بعد تصويت المغتربين، ومع قرب الاستحقاق الانتخابي داخل لبنان في 15/5/2022م، صدرت الدعوات إلى الناس بـ”المشاركة الواسعة وبكثافة انتخاب ممثليهم في المجلس النيابي، وحث الناس على النزول إلى صناديق الاقتراع للانتخاب الذي هو فرصة للتغيير بالتصويت”! رغم أنَّ الجو العام كان بين مَنْ نصبوا أنفسهم ممثلين للمسلمين هو مقاطعة الانتخابات، لا سيما بعد ما أعلنه سعد الحريري من الانسحاب أو تعليق عمله السياسي!
أيها المسلمون، خطابنا لكم بإذن الله تعالى هو خطاب من لا يَكْذِبُ أهله، فلسنا جزءاً من هذه الطبقة السياسية وأحزابها حتى نَكْذِبَكُم أو نُغَرِّر بكم، كما يفعل أرباب الطبقة السياسية وأحزابها، أو من يريدون مشاركة السلطة على غير هدىً! وجُلُّ ما في الأمر ترقيعهم للمهترئ، ومَدُّهُم في عمر النظام والمنظومة، والاستمرار بالعمل في قوانينها! التي سَهَّلت نهب أموالكم وتشريد أبنائكم!
أيها المسلمون، نقول لكم مرة أخرى، كما قلناها مراراً وتكراراً، وصَدّقها الواقع:
إنَّ لبنان تابعٌ لأمريكا من الناحية السياسية، وأصغر سياسي في لبنان صار يعلم أنَّ السفارة تدير أمور لبنان سياسياً من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه، إما مباشرةً، أو عبر قوى سياسية تابعة لها مباشرةً، أو تابعةٍ لدول إقليمية تابعة لأمريكا. فهل تظنون أنَّ أمراً حيوياً كالانتخابات تتركه هذه القوة المهيمنة وعملاؤها والسائرون في ركابها؟ وأمريكا هذه، الساعية إلى بسط هيمنتها الاقتصادية على لبنان فوق هيمنتها السياسية، لا سيما بعد اكتشاف كمياتٍ كبيرةٍ من الغاز والنفط على شواطئه، تعمل على إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة عموماً، وفي لبنان خصوصاً، ليصل رجالاتها من أرباب الطبقة السياسية الفاسدة القديمة مع تطعيمهم بوجوهٍ جديدةٍ، لا سيما من أوساطكم أيها المسلمون “السنة”، بعدما أربكت ساحاتكم بإغلاق أبوابها أمام من يزعمون أنهم قادتكم، فعلقوا أو انسحبوا أو لم يشاركوا في العملية الانتخابية، ثم بعد أن حصل هذا الإرباك، ها هي تدفع الوسط السياسي التابع لها ليشجعكم على الانتخاب! وها هي تعيد فتح الأبواب، ولو بشكلٍ مواربٍ أمام حركة السعودية في ساحاتكم! فحريٌ بكم التنبه لهذا وعدم الاستجابة لهذه الدعوات.
إنَّ السياسيين ساعون بقوةٍ لإعادة تدوير أنفسهم، ولن يأتوا بجديد، بل سيستمرون في نهب البلاد والعباد؛ أما الوجوه الجديدة، فلم نَرَ أو نسمع أنَّ أحدهم يملك مشروع تغييرٍ جذري حقيقي، بل غاية أمرهم وأمثلهم طريقةً يقول: شاركوا النظام والمنظومة، وأدخلوا فيها الأصلح والأكفأ، أو انتخبوا ابن المدينة، أو مشروع الثورة المجهول، أو انتخبوا من يصلح الكهرباء والماء والطرقات، أو انتخبوا منعاً للفتنة، أو يعلو قرع طبول الوطنيات والقوميات المهترئة، بل قد أَدخَلَ بعضهم قضية فلسطين ودعمها في خطاباتهم الرنانة لدغدغة مشاعر المسلمين!! فأيَّ مشروعٍ تنتخبون؟! وكُلها، قديمها وجديدها يستند للنظام والمنظومة ذاتيهما. هذا باختصار شديد واقع الانتخابات والمرشحين لها من الناحية السياسية، وجوهاً قديمةً كانت أو جديدة.
لكن الأهم اليوم، مَنْ ستسمعون؟ هل ستسمعون السياسيين من الطبقة السياسية الفاسدة، أم ستسمعون الوجوه الجديدة التي تعيش على ما زرعته المنظومة القديمة، أم ستستمعون لداعي ربكم وأحكامه ودينكم، الذي هو أبرأُ لدينكم وأعراضكم؟!
إننا نرى من واجبنا أنْ نبين الأمر بشكلٍ واضحٍ، فلا تنفع في مواقف المفاصلة بين الحق والباطل العموميات والكلمات المنمقات.
