتحركوا مطالبين بحقوقهم في حدودها الدنيا، لكنه قمعهم: الأطفال والشيوخ والنساء قبل الرجال... قمعهم بالقتل والتدمير، والمجازر البشعة لإخضاعهم، ولما عجز زودته أمريكا بإيران وحزبها ومليشياتها، ولما لم تستطع أمدته بروسيا، ومن ثم دخلت روسيا على خط الصراع بوحشية بالغة، وأصبحت تصول وتجول في قواعدها على الأرض، وبقاذفاتها في الجو وحتى البحر، وكل ذلك وأمريكا تُظهر نفسها مع المعارضة وروسيا مع النظام، وكأنهما على طرفي نقيض، في الوقت الذي تتآلف قاذفات أمريكا وقاذفات روسيا، تطير في الجو وتقصف البر في انسجام ووئام ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾...
ثم كان اتفاق الهدنة في 12/9/2016 الذي أُعِدَّ ليُعلن بعد أن يتمكن النظام من حصار حلب، وأمدوه بما مكَّنه من ذلك... فقد استطاع الثوار في أوائل شهر 8/2016 أن يفكوا الحصار الذي فرضه النظام في 26/7/2016 على حلب، ولأن أمريكا كانت تريد الهدنة وحصار حلب قائم لهذا بذلت الوسع عن طريق روسيا وإيران ومليشياتها بتكثيف الغارات والحشود، بالإضافة إلى ما قامت به تركيا من سحب الفصائل الموالية لها من جبهة حلب إلى جبهة جرابلس ما أضعف جبهة حلب... كل ذلك ساهم في أن يعود النظام لحصار حلب من جديد في 4/9/2016 (وأعادت قوات النظام السوري بذلك فرض الحصار الكامل على مناطق سيطرة المعارضة بمدينة حلب، ليعود المشهد الميداني إلى ما كان عليه قبل السادس من الشهر الماضي...) (العربي الجديد، 4/9/2016).
وكان ظن أمريكا ومن ثم روسيا بأن أهل الشام سيخضعون ويوافقون على شروط الهدنة المعلنة والمخفية بالمشاركة بالحكم بينهم وبين الطاغية بشار ونظامه، ولما لم يفلحوا في إخضاع أهل الشام ومقاوميهم جاؤوا بخطوة أشد إجراماً وأكثر وحشية، فإن أمريكا قبل ذلك كانت تخفف شيئاً من وحشية روسيا كخديعة للمعارضة على اعتبار أنها معها، ولكنها هذه المرة واستعجالاً من أمريكا لعمل شيء يذكر لأوباما قبل نهاية عهده في آخر شهر 1/2017 تركت المجال إلى روسيا لتزيد من جرائمها ونأت أمريكا بجانبها حتى عن الشيء الخفيف الذي كانت تُظهره للمعارضة، وافتُعل التوتر بين روسيا وأمريكا لكنه كان مكشوفاً! فبعد أن أُعلن انتهاء الهدنة في 19/9/2016، وبعد أن أُعلن تعليق المحادثات مع روسيا حول الحلول بالنسبة للأزمة السورية (من جهته قال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ايرنست “إن صبر الجميع قد نفد... لم يعد هناك ما يمكن أن تتحادث به الولايات المتحدة مع روسيا” بشأن سوريا، معتبرا أن الوضع مأساوي..) (ميدل إيست أونلاين، 3/10/2016)، وبعد تبادل الروس والأمريكان التراشق الكلامي، وتبادل الاتهام بالتسبب في وقف الهدنة، كانوا يصرحون في الوقت نفسه أنهم ينسقون معاً (وقال كيربي إن الجيشين الروسي والأمريكي سيواصلان استخدام قناة اتصال وضعت لضمان عدم حدوث تصادم بينهما...) (ميدل إيست أونلاين، 3/10/2016)، وأضاف “كما في السابق سنواصل السعي إلى وقف دائم للأعمال القتالية عبر كل أنحاء البلاد يشمل إبقاء المقاتلات الروسية والسورية على الأرض في مناطق معينة” (أ ف ب عربي، 4/10/2016)، وكل ذلك وكيري ولافروف يتزاوران ويتجاذبان أطراف الحديث بصداقة حميمة (واستطرد لافروف قائلاً: “إننا نسعى لإزالة العقبات على طريق تنفيذ ما اتفقنا عليه بشأن التسوية السورية”، مؤكدا أنه يتحدث مع نظيره الأمريكي يوميا، وذكر بأنهما أجريا السبت الماضي 3 مكالمات خلال يوم واحد...) (روسيا اليوم، 3/10/2016)، وهكذا فهم يتبادلون الأدوار ويؤدون التكاليف وفق إدارة أمريكا للصراع بأن تشتد الغارات الوحشية، والقذائف الدموية على سوريا وأهل سوريا ليخضعوهم للحلول الأمريكية بالتفاوض مع بشار وإقامة حكم مشترك تحت جناحه، وأن تصبح تلك الجرائم نسياً منسياً...
