بتاريخ 14 كانون الثاني/يناير 2008م أجاب رئيس الوزراء أردوغان على أسئلة الصحفيين الأوروبيين الذين اجتمع بهم في أسبانيا التي قصدها لمناسبة مشئومة، وكانت أجوبته المتعلقة بحظر الخمار في تركيا أكثر ما أثار ردود فعل عارمة ولا زالت، حيث قال: “هل هي جريمة أن يكون الخمار رمزاً سياسياً؟! هل من الممكن حظر الرموز والعلامات؟!... إلا أنه من المؤسف أننا نواجه حالياً مشكلة من هذا النوع في بلادنا، هنالك مشكلة من هذا النوع في الجامعات. إنني أرى أن تخطي ذلك من خلال هذا التعديل، من شأنه تخطي عُسر في الحريات، الحريات المتعلقة بالتعليم”. وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في المطار أثناء عودته من أسبانيا بتاريخ 16 كانون الثاني/يناير 2008م صرح قائلاً: “إذا مازالت تركيا لا تستطيع حل هذه المشكلة، فذلك عُسر حقيقي في الحريات. بإمكاننا تخطي ذلك سوية، ولا داعي لانتظار الدستور الجديد، حل ذلك في غاية اليسر، سنجلس وبجملة نتفق عليها جميعاً تحل المشكلة”. وعقب هذه التصريحات نشبت مناقشات حامية الوطيس شغلت الرأي العام التركي، وقام حزب الحركة القومية بإعداد مسودة تعديل على المادة العاشرة من الدستور وادعى أن المشكلة ستحل بذلك، وقامت بعض مؤسسات الدولة وعلى رأسها المحكمة الإدارية العليا ومدعي عام محكمة التمييز العليا بإطلاق تصريحات لاذعة وتهديدات صاخبة وتحذيرات من ضياع النظام القائم، وقام حزب الشعب الجمهوري بربط قضية الخمار ببقاء النظام وديمومته وأطلق انتقادات شديدة، وقام أصحاب الصلاحية في الحكومة وعلى رأسهم أردوغان بالانشغال بالرد على انتقادات خصومهم من جهة، ومن الجهة الأخرى بدأ التحضير لإصلاحات دستورية تتعلق بالمواد (10) و(13) و(42). وبتاريخ 24 الثاني/يناير 2008م ابتدأت لقاءات حول الموضوع بين حزب الحركة القومية (MHP) وحزب العدالة والتنمية (AKP) وتوصلوا لاتفاق مبادئ.
وفيما يلي قول حزب التحرير / ولاية تركيـا بخصوص هذه القضية والمناقشات الدائرة حولها:
1. مهما سموه وأطلقوا عليه من أوصاف من مثل؛ خمار، منديل، غطاء، ملحفة، حجاب فالله سبحانه وتعالى فرض على نساء المسلمين –العِرض الذي يجب صونه- أن يغطين رؤوسهن ضمن المقاييس التي حددها وأن يبتعدن عن التبرج، والتعليم والعمل وأمثالهما ليست بمعاذير شرعية تجيز رفع هذا الفرض، فلا يجوز لامرأة مسلمة أن ترفع خمارها كاشفة عن رأسها جزئياً أم كلياً من أجل تلقي العلم أو مزاولة العمل أو من أجل العادات والتقاليد أو بسبب ضغوط العائلة أو غير ذلك، ومن يفعل ذلك فقد وقع في الحرام البين، ووفقاً للقاعدة الشرعية فإن الأحكام المتعلقة بالعبادات والمأكولات والملبوسات لا تعلل، ولولا ذلك لعلل الخمار بأقاويل وأدعي أن لا مانع من قيام المرأة بوضع أي غطاء رأس أو عدم وضعه بتاتاً وإن خالفت في ذلك المواصفات الشرعية، وهذا ما لا يجوز أبداً.