ونقول: عند المسلم الأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي، والانتخابات فعلٌ محدد، ولا شك أن لهذا الفعل حكماً، ولمعرفة الحكم، لا بد من معرفة فعل النائب تحديداً، ويَلْحَق به فعل من ينتخبه، وفعل النائب اللبناني، لا سيما في ظل القانون النسبي، واضحٌ لا لبس فيه:
التشريع، وهو حرام، لأن هذا لله تعالى ورسوله ﷺ فقط؛ انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية، وهو حرام، لأنه انتخاب للكافر ومن يحكم بالكفر؛ إقرار القوانين الوضعية وهو حرام، فهو عمل بغير ما أنزل الله تعالى؛ منح الثقة للحكومة وهو حرام، لأنها تعمل بالقانون الوضعي؛ محاسبة السلطة على أساس القانون الوضعي وهي حرام، لأنها محاسبة على غير ما طلبه الشرع؛ مشاركة النائب في لوائح توصل كفاراً أو عَلمانيين للسلطة أو منحرفين وهو حرام، لأنه يجعل سبيلاً للكافر على المسلمين. فإذا كان النائب داخلاً للمجلس على هذا الأساس، ففعله حرامٌ، وانتخابه حرامٌ.
أما إذا أعلن النائب المسلم عدم عمله بكل هذا، وأنه داخلٌ للمجلس للمطالبة بحكم الله تعالى ونظامه، الذي وضعه الله تعالى لكم أيها المسلمون، ومحاسبة الفاسدين على أساس شرع الله تعالى، جاز عمله، وجاز انتخابه. فهل سمعتم أنَّ هناك نائباً من نواب المسلمين والمسلمات، في كل لبنان أعلن ذلك، أو يمكنه القيام بذلك بناءً على قانون الانتخاب النسبي؟ بالطبع لا، لم يفعل أحدهم ذلك، ولا يمكنه الدخول مستقلاً بمشروعه، بل عليه الدخول في لوائح فيها مَنْ وما يخالف المسلم في العقيدة والفهم والمشروع! وهل بعد عِلمكم هذا يجوز انتخاب أحدٍ من هؤلاء المرشحين بوضعهم الذي هم عليه؟! لا، لا يجوز انتخاب مَنْ هذا حاله، ولو صلى وصام وحج وزكى...
ولن يبرر ذلك شبهة المصلحة والضرورة وأهون الشرين وأخف الضررين، فليست الانتخابات والترشح لها ضرورة يؤدي تركها للهلاك، هذا لو سلمنا بانطباقها في غير ما جاءت من أجله، فقد جاءت في الترخيص للمسلم أن يأكل أو يشرب ما حرم تعالى من المطعومات المحرمة في حالة الاضطرار، وهي رخصةٌ وضعها الشرع، ولا رخصة بلا نص، فمن أراد الترخيص بارتكاب فعل الانتخاب الحرام على أساس القانون النسبي فليأتِ بنص رُخصته... وليست الانتخابات من المصالح الشرعية، بل هي من التي يسميها أصحابها بالمصالح المرسلة، أي هي التي لا يوجد دليل عليها، بل هي مأخوذة من عموم كون الشريعة جاءت لجلب المصالح ودرء المفاسد، أي لا يوجد دليل يدل على حُجيتها، وهذا وحده كاف لعدم اعتبارها دليلاً شرعياً. ومع ذلك فإن واقع المصالح المرسلة من حيث هي، حسب تعريفهم لها، يدل على عدم حجيتها من وجوه عدة: أنها تناقض تعريف الحكم الشرعي، أي تناقض واقع الحكم الشرعي، فالله تعالى يقول: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾؛ والمصلحة المرسلة أتى بها العقل، وجعلُ المصالح المرسلة دليلاً شرعياً هو تحكيم لغير ما جاء به رسول الله ﷺ من كتاب وسنة، وهو اتباع لغير الشرع لأنه اتباع للعـقـل وتحكيمٌ له، ونحن مأمورون باتباع ما جاء به الوحي، ومنهيون عن اتباع غير ما جاء به الوحي، أي عن اتباع غير الرسول ﷺ، وجعل المصالح المرسلة دليلاً شرعياً هو اتباع للعقل، وليس للرسول ﷺ، أو الوحي، فلا يكون ما يدل عليه حكماً شرعياً؛ والله تعالى قد أكمل الدين، فأخذُ المصالح التي دل عليها العقل معناه أنَّ الشريعة غير كاملة وهي ناقصة، فجاء العقل وبيّن لها دليلاً ببيان المصلحة التي فيها! فتكون المصالح المرسلة بقولهم قد كمّلت الشريعة بعد أن ثبت نقصانها! وهذا مناقض لنص الآية الصريح ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي...﴾... ولا الانتخابات هي أهون الشرين وأخف الضررين، بل الأصل إزالة الضرر، والبحث هو في حِلِّ أو حُرمة الفعل الذي يقوم به النائب المسلم أو من ينتخبه على أساس هذا القانون النسبي.
وبعد هذا، أليس كل هذا أيها المسلمون بكافٍ لترككم الشبهة، والتزامكم حلال الله تعالى واجتناب حرامه، البيِّنيْن؟! قال رسول الله ﷺ في الحديث المتفق عليه: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَنْ وقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وقَعَ فِي الْحَرَامِ...». وبلا شك ولا ريبٍ عندنا، وأنتم أهل الإسلام، أنكم ستستمعون لداعي الله تعالى ورسوله ﷺ، فتُعرِضون بذلك عن الطبقة السياسية بكل وجوهها القديمة والجديدة، وتجتنبون الشبهات، وتطمئن نفوسكم، وتستبرئون لدينكم وأعراضكم، لا سيما بعد هذا الإرباك الذي سببته لكم أمريكا ورجالاتها وعملاؤها في لبنان، بل في أمتكم التي تنتمون لها.
﴿هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ * وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾
|