لقد استعرت الحرب الشاملة على سوريا، فالمجازر متكررة، والمستشفيات بل البيوت مدمرة، والشهداء والجرحى يصعب إحصاؤهم، ورائحة الموت في كل مكان في كثير من مناطق سوريا، وهي اليوم في حلب تجاوزت الرائحة إلى الأجساد المحترقة، وكل ذلك على مرأى ومسمع الحكام في بلاد المسلمين، المجاورين وغير المجاورين... جيوشهم رابضة في ثكناتها، وإذا تحركت فهي لحماية هؤلاء الحكام الخونة العملاء الذين لا يستحيون من الله ولا من رسوله ولا من المؤمنين... وإذا فاض منها جزء عن حمايتهم فيحركونه لصرف المقاتلين عن الجبهات الأعلى إلى جبهات أدنى كما فعل النظام التركي عندما حركَّ جيشه في الوقت الذي اشتد الصراع فيه في حلب، حرك جيشه إلى شمال سوريا ساحباً الفصائل الموالية له من جبهة حلب إلى جبهة جرابلس ما أدى إلى إعادة النظام حصار حلب في 4/9/2016… ولا زال النظام التركي محركاً جبهة شمال سوريا مع حدوده مضعفاً جبهة حلب وهو لا شك يدرك إن كان عاقلاً أن سقوط حلب سيؤدي إلى سقوط شمال سوريا، وأن بقاء حلب محررة سيؤدي إلى تحرير شمال سوريا، ولكنه يسير وفق الخطط الأمريكية للضغط على أهل الشام ليخضعوا لمشاركة النظام الحكم، ويكونوا تحت جناحه بعد كل الدماء التي سفكها، والحرمات التي انتهكها...
هكذا تصرف النظام التركي بعد أن ملأ الفضاء ضجيجاً بأن النظام السوري طاغية، وخائن، وأنه لن يسمح بحماة ثانية، فصارت ثالثة ورابعة... وبعد أن كانت حلب عمقه القومي، وفيها مدفون سليمان شاه، وأنه خط أحمر (وقد تقرع تركيا طبول الحرب وتدخلها إذا ما تعرض للاستهداف العسكري “لأنه قطعة من أرضها في الخارج”، وموجود هناك منذ أكثر من 8 قرون... وقالت الصحيفة التركية صباح عن هذا الخط الأحمر “إنه يمثل للحكومة التركية واحدا من أكثر المسائل حساسية” وفق تعبيرها عن الضريح...) (العربية، 8/10/2012)، ولكن بعد ذلك عاد فنقله من مكانه في منطقة حلب حتى لا يُحرج في الدفاع عن حلب (قامت أنقرة بعملية عسكرية استخباراتية داخل الأراضي السورية، نقلت خلالها رفات سليمان شاه، جدّ مؤسس الدولة العثمانية عثمان بن أرطغرول، بيسر ونجاح... ونقل الرفات في منطقة “قره كوزاك” بريف حلب إلى ضريح مؤقت داخل إحدى الثكنات بولاية شانلي أورفه، 24/2/2015).