2. إننا نقدر التصريح الذي أدلت به رئاسة الأديان من أن الخمار هو فرض من الفروض التي فرضها الإسلام، إلا أننا قد أسفنا صمتها وعدم إعلان الحكم الشرعي في قضية سماح الخمار أو حظره في الأماكن الرسمية العامة بذريعة أنها لا تملك الصلاحية. وكنا نأمل منهم أن يصرحوا بصورة علنية صارخة أن الخمار فرض فرضه الله لا يمكن حظره في أي زمان أو مكان أو ظرف.
3. إن قيام محكمة التمييز العليا والمحكمة الإدارية العليا وبعض مؤسسات الدولة الأخرى ومعهم أحزاب مثل حزب الشعب الجمهوري (CHP) والحزب اليساري الديمقراطي (DSP) وبعض الأوساط الإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني بجعل الخمار قضية تتعلق بالنظام القائم وأظهروها بأنها عامل فتنة قد تتسبب بإشعال اشتباكات هو حقد دفين وعداء تاريخي للإسلام. فالحقيقة الساطعة مفادها أن الجمهورية التركية أقيمت على العلمانية (اللادينية) مُخرجة الإسلام من الحياة والدولة، بل وتدخلت لتخرجه أيضاً من بعض المسائل الفردية. لقد أقيمت الجمهورية التركية في الوقت الذي كانت ترزح فيه دولة الخلافة العثمانية من احتلال الدول الغربية المستعمرة، من خلال إقامة دولة داخل دولة، وبحماية ودعم منهم لإسقاط الخلافة، ومن خلال إعلان الحرب على الإسلام بالرغم من أن الشعب مسلم. وما لبثت الجمهورية التركية منذ ذاك وهي تستخدم أساليب ووسائل شتى لإبعاد الإسلام عن الدولة والمجتمع. لذا فليس من المستهجن قيام حماة نظام الدولة العلمانية الدكتاتورية بإطلاق تصريحات مسمومة تتضمن مغالطات من مثل “الرجعية”، “الإسلام السياسي”، “التأخر”.
4. الجانب الحقوقي الذي يستندون إليه في حظر الخمار هو؛ القرار الذي أصدرته المحكمة الدستورية عطفاً على بعض مواد الدستور وبالذات المادة الثانية منه التي تعتبر إحدى بنودها غير قابلة للتغيير وغير قابلة للمطالبة بتغييرها (أي ديمقراطية هذه التي يدّعون!) بالإضافة إلى قرار محكمة حقوق الإنسان الأوروبية وإجراءات مجلس التعليم الأعلى (YÖK)، والذين يُعتبرون عائقاً منيعاً أمام رفع الحظر، أو على أقل حد سيتسببون بضجة عارمة. [فيما يتعلق بقرار محكمة حقوق الإنسان الأوروبية فيمكن مراجعة الرد الذي أعده ممثل حزب التحرير في هولندا السيد أوكاي بالا وأرسله لمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية بتاريخ 01 كانون الثاني/يناير 2006م بخصوص قرارها المتعلق بالدعوى التي رفعتها ضحية الخمار السيدة ليلى شاهين ضد الجمهورية التركية].
5. إن أساس فرضيتهم لحظر الخمار هو اعتبار الخمار “رمزاً سياسياً”، وهذا الاعتبار يدلل على ثلاثة أمور:
أ. تسميته “رمزاً سياسياً” هو إشارة للمبدأ الإسلامي، وذلك كون الخمار شعار إسلامي، فهو من وجهة نظر من يريدون حظره يميز النساء المسلمات اللواتي يتطلعن لتحكيم الإسلام في واقع الحياة. لذا فالمشكلة عندهم ليست الخمار فقط بل يشمل كل ما هو يخص المسلمين من مثل إطلاق اللحى، الجبة، العباءة، العمامة، النقاب، الجلباب، الملحفة وغير ذلك من مظاهر المسلمين، وإن كانت المناقشات والمشادات منصبة على الخمار. وتجدر الإشارة إلى أن رفع الحظر عن ارتداء الخمار هو رفع حظر جزئي وليس كاملاً، أي أن ما يُسعى لرفع الحظر عنه هو “رفع الحظر عن ارتداء الخمار في الجامعات والمعاهد المتوسطة” ولا تشمل المساعي الحظر المفروض على ارتداء نساء المسلمين الخمار والنقاب والجلباب والعباءة في المؤسسات والدوائر الرسمية، ولا الحظر المفروض على طالبات المدارس الإعدادية والثانوية، ولا الحظر المفروض على رجال المسلمين من إطلاق اللحى وارتداء الجبة والعباءة والعمامة. ولا يتضمن بتاتاً قرار المحكمة الإدارية العليا الذي يحظر على نساء المسلمين اللواتي يعملن في مهام رسمية ارتداء الخمار في الحياة العامة وليس في أماكن عملهن فقط. أي أن التعديل المزمع إجراؤه لا يهدف إلى رفع الحظر عن مظاهر الإسلام تماماً، بل هو رفع حظر جزئي لواحد من مظاهر الإسلام المحظورة وذلك لتحقيق أهداف سياسية بما لا يتعارض مع الأسس الرأسمالية التي تتناقض مع الإسلام وأسسه.
