السادة العلماء الفضلاء،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تعرف الأمة الإسلامية عامةً، والمغرب خاصة، أحداثاً عظاماً وفِتناً كقطع الليل المظلم، وعرفاناً من حـزب التحريـر- المغرب، بمكانتكم في الأمة وبدوركم فيها، وبكونكم مصابيح الدجى التي يستضيء بها الناس من ظلمات الكفر والجهل والشبهات، وبها يعرفون عقيدتهم وأحكام شريعتهم، فإنه يبعث إليكم بهذا الكتاب راجياً أن ينفعنا الله وإياكم به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وقد شجعنا على أن نرسل إليكم بهذا الكتاب أمورٌ ثلاثة:
1- أننا نرجو أن تكونوا أخشى الناس لله، وأن ينطبق عليكم قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ}؛
2- أنكم ورثة الأنبياء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ»، فقد أراد الله بكم خيراً يوم أن فقَّهكم في دينه واستعملكم في نفس عمل خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم تُعلِّمون الناس الإسلام وتُزكُّونهم، قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُومِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}؛
3- أن الله عز وجل حمَّلكم أمانة تبيان الحق للناس قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} وإنا لنرجو أن تكونوا ممن حَمَلَ هذه الأمانة بحقها.
أما مناسبة هذا الكتاب فهو حال أمتنا عامةً وحال المغرب خاصة، فبعد افتراق السلطان عن القرآن بهدم دولة الخلافة سنة 1342هـ الموافق 1924م، وما تلا ذلك من احتلالٍ لبلاد المسلمين من قبل الكفار المستعمرين وتمزيقها إلى بضعٍ وخمسين دولةً، لم يخرجوا منها إلا بعد أن صنعوا من بعض بني جلدتنا حكاماً وساسةً ومثقفين يدينون لهم بالطاعة والولاء. وبعد الاستقلالات المزعومة، عَمِلَ صنائع الكفار من حكام وسياسيين ومثقفين على ربط بلاد المسلمين بالكفار سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعسكرياً، وركّزوا التفرقة بين المسلمين، فهذا مغربي وذاك جزائري وذلك أندونيسي... وضاعت بين تلك الألقابِ الوطنيةِ والقوميةِ أُخُوَّة الإسلام كما وصفهم تعالى في قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} و{هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ}، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «المسلم أخو المسلم» وحُكِمت البلاد الإسلامية بأنظمة الكفر وعُطِّلت الشريعة الإسلامية. وسار الحكام وبطانتهم من سياسيين ومثقفين وعلماء سوء في حَرْفِ المسلمين عن دينهم خدمةً لمخططات أسيادهم الكفار والتي من أحدثها مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي أعلنته أمريكا ثم تبعتها فيه أوروبا، والذي من بين أهدافه إصلاح الشأن الديني في بلاد المسلمين!! وإنها لمن المضحكات المبكيات أن تجرؤ أمريكا وأوروبا على تنصيب أنفسهم حَكَماً في أمور ديننا، ثم يرضى بحكمهم وحاكميتهم الحُكَّامُ وبطانة السوء من حولهم، ولسانُ حالهم ومقالهم يكرر مقولة النفاق والمنافقين: {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}.