إن النظام التركي عندما حرك جيشه حرّكه لفتح جبهة أخرى ليشغل الفصائل بها لإضعاف جبهة حلب، ولم يحركه لنصرة حلب، مع أن الجيش التركي قوي في عدده وعدته ويمكنه حل مشكلة سوريا وإنقاذ الناس من طاغية الشام وإهلاكه، وإعادة الحياة إلى الشام عقر دار الإسلام، ويدرك ذلك السياسيون (قال وزير الخارجية البريطاني الأسبق اللورد ديفيد أوين، إن تركيا تستطيع حاليا أن تخلق عامل توازن مهم في سوريا، بتنفيذ خطوة إنسانية عاجلة بقواتها البرية والجوية لرفع الحصار عن حلب، كونها الدولة الوحيدة التي لديها وضع سياسي وعسكري موات للتدخل البري من أجل إنقاذ المدينة...) (موقع الوطن، 3/10/2016). ولكن النظام التركي إخلاصاً لأمريكا لم يرد نصرة أهل الشام، بل يريدهم لقمة سائغة للنظام لتنفيذ الحل الأمريكي لإيجاد الدولة العلمانية في سوريا تحت النفوذ الأمريكي.
وهكذا الأردن فهي قد أوقفت جيشها يراقب ويرى ويسمع كيف تقصف درعا وجوار درعا بكل وسائل الدمار الشامل، ولا تحرك جيشها إلا حماية للنظام، فإذا فاض عن الحماية جانب من الجيش حركته إلى حدود سوريا ليس لنصرة الناس وإنقاذهم من بطش النظام، بل لمنع السوريين المظلومين العالقين على الحدود السورية “الركبان” الذين يمنعون من اللجوء إلى الأردن (... والركبان هو تجمع غير نظامي للاجئين السوريين يقع داخل الأراضي السورية على الشريط الحدودي مع الأردن، ويضم عشرات الآلاف من العائلات المهجرة، التي كانت تأمل اللجوء للمملكة التي رفضت ذلك لمخاوف من وجود عناصر إرهابية بين اللاجئين..!. وتدهورت أوضاع العالقين في منطقة الركبان بعد إعلانها منطقة عسكرية مغلقة...) (موقع 24.ae، الثلاثاء 4/10/2016).
هذه تحركات دول الجوار تسير وفق تعليمات الكفار المستعمرين، فبدل أن تنصر إخوانها في الشام تتآمر عليهم، حتى الحياد بين الظالم والمظلوم لا تراعيه! هذا عن الأردن وتركيا... وأما دول الجوار الأخرى فالعراق ولبنان ممران لحرس إيران وحزب إيران والمليشيات والأشياع والأتباع، فهي تدخل سوريا لنصرة الطاغية، وإشعال المجازر، والحيلولة دون أن تنطفئ... وحتى الدول المحيطة بالجوار فهي كذلك تضر ولا تنفع، فإن النظام السعودي فتح جبهة اليمن لإرضاء أمريكا فأشغل الجيش السعودي في تلك الجبهة بدل أن ينصر أهل الشام عن طريق الأردن، ولكن كيف وهو كذلك مع غيره من عملاء أمريكا في مشكاة واحدة؟! إن دول الجوار، بل بعض دول الجوار، كان يمكنهم لو صدقوا الله ورسوله أن ينقذوا أهل الشام من طاغية الشام، ولا يحتاج ذلك سنوات خمساً، بل أشهراً خمسةً تكفي وتزيد، ولكنهم لم يفعلوا... وإن الدول في غير الجوار لو قطعوا علاقاتهم مع أمريكا وروسيا وإيران لساهموا في وقف العدوان على الشام، ولحسبت تلك الدول الكافرة المستعمرة بعض حساب، ولكنهم لم يفعلوا... أما الجامعة العربية فهي تجتمع وتناقش موضوع حلب، وبدل الدعوة لإعلان النفير العام لإنقاذ حلب فهي تطلب تدخل المجتمع الدولي: (أكدت جامعة الدول العربية أن التطورات
الأخيرة في مدينة حلب السورية تستدعي “وقفة عاجلة” من جانب الدول العربية والمجتمع الدولي بما في ذلك من خلال مجلس الأمن... وأكد المتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية محمود عفيفي في بيان صحفي ضرورة سرعة تحرك الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي من أجل وقف حمام الدم في حلب...) (سكاي نيوز عربية، 2/10/2016)، فالجامعة العربية تطلب من المجتمع الدولي أن يوقف حمام الدم، ولا تطلب من دولها أن يحركوا جيوشهم لإنقاذ حلب، وأكدت الجامعة على “وقفة عاجلة”! حقاً إذا “لم تستح فاصنع ما شئت”!... وأما منظمة التعاون الإسلامي فيبدو أنها ليست في عجلة من أمرها فقد دعت لاجتماع طارئ يوم الأحد القادم! وأكدت على بحث الأوضاع الإنسانية في حلب كأنها تحتاج إلى بحث! (دعت منظمة التعاون الإسلامي الدول الأعضاء لحضور الاجتماع الطارئ للجنة التنفيذية على مستوى المندوبين، في مقر الأمانة العامة في مدينة جدة، الأحد المقبل، لبحث الأوضاع الإنسانية المتدهورة في مدينة حلب السورية...) (قدس برس، 4/10/2016).