ب. نشوب مجادلات واختلافات حول معنى الخمار ودلالاته، مدعين أن الخمار هو شعار إسلامي، وأن حزب العدالة والتنمية (AKP) هو حزب يريد الإسلام لذا فهو يريد رفع الحظر عن ارتداء الخمار أو أن له أجندة سرية يهدف من خلالها إقامة دولة إسلامية، وأنه ينتهج “التقية” لتحقيق ذلك، مما أخرج القضية عن مجراها. في حين أن الحقيقة الساطعة مفادها أن حزب العدالة والتنمية يبعد عن الإسلام بعد المشرق عن المغرب، ذلك أنه يعرف نفسه بأنه حزب محافظ ديمقراطي علماني حر، وأياً من هذه الصفات لا تمت للإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد. وما يثير شبهة علاقته بالإسلام هو كون قادته وأعضائه من المسلمين وأن لهم ماضياً إسلامياَ وأن بعض زوجاتهم يرتدين الخمار، وكل ذلك هو شأن فردي لا علاقة له بواقع الحزب والأسس التي يقوم عليها. وما التصريح الذي أدلي به في أسبانيا إلا دأب أصحاب الصلاحية في حزب العدالة والتنمية الذين لا ينفكون يذكرون في كل فرصة تسنح لهم أن حزبهم ليس بالحزب الإسلامي ولا بالحزب الديني. وفوق ذلك فإن نظرة حزب العدالة والتنمية لمشكلة الخمار ليست نظرة شرعية مستندة للعقيدة الإسلامية والأحكام المنبثقة عنها، من أن الخمار فرض فرضه الله، بل وعلى النقيض من ذلك فإنه ينظر للمشكلة من منظار ديمقراطي علماني إنساني حر، من أن ارتداء الخمار هو حرية وحق من حقوق الإنسان. ومما لا شك فيه أن دراسة مشكلة الخمار وحلها من هذا المنطلق الرأسمالي مخالفة للحكم الشرعي من كون الخمار فرضاَ واجب التطبيق امتثالا لأمر الله سبحانه وليس من باب الحريات الشخصية .
ج. الحظر المفروض هو حظر يخص الإسلام وحده، فهو غير سار على رموز ومظاهر الأديان والمبادئ الأخرى. وعلى سبيل المثال في الوقت الذي يحظر على أطفال المسلمين تعلم القرآن الكريم يطلق العنان للفعاليات التبشيرية أن تروج لأضاليلها كيفما ووقتما شاءت، وكان حزب العدالة والتنمية بنفسه قد تقدم بطلب عضوية في اتحاد الأحزاب الديمقراطية (المسيحية) الأوروبية، ولم يخرج أحد معترضاً أن في ذلك مخالفة للدستور. والرموز السياسية فهي مباحة طالما هي عائدة للرأسمالية والشيوعية وغيرها من أفكار الكفر، أما عندما تتعلق بالإسلام فتحظر، وهكذا هو تعاملهم أيضاً مع الشأن السياسي، ففي الوقت الذي ينظر للحزب الشيوعي التركي على أنه حزب مشروع، ينظر للحزب الإسلامي ” حزب التحرير ” على أنه غير مشروع.
6. إن تصدر حزب العدالة والتنمية لمشكلة الخمار مشوبة بالشبهات، ذلك أن رئيس الوزراء أردوغان قد صرح خلال المؤتمر الصحفي الذي نظمه أثناء عودته من أسبانيا أن هذا الموضوع لم يكن على جدول أعماله، وإنما تطرق إليه نتيجة لسؤال الصحفيين عنه، ومن ثم أراد حل هذه المشكلة -التي ليست على جدول أعماله- بعجلة حيث قال “لا داعي لانتظار الدستور الجديد، حل ذلك في غاية اليسر، سنجلس وبجملة نتفق عليها جميعاً تحل المشكلة” فهل الآن بعد أن مضى على وصولهم للسلطة ما يزيد عن خمس سنوات أدركوا الأمر؟! ومادام الأمر يحل بجملة واحدة لماذا لم يحلوه في فترة حكمهم الأولى التي كان لديهم فيها أغلبية نيابية أكثر مما لديهم الآن؟! وكنا قد ذكرنا في الكتاب المفتوح الذي أوصلناه آنذاك لرئيس الوزراء أردوغان بتاريخ 28 كانون الأول/ديسمبر 2004 أن بقاءه في منصبه دون حل مشكلة الخمار حلاً شرعياً هو ذل وإثم عظيم. وأثناء عودته من زيارته للبنان في شهر حزيران 2005 تحدث أن مشكلة الخمار قابلة للحل، إلا أنه لم يتخذ أية خطوات عملية تجاه ذلك، وعلى النقيض من ذلك تراجـع عـن إصدار القانون الذي يجرم الزنا. هذا كله يعني أن هنالك أمرا آخر يقف خلف قضية الخمار، فما هو ذلك الأمر؟..
أ. ما هو الداعي لهذه العجلة في حل مشكلة الخمار ولا ينتظر وضع الدستور الجديد الذين نوقش بزخم في الآونة الأخيرة والذي يُمَكِن إجراء تغييرات في مواد الدستور التي يتفق حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية على تغييرها موضع التطبيق والتنفيذ! في الوقت الذي تؤجل فيه حكومة حزب العدالة والتنمية حلها منذ خمس سـنوات! أم أن هنالك عقبة صغـيرة ظـهـرت فيمـا يتـعـلـق بقـبـول الدستور الجديد فأريد التغطية عليها بإثارة مشكلة الخمار؟
ب. هل يريدون إثارة قضية الخمار قبل موعد الانتخابات المحلية ليحوزوا على عدد أكبر من الأصوات، أم أنه يراد تعجيل الانتخابات المحلية في حال تم رفع الحظر؟
ج. هل يراد توجيه الصراع المستعر والمنافسة المستمرة بين العلمانيين الموالين لإنجلترا والعلمانيين الموالين لأميركا من خلال امتطاء قضية الخمار، أم يراد استغلالها في مساومة، أم يراد استخدامها كورقة رابحة؟
د. هل يراد خفض العوامل السلبية من مثل الأعمال الإرهابية التي شغلت الرأي العام في الآونة الأخيرة، وأخبار العمليات العسكرية خلف الحدود، وتأثيرات اهتزاز الاقتصاد العالمي؟ أم أنهم أثاروا قضية الخمار الحساسة لتغطي على إجراءات يراد تنفيذها بعيداً عن أعين الرأي العام؟
7. أما ظهور حزب الحركة القومية (MHP) فهو لا يعدو كونه محاولة لتحقيق مكسب سياسي لنيل قطعة من الحلوى، ذلك أن حزب الحركة القومية يدرك أن حزب العدالة والتنمية سيجبر على حل قضية الخمار بطريقة أو بأخرى، وأن حزب العدالة والتنمية سيصر على ذلك حتى لا يفقد قاعدته الشعبية و لتحقيق مصالح أخرى. لذا كان حزب الحركة القومية قد ابتدأ الإعداد لاقتراح إجراء تعديل دستوري قبل عودة أردوغان من أسبانيا، وفي اللحظة التي عاد فيها عَرض عليه الاقتراح محاولاً الإمساك بدور قيادي ومحاولة منه للحد من المشكلة بصورة تبقي عليها معلقة، ولما قام حزب العدالة والتنمية بإعداد مسودة اقتراحه قام بالاتفاق معه عليها، وذلك لأن حزب الحركة القومية يدرك أنه في حال قام حزب العدالة والتنمية بحل هذه المشكلة فإن شعبيته ستزداد، وشعبية حزب الحركة القومية ستنخفض، وأنه في حال لم يتمكن حزب العدالة والتنمية من حلها الآن فسيقوم بامتطائها مجدداً قبل موعد الانتخابات العامة القادمة كما فعل في السابق، لذا قام حزب الحركة القومية بالجلوس مع حزب العدالة والتنمية للحد من الحل وللتضييق على الورقة الرابحة لحزب العدالة والتنمية. وحزب الحركة القومية هو حزب انتهازي يتحيل الفرص تماماً كحزب العدالة والتنمية، فهو غير معني برفع ظلم العلمانية عن المسلمين وعن المظاهر الإسلامية.
أيها المسلمون؛
إن الخمار فرض أمر به الله سبحانه وتعالى، وهو تاج المرأة المسلمة، فلا حظر ولا صاحب صلاحية يمكنه منع القيام بهذا الفرض، فيحرم على المرأة المسلمة خلع خمارها بذريعة تلقي العلم أو العمل أو غير ذلك.
قضية الخمار؛ وإن كانت مسألة جزئية من مسائل الإسلام المتكامل، إلا أن أعداءها من الكفار وأعوانهم قدماء ومشهورون، فقضية الخمار التي أخذت أبعاداً مختلفة في أوقات وأمكنة مختلفة منذ أن ابتدأ الكفار اعتداءهم في المدينة المنورة إلى الظلم الذي وقع في حقبة البيزنطيين، ومنذ أن أقيمت الجمهورية التركية إلى الإيذاء الذي يوقعه كيان يهود، ومنذ أن برزت القضية في تركيا وتأزمت في الستينيات من القرن المنصرم إلى مقابلته بالاشمئزاز في العديد من أمصار أميركا وإنجلترا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وألمانيا.. وأذربيجان وتونس وطاجكستان والشيشان والبلقان، فكانت إحدى القضايا البارزة التي جُهر العداء للإسلام من خلالها.
ما انفكت الحكومة التركية طوال فترة حكمها منذ خمس سنوات وهي تجتر أنها ستحل مشكلة حظر الخمار، فلمـاذا تريد الحكومة حل مشكلة الخمـار؟ ألأنه فرض أمر به الإسلام؟ أم لأنها تدافع عن حريات فتيات المسلمين وحقهم في التعلم؟ أم لغير ذلك؟ مما لا شك فيه أنها لا تدافع عن الخمار لأنه فرض أمر به الإسلام، وإلا لما كانت الحكومة التركية تعتقل اليوم الشباب المسلم ولما كانت تحابي وتتملق أعداء الإسلام والمسلمين من الكفار. وأيضاً فحق الفتيات المسلمات في التعلم ليس السبب في ذلك، ذلك أنه مما هو مشهور في الجمهورية التركية أن الحقوق والحريات تنتهي حين يتعلق الأمر بالإسلام وبالمظلومين، وفوق ذلك كله فإن المحامين المكلفين رسمياً من قبل حكومة حزب العدالة والتنمية الذين أوفدوا للمدافعة عن الجمهورية التركية في محكمة حقوق الإنسان الأوروبية قدموا دفاعاً ضد الخمار تسبب في إصدار المحكمة قراراً يقر ويصادق حظر الخمـار في تركيا. لذا فإن حكومة حزب العدالة والتنمية تستخدم قضية حظر الخمار كورقة رابحة وكوسيلة في صراعها مع أذرع الدولة الخفية الذين تعرفهم بأنهم “بيروقراطيو النخبة”، مستغلة إياها بأسلوب خبيث مستقبح لرفع مستوى شعبيتها ومكانتها. إن اختتام هذا الصراع بنجاح هو أحد أركان استراتيجية أميركا الكافرة في تركيا، وحكومة حزب العدالة والتنمية ما انفكت تبذل وسعها لتحقيق ذلك، ولا تقوم بشيء من ذلك لأجل الإسلام أو لأجل البلد أو لأجل الشعب المسلم!! فبات حالهم كحال الحكام الذين وصفهم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإيجاز في حديثه لأحد الصحابة الكرام حيث قال: “أعاذك الله من إمارة السفهاء، قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهدي ولا يستنون بسنتي فمن صدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون عليّ حوضي، ومن لم يصدّقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم، وسيردوا عليّ حوضي”.