وفي خضم ما تخططه أمريكا لبلاد المسلمين، أرادت للمغرب أن يكون دولةً نموذجاً في مشروعها الشرق الأوسطي الكبير فكان لها ما أرادت حيث عَمِلَ المغرب تحت أوامرها لإعادة هيكلة الحقل الديني، وعَمَدَ إلى أصوات الحق يُبعدهم تباعاً عن المنابر والكراسي العلمية، كما سارت وزارة التربية الوطنية في تغيير المناهج التعليمية وإفراغها من مضامينها الإسلامية بحيث تتوافق ومراد بوش، فقد نشرت الصحف بتاريخ 07/04/2006 تقريراً لهذه الوزارة يتهم المقررات المدرسية بالتعصب للدين الإسلامي، حيث أورد التقرير ما يلي: “وبصدد الحق في الاختلاف ضمن مبدأ التسامح، فإن التمييز ضد النساء، والتركيز على لون البشرة البيضاء، وهيمنة اللباس التقليدي والتعصب للدين الإسلامي، وقلة المضامين التي تشير صراحة إلى أهمية الاختلاف على مستوى الميل والسلوك... كلُّ ذلك شكَّل عناصر تضمنتها العديد من الكتب المبحوثة...”، كما استنكر التقرير على المسلمين أن يتضامنوا مع بعضهم البعض انطلاقاً من مرجعية دينية وبناءً على الأخوة الإسلامية، فقال: “أما التضامن الدولي فقد خلَّف مفارقات بارزة، خاصة في مادة التربية الإسلامية في السلكين معاً، والتي تضمنت محتوياتٍ تدعو إلى التضامن بين البشر أينما وُجدوا، لكن أحياناً بخلفيةٍ دينيةٍ ضيقة، تحصُر هذا الصنف من التضامن بين المسلمين، حيث لا أخوة ولا تآزر ولا تراحم إلا بينهم... وهذا الطرح يمس بمبدأ التضامن كقيمة إنسانية كونية سامية”.
أما في الاقتصاد فلم تتفتق عبقرية ساستنا إلا على ما أوصت به أمريكا في مشروعها للشرق الأوسط الكبير بتعميم السلفات الصغيرة لمحاربة الفقر، والأدق أن يُقال لمحاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فحكومتنا لا تجد حلاًّ للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية إلا في ركوب الحرام بفرض الضرائب (المكوس) وتشجيع الربا كالسلفات الصغيرة التي تصل نسبة الربا فيها إلى 30%، وسلف فوكاريم، وتحويل البلاد إلى قبلةٍ للسياحة الجنسية للشواذ ومرضى القلوب طمعاً في جلب العملة الصعبة كما يدَّعون.
أيها السادة العلماء الفضلاء،
في سياق هذه الهجمة الصليبية الجديدة على بلاد المسلمين، وقد سماها بوش صراحةً جهاراً نهاراً أنها حربٌ صليبية، وفي سياق طغيان الكفر وأهله، يعرف المغرب منذ مدة تطاولاً من بعض الأقلام في سبِّ الله عزّ وجلّ ورسوله صلى الله عليه وسلم والطعن في عقيدة المسلمين وشريعتهم وفي علماء الإسلام الأموات منهم والأحياء. فقد نشرت جريدة “الأحداث المغربية” في عددها ليوم الأربعاء 03 ماي 2006 مقالاً لعبد القادر البنة تحت عنوان “عندما تكذب أمة على نفسها”، جاء فيه أننا معشر المسلمين نكذب على أنفسنا ونعتبر أكاذيبنا حقائق مطلقة لا جدال ولا نقاش فيها، وسَرَدَ من بين هذه “الأكاذيب” على حد زعمه:
• أن الإسلام هو الدين الوحيد عند الله وأن من يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه،
• أننا خير أمة أخرجت للناس، لا لأننا فجرنا الثورة الصناعية والفكرية، وحررنا البشرية من العبودية، وأخرجناها من الظلمات إلى النور بل فقط لأننا مسلمون، نؤمن بأن الله واحدٌ وأن محمداً آخر الأنبياء...
• أن الإسلام دين الرحمة والرأفة، والحال أن فقهنا يُقِرُّ بقتل المرتد ورجم الزاني وجلد السكران وشاهد الزور، وقطع يد السارق وقطع الأرجل من خلاف لمن أفسد في الأرض والإعدام في القصاص.
• أن كل ما حرمته علينا شريعتنا هو خير لنا، فقد حرمت علينا شريعتنا الفائدة وهي طريق الادخار، وأساس الاستثمار، كما أحلت لنا النعجة وهي لا تلد إلا خروفاً واحداً في السنة...وحرمت علينا “الحلوفة” وقد تلد 15 “حليليف”... كما اعتبرت شريعتنا أن لا خير فيما حرمه الله علينا كالخمر، والحال أن أساسه الكحول، والكحول أساسي في الطب، وتساءل الكاتب كيف يُحرَّم الخمر علينا في الدنيا لأنه مفسدة ثم تجري به الأنهار في الجنة، فيكون نعمة؟
•
هذا بعض ما ورد في المقال من كفرٍ صراح ومن تكذيب لما ورد بنص القرآن القطعي الثبوت، القطعي الدلالة.