هؤلاء هم الحكام في بلاد المسلمين، وهذه هي خيانتهم وعمالتهم، فقدوا حتى المشاعر التي تنتج الحياء! فمن المعروف أن أول سقوط المرء سقوطه الفكري، ومن بعدُ سقوطه المشاعري، فإذا فقد شعوره أي حياءه فقد انتهى، وبقي لحماً على عظم لا قيمة له ولا وزن، وهكذا هم ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾. إنه لم يبق لهذه الأمة إلا أن يتحرك جند مخلص من جيوشها، تتحرك فيهم أفكار الإسلام، وذروة سنام الإسلام، الجهاد، إخلاصاً لله القوي العزيز وصدقاً مع رسوله ﷺ، وتتحرك فيهم مشاعر الإسلام، فتغلي الدماء في عروقهم أمام تلك الدماء التي تسفك، والحرمات التي تنتهك، والمساجد التي تقصف مآذنها، وتهدم منابرها، وتقتلع حجارتها، ثم المستشفيات التي ينقض بنيانها، وتخرب محتوياتها، والبيوت التي تهدم فوق رؤوس أصحابها... تتحرك فيهم مشاعر الإسلام وأفكار الإسلام فيكون فيهم: (سعد وأسيد وأسعد وخالد وعقبة وطارق والمعتصم وصلاح الدين وسليمان القانوني وعبد الحميد وكثير غيرهم من أبطال الإسلام...)، فيكون النفير، ويصدع التكبير، ويرى الكفار المستعمرون وعملاؤهم والمنافقون قوة بأس جند الإسلام تجاه كل من طغى وتجبر، فيُشرَّد بهم من خلفهم ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾... لم يبق لهذه الأمة إلا جندها، المخلصون منهم والصادقون... فيا أيتها الجيوش، أيها الجند، أيتها الفصائل، يا كل أصحاب القوة إن حلب تستصرخكم وتستغيث، وتستنصركم، وترفع رأسها إلى الله من بين الأنقاض ومن خلال المجازر، ترفع رأسها إلى الله بالدعاء أن ينصرها بجند من أهل الحق ينصرونها ويعيدون لها عزها الذي كان... وفي الوقت نفسه ترفع رأسها إلى الله لينزل سخطه ولعناته على أولئك الحكام الذين يمنعون جيوش المسلمين من نصرتهم ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾.
أيتها الجيوش في بلاد المسلمين: إن الأمر جد لا هزل، فحلب تستغيث، فانفروا سراعاً ولا تتثاقلوا ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، وليس لكم حجة بأن تقولوا أطعنا حكامنا، فقد حذر الله العزيز الحكيم من ذلك فقال ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾... أيتها الجيوش يا أصحاب القوة والمنعة: إن حلب ستبقى واقفة لن تنحني إلا لله وإن لم تنصروها فستُنصر على أيدي قوم غيركم بإذن الله ﴿إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
|