أما بالنسبة للمسلمين؛ فعليهم أن يدركوا أن الخمـار ليس بحرية شخصية أو حق ديمقراطي بل هو مما يتعبد إلى الله به، والعبادة ليس بحرية ولا حق بل هي فرض أمر الله بها يتوجب القيام بها قطعاً في كل وقت وعلى كل حال وعلى الهيئة التي أمر الله بها، وكما هو فرض فرضه الله على نساء المسلمين فهو ما يحفظ ويصون شرف الأمة الإسلامية. ومما يجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن الرسول صلى الله عليه وسلم, قد أعلن الحرب على يهود في المدينة المنورة لأن امرأة مسلمة قدمت بحلية لها لتبيعها وجلست إلى صائغ يهودي بها، فجعلوا يُريدونها على كشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوءتها، فضحكوا بها، فصاحتْ، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه,فكان جزاؤهم إعلان الحرب عليهم وإجلاؤهم عن المدينة. هذا هو معنى الخمار في الإسلام وهذه هي القيمة التي يمنحها المسلمون له!
إن الدفاع عن الخمار من باب الحرايات الشخصية التي تجيز للمرأة أن تتعرى أو تلبس الخمار....! انطلاقاً من الحقوق الديمقراطية والحريات هو عمل بعيد عن الإسلام, ينكره الإسلام ، ذلك أن كافة أعمال المسلم يجب أن تبنى على العقيدة الإسلامية، لذا فيحرم على المسلمين أن يطالبوا برفع الحظر عن الخمار من منطلق أنه حق ديمقراطي وحرية شخصية أو غير ذلك من أفكار ومظاهر الكفر، بل يجب تطبيق لبس الخمار على أنه فرض فرضه الله سبحانه. وكذلك فمن الخطأ حصر القضية في ارتداء الخمـار داخل الجامعات والمعاهد المتوسطة، دون النظر إلى حظره في المدارس الابتدائية والثانوية والدوائر الرسمية والمناطق والقواعد العسكرية، وكذلك فمن الخطأ الفادح حصر القضية في مشكلة الخمـار دون النظر إلى حظر تعليم القرآن الكريم ودوراته وحظر المظاهر الإسلامية الأخرى من مثل إطلاق اللحى، وارتداء النقاب والجلباب والملحفة وغير ذلك، ومن الخطأ حصر القضية بهذه المظاهر الإسلامية دون النظر للحظر المشدد المفروض على تطبيق الأحكام الإسلامية كاملة في الدولة والمجتمع.
أيها المسلمون؛
إن الله فرض علينا كمسلمين أن نحرص على تنفيذ وحماية ونشر الإسلام كاملاً بكافة أحكامه من عبادات ومعاملات وعقوبات وأخلاق وأحوال شخصية وجهاد وخـلافة دون استثناء أي منها، وأن نحرص للوصول إلى ذلك من خلال العمل ضمن تكتل حزبي مبدئي سياسي إسلامي يكافح سياسياً ويصارع فكرياً تماماً كما فعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى أن تقام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي تستأنف الحياة الإسلامية من جديد. و حزب التحرير/ ولاية تركيا يجدد دعوته لكم أن تعملوا معه لإقامة هذا الفرض العظيم، وبعد أن ظهر الحق وبانت الحقيقية فاليستجب من يشاء واليدبر من يشاء، وكفانا الله وكيلاً وحسيباً.
((إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً))
|