إنه ما كان لهذا الكاتب أن يتجرأ ويجهر بزندقته، وما كان لهذه الجريدة أن تنشر مقاله لو عَلِمَا أن لهذا الدين حامٍ يحميه، وسلطانٌ ينتصر له، وعلماء يسترخصون أنفسهم ومناصبهم ودراهمهم انتصاراً لدين الإسلام.
وكيف لا يجرؤ هذا الكاتب وهذه الجريدة، وقد نشرت مجلة (TELQUEL) من قبل في عددها 219 الصادر بتاريخ 01/04/2006 ملفاً تحت عنوان:”الجنس érotisme، لما كان المسلمون يتجرؤون” وصفت فيه الله عزّ وجلّ بأنه ذَكَرٌ (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}، وسيِّدَ الخلق محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه رجل نساء، وأنه ليس قدوةً فهو يأتي خلاف ما تتنزل به آيات القرآن، واتهمت فيه أمنا عائشة رضي الله عنها اتهاماً مبطناً بالزنا، والرسول صلى الله عليه وسلم بالديوثية حيث جاء في الملف أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها لما حامت حولها الشكوك بالزنا أنه يرضى منها أن تتوب إلى الله عزّ وجلّ وحسب.
وكانت أسبوعية “الصحيفة” قد نشرت في عددها 214 الصادر بتاريخ 14/6/2005، قصيدة عنوانها “رسالة إلى الله” خاطَبَ كاتبها الله عزّ وجلّ بأقبح خطابٍ ووصفه بأقبح الأوصاف... يقع هذا كله وغيره ولم تتحرك المجالس العلمية ولا رابطة العلماء ولا حاكم البلاد.
أيها السادة العلماء الفضلاء،
هذا غيضٌ من فيضٍ مما يعرفه الفضاء الإعلامي بالمغرب من تطاولٍ على عقيدة المسلمين ودينهم، فأين أنتم يا علماء المغرب؟
إنا لنوقن أنه لا يضرنا ولن يضرنا بإذن الله كيد الكائدين وطعن الطاعنين في ديننا، فإنما هي صولة الكفر ستذهب جفاءً وسيبقى ما ينفع الناس، ولن تجني أمريكا وأوروبا وأذنابهم إلا الخيبة والحسرة والخسار، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}. إلا أن الله فَرَضَ علينا معشر المسلمين وفي مقدمتهم أنتم السادة العلماء، أن نذُبَّ عن الإسلام وأن نقول بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ لاَ يَمْـنَـعَـنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ، فَإِنَّهُ لاَ يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ وَلاَ يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ» [أحمد].
لهذا فإنا في حـزب التحريـر-المغرب ندعوكم إلى أن تضطلعوا بأمانتكم وأن تقفوا في وجه كل من يطعن في عقيدة المسلمين ودينهم، وأن تكشفوا للمسلمين مخططات الكفار أمريكا وأوروبا وتفضحوا تآمرها في خطبكم ودروسكم ومحاضراتكم...، وأن لا تكونوا شهود زورٍ على تحريف المبطلين وتأويل الجاهلين لدين الإسلام، قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ . كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ . تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي العَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ}، كما ونهيب بكم أن تهبوا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأَطْرِ الحاكم على الحق أطراً، فلا خير فيكم ولا خير فينا إن لم نقل كلمة الحق مُؤْثرين بذلك رضوان الله على دراهم الدنيا الزائلة، مستهينين بعذاب الدنيا إذا ما قورن بعذاب الآخرة، مستعيذين بالله أن ينطبق علينا قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}.
كما وندعوكم إلى المبادرة بحمل الدعوة الإسلامية صافيةً نقيةً مع العاملين المخلصين لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية التي بشرنا بها رسول الله: «ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّة...».
ونبشركم أن الدائرة ستدور بإذن الله عزّ وجلّ، وأن العاقبة للمتقين، وعسى ذلك أن يكون قريباً، بل وأقرب مما تتصورون